استقر الأمر، ليل الثلاثاء - الأربعاء الماضي، على تقليص عدد الدوائر الانتخابية في لبنان من 26، وفق القانون الأكثري النافذ حالياً وحتى موعد تصويت النواب في البرلمان على القانون الجديد نهاية الأسبوع، إلى 15 دائرة يتم الانتخاب فيها وفق النظام النسبي.
وخاضت القوى السياسية طوال أشهر مفاوضات ذات طابع تقني بهدف تحسين حظوظها الانتخابية في مُختلف الدوائر. فاوض رئيس الحكومة، سعد الحريري، على اقتطاع منطقة جزين (ذات غالبية مسيحية في الجنوب اللبناني) عن دائرة صيدا ليُحرم منافسه المُتحالف مع "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، النائب أسامة سعد، من أصوات الناخبين المسيحيين المؤيدين لـ"الوطني الحر" في جزين.
كما قلّصت القوى السياسية التي شاركت في إعداد هذا القانون من حظوظ الشخصيات المُستقلة في حجز نسبة مُعتبرة بمعنى التأثير على مسار جلسات البرلمان والتصويت فيها، من خلال فرض شروط خاصة على اللوائح غير المُكتملة التي عادة ما يلجأ المُستقلون لتشكيلها في مواجهة اللوائح الحزبية. ومن هذه الشروط "إجبارية ترشيح شخص واحد على الأقل في كل قضاء من أقضية الدائرة الانتخابية المعيّنة، ووجوب حصول هذه القائمة على 40 في المائة على الأقل من حجم الأصوات الانتخابية لحجز المقعد".
وفي إجراء حمائي ثانٍ، تم فرض اعتماد اللوائح المقفلة بدون إمكانية تشطيب أسماء منها أو إضافة أسماء من خارجها، ليبقى مفهوم "المحدلة الانتخابية" قائماً رغم اعتماد النظام. ويشكل تفصيل الدوائر بما يناسب القوى الطائفية أحد أكبر العقبات أمام المرشحين المستقلين الطامحين لحجز مقعد نيابي وكسر حلقة السلطة التي تعيد إنتاج نفسها في القانون الحالي الذي واصل مخالفة الدستور الذي نص على أن يكون عدد النواب 108، فأبقاه 128، ولم يلتزم بكوتا نسائية ولا خفض سن الاقتراع من 21 إلى 18.
إيجابيات قليلة
ورغم هذه الخطوات، فإن إقرار النسبية يُشكل مدخلاً لتعديل طفيف على دينامية التحالفات السياسية للأحزاب التي أصبحت مُضطرة لخوض تحالفات أوسع ضمن بيئتها الطائفية وفي البيئات الطائفية الأخرى لضمان أقل نسبة تقلّص لعدد نواب كتلها. ولعل أبرز مثال على هذا الواقع هو حال "كتلة المستقبل النيابية" التي تضم 38 نائباً موزعين على مُختلف الداوئر الانتخابية، والتي ستخسر عدداً من مقاعدها لصالح مرشحين آخرين. كما تطاول الآثار المباشرة للنظام النسبي حصة الطوائف الأخرى في البرلمان.
وهو ما يُفسر تسجيل رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، النائب وليد جنبلاط، لاعتراض أدبي فقط عبر مواقع التواصل مع حرص أحد ممثليه في الحكومة، وزير التربية مروان حمادة، على التأكيد أن الاعتراضات الجنبلاطية لن توقف مسيرة التوافق. وبهذه الحجة نفسها تراجع قطبا الثنائية الشيعية (حزب الله وحركة أمل) عن اقتراحهما باعتماد النسبية مع تحويل لبنان إلى دائرة انتخابية واحدة، وهو ما كان ليُغير توزيع الحصص البرلمانية بشكل كبير.
وأمام هذا الواقع، بات سهلاً على وزير الداخلية، نهاد المشنوق، أن يسخر خلال جلسة مجلس الوزراء من الاعتراضات الوزارية الكثيرة التي سمعها داخل المجلس، والقول ضاحكاً خلال إجراء اتصال هاتفي في باحة قصر الرئاسة في بعبدا، إن "كل الاعتراضات تأتي تحت سقف القبول". وهو السقف إياه الذي ارتضته القوى السياسية ويحرم الرأي العام من سلسلة إصلاحات جذرية في قانون الانتخابات وعدت هذه القوى بالنظر فيها، كإقرار كوتا نسائية في البرلمان، وخفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً، ومنح حق التصويت للعسكريين. لكن القانون الجديد ينص على اعتماد ورقة الاقتراع المطبوعة سلفاً والتي تضم كافة اللوائح المُقفلة المرشحة ضمن دائرة مُحددة مع خانات إلى جانب اسم كل مرشح لمنحه الصوت التفضيلي. وتوافقت القوى السياسية أيضاً على إصدار بطاقات ممغنطة للمواطنين تسمح لهم بالتصويت في مكان إقامتهم دون الحاجة للانتقال إلى أقضيتهم لممارسة عملية التصويت، وهو إجراء ظاهره مريح ولكنه يطرح تساؤلات جدية عن قدرة أجهزة وزارة الداخلية والبلديات على استيعاب كثافة التصويت في بيروت التي يُقيم فيها حوالي 2 مليون مواطن مثلاً. وبالنظر إلى تجربة الوزارة في إدارة الانتخابات البلدية عام 2016 وحجم الخروق والمشاكل التقنية التي أثّرت على ديمقراطية العملية الانتخابية ككل، بحسب تقارير "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات"، فإن إقرار مجلس الوزراء تمديد ولاية البرلمان الحالي - الممدد لنفسه لدورتين كاملتين أصلاً - حتى مايو/ أيار من العام المقبل، تحت عنوان "التمديد التقني لاستكمال الإجراءات اللوجستية"، قد تكون غير كافية. كما لا تزال بنود عدة في القانون الجديد غير مُحددة، كـ"إقرار نظام الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، وتحديد سقف الإنفاق الانتخابي، وضوابط العمل الإعلامي والدعائي في الحملات، وتأهيل المراكز لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة".