ويرجح مراقبون أن القوى السياسية النافذة في العراق قد تعمل على الإبقاء على الوضع على ما هو عليه إلى حين اكتمال الدورة البرلمانية الحالية، والتي تنتهي منتصف عام 2022، مع العلم أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي كان قد وعد، في برنامجه الحكومي، بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة على أسس نزيهة بعد إكمال تشريع قانون الانتخابات، وتفعيل عمل مفوضية الانتخابات، بالتعاون مع الأمم المتحدة.
في السياق، أفادت مصادر سياسية مقربة من مكتب الكاظمي بأن "الأخير جادّ في حراكه ومفاوضاته مع الكتل السياسية والدوائر القانونية من أجل تسيير وترتيب ما يتعلق بالانتخابات المبكرة التي طالب بها المحتجون، وهو بصدد استكمال كل الترتيبات البرلمانية والقانونية، وتحديد موعد إجراء الانتخابات، إضافة إلى إشراك الأمم المتحدة في الإشراف عليها للحدّ من عمليات تزوير باتت تتكرر مع كلّ دورة انتخابية تشريعية، كما تعهد أخيراً لمجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات بتوفير احتياجاتها لبيئة انتخابية آمنة، لضمان المشاركة الواسعة فيها".
وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "كتلاً سياسيةً مهمةً تساند الكاظمي في مهمته، وتحديداً تحالف سائرون الذي يقوده مقتدى الصدر، ولكن قوى أخرى تقف في وجه إجراء الانتخابات، وتحديداً القوى السياسية الكردية وبعض القوى العربية السنية، والأخرى المرتبطة بالحشد الشعبي (تقصد تحالف "الفتح")، وهي غير راغبة بإجراء الانتخابات المبكرة وفقاً لقانون الانتخابات الجديد".
وكان مجلس النواب قد مرّر قانون انتخابات مجلس النواب، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلا أن رئاسة المجلس لم ترسله إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه ونشره في جريدة الوقائع الرسمية بحجة عدم اكتمال الجداول المتعلقة بالدوائر الانتخابية، والاحصائيات السكانية، وكوتا النساء.
وعن "سائرون"، أشار النائب رعد المكصوصي إلى أن "انتخابات عام 2018 شهدت تزويراً وتلاعباً بالأصوات، كما أن بعض مراكز الاقتراع في بغداد وغيرها من المحافظات تعرضت إلى ضغوطات من أجل تحقيق غايات سياسية وانتخابية، وبالتالي فإنّ مطلب الانتخابات المبكرة اقترحه الصدر وتحالف (سائرون) وتبناه المتظاهرون من أجل محو النكبة التي تعرضت لها العملية السياسية خلال العامين الماضيين"، مشيراً في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنه "من الممكن تجاوز المشاكل الفنية والتقنية التي تتذرع بها بعض الكيانات السياسية لإجراء الانتخابات المبكرة، حتى ترتيب التشريعات الخاصة بالانتخابات من الممكن العمل عليها برلمانياً خلال أقل من أربع جلسات".
أما عضو تحالف "الفتح" (الممثل السياسي للحشد الشعبي في البرلمان العراقي)، عامر الفايز، فقال لـ"العربي الجديد"، إنه "ليس من حق أي جهة سياسية أن تتنصل من الاتفاقات التي جرت بينها قبل اختيار مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة، لأن الانتخابات المبكرة مطلب سياسي لبعض الكتل، كما أن المتظاهرين يطالبون به، ثم أنه حظي بمباركة المرجعية (علي السيستاني) وقد دعت إلى ضرورة إجرائها". واستدرك بالقول: "لكن الأزمة الاقتصادية قد تؤثر على إجراء الانتخابات، كما أن استمرار تفشي فيروس كورونا في العراق قد يحول دون القيام بها، ولكن لا يزال الوقت متاحاً أمام الكاظمي لترتيب كل المتعلقات المرتبطة بالانتخابات المبكرة".
وأكد الفايز وجود "بعض الكيانات السياسية التي كانت داعمة حين دعت مرجعية النجف إلى الانتخابات المبكرة، ولكنها باتت اليوم تتحاشى الحديث عنها، وهذا ما لاحظناه خلال الأيام الماضية، ولكن طالما أن هناك حراكاً شعبياً يدعم هذا التوجه، فقد نشهد الانتخابات خلال الأشهر المقبلة".
ولفت إلى أن "الكاظمي هو الآخر كان قد طرح الانتخابات المبكرة بفقرة ضمن بنود برنامجه الحكومي، وبالتالي فهو ملزم بتنفيذها، ولكن يبقى أن يتم تحديد الوقت المناسب الذي يكون فيه العراق جاهزاً لمثل هذا الإجراء".
في المقابل، أكد عضو مجلس النواب العراقي باسم خشان أن "غالبية الكتل السياسية والأحزاب غير جادة في إجراء الانتخابات، حتى تلك التي تدّعي أنها تدعم توجه الكاظمي لإجرائها، وذلك لأسباب سياسية وأخرى تتعلق بالضغوطات الخارجية، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية وظروف عملية الاقتراع"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "بعض الكتل تعرف أنها ستقع بكارثة إذا أجرت الانتخابات، بسبب اختلاف النتائج بين انتخابات 2018 والانتخابات المبكرة".
إلى ذلك، رأى الباحث بالشأن العراقي عبد الله الركابي أن "تبدل مواقف بعض القوى السياسية من مؤيدة وداعمة لمطلب إجراء الانتخابات المبكرة إلى رافضة له، يقع في خانة الاحتيال على مطالب المتظاهرين والتمسك بالمحاصصة الطائفية والحزبية، والتلاعب بالأصوات في كل عملية اقتراع تحصل في البلاد، كما أن بعض القوى الجديدة التي استغلت الحرب على تنظيم (داعش)، ومنها الكيانات السياسية التي انبثقت من (الحشد الشعبي)، لن تحظى بالحجم البرلماني نفسه الذي حظيت به في انتخابات 2018، وبالتالي فهي تعارض أي خطوة باتجاه سحب البساط منها".
وأكمل في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الانتخابات المبكرة، إذا جرت، ستكون مغايرة من حيث الإجراءات والنتائج للكيانات السياسية التي دخلت غالبيتها على خط قمع الاحتجاجات عبر السلاح والإعلام، كما أنها قد تشهد مشاركة جيل سياسي وأحزاب وكيانات جديدة تؤثر على الأحزاب النافذة في البلاد"، مرجحاً أن "الأحزاب ستعرقل إجراء الانتخابات المبكرة إلى عام 2022، من أجل ترتيب أوضاعها التي تدهورت خلال الأشهر الماضية بفعل التظاهرات".