أعاد تصريح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف حول قرب انطلاق أعمال اللجنة الدستورية حول سورية، التي شهدت مخاضاً عسيراً، الأنظار إلى هذه اللجنة، خصوصاً مع حديث المسؤول الروسي يوم الأربعاء الماضي عن أن بلاده تأمل بإنجاز انطلاق اللجنة الدستورية قبل نهاية شهر سبتمبر/أيلول الحالي، وأنه "من الممكن تحديد موعد إطلاق عملها". سبق هذا التصريح إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن خروج التشكيل النهائي للجنة "بات قريباً جداً"، مع أن "الخلاف بخصوص الأسماء لا يزال قائماً حول اسم أو اسمين".
وعلمت "العربي الجديد" من مصادرها داخل القائمة الثالثة (قائمة المجتمع المدني المؤلفة من 50 اسماً) أن الخلاف على الاسم أو الاسمين اللذين أشار إليهما لافروف، ينحصر بين أسماء ثلاثة (ميس كريدي، دلشا أيو، وسليمان القرفان)، والتي قد تكون محط اعتراض وخلاف، إذ يصرّ النظام السوري بضغطٍ من الإيرانيين، ومعهم الروس، على شطب هذه الأسماء، بحسب المصادر.
ولفتت المصادر إلى أن اثنين من الأسماء الثلاثة آنفة الذكر، هي تكملة لأربعة أسماء تم تداولها سابقاً (إبراهيم درّاجي، سام دلة، فائق حويجة، ريم تركماني)، والتي شكّلت ما عُرفت بعقدة الأسماء الستة، بعد استبعاد واحد من الأسماء الثلاثة الأولى في وقت سابق على ما يبدو، يُرجح أن يكون سليمان القرفان، نقيب "المحامين الأحرار في درعا".
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن النظام لا يزال يُبدي اعتراضاً على اسم رجل دين مسيحي (مطران)، كبديل عن واحد من الأسماء المطلوب شطبها، وهذا الاسم (المطران) كان النظام قد طرحه في بداية الأمر، وأبدت المعارضة رفضها له، وبعدما قبلت المعارضة به، قام النظام برفضه.
وأشارت مصادر أخرى لـ"العربي الجديد" من داخل قائمة المعارضة في اللجنة، إلى أن "الخلاف لم يكن على الأسماء بقدر ما كان على القواعد الإجرائية وآلية التصويت ورئاسة اللجنة". وتابع المصدر أن "هناك طرحاً جديداً يتم تداوله بخصوص رئاسة اللجنة، بأن تكون رئاستها من أحد أعضاء قائمة الأمم المتحدة (المجتمع المدني) مع نائبين من المعارضة والنظام وليس كما طُرح عن رئاسة مشتركة بين النظام والمعارضة"، وتوقع المصدر أن يتم الإعلان عن انطلاق اللجنة في 18 سبتمبر/أيلول الحالي. وأضاف: "طلب النظام أن تعقد الجلسات اللاحقة في دمشق، بعد عقد الجلسة الأولى في جنيف، لكن المعارضة رفضت هذا الطرح".
وعن القواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية، أثار الحقوقي علي الزير، الذي يرأس "التحالف المدني من أجل العدالة"، في حديث مع "العربي الجديد"، عدداً من المخاوف والهواجس حول عمل اللجنة، أرجعها إلى "عدم المعرفة والاطلاع على ما يحدث داخل أروقة اللجنة بقوائمها الثلاث". وأوضح الزير أن "أول هذه الهواجس يكمن في عدم الإجابة عن السؤال: هل ستكون اللجنة منتخبة، وبالتالي أي منتج دستوري أو قانوني سيصدر عنها سيعتمد بشكل تلقائي، أم أنها ستكون لجنة صياغة فقط، وبالتالي سيكون منتجها الدستوري مفروضا عليه الاستفتاء الشعبي ليكون نافذاً. أما الهاجس الثاني، فهو حول شكل هذا المنتج النهائي للجنة، هل هو إعلان دستوري، أم دستور مؤقت، أم دستور دائم؟ والهاجس الثالث والأهم، هو ما أعلن عنه المبعوث الأممي غير بيدرسن عن رئاسة مشتركة بين النظام والمعارضة للجنة، وبالتالي نحن أمام سؤال جوهري يمكن أن يؤدي إلى معضلة، في ما إذا اختلف الرئيسان على قرار أساسي، فمن سيحل هذا الخلاف؟ يجب أن تكون الإجابة عن هذا السؤال ضمن القواعد الإجرائية التي لم نطلع عليها ولم يعلن عنها حتى الآن". ولفت إلى أن "من ضمن الهواجس، اشتراط نسبة 75 في المائة من الأصوات لاعتماد أي قرار بالتصويت، ما يعني أنه يجب موافقة 113 شخصاً من بين عدد أعضاء اللجنة الـ150، أو 34 عضواً في حال كانت اللجنة مركّزة بـ45 عضوا (15 عن كل لجنة)، وأمام ذلك، لا أعتقد أنه بالإمكان اتخاذ قرارات ولا سيما بالمواد الدستورية الخلافية المتعلقة بالحكم والصلاحيات".
ولفت الزير إلى أنه "تم الإعلان عن اتفاق على 90 في المائة من القواعد الإجرائية، لكن إلى الآن لم يتم الإفصاح عنها، وهذا يخالف مبدأ الشفافية لعمل اللجنة حتى قبل انطلاقها". وبرأيه، فإن "الاستفهام يبقى قائماً حول من وضع هذه القواعد الإجرائية، هل هم الأعضاء الـ150 من القوائم؟ أم الدول الضامنة لمسار أستانة؟ أم الأمم المتحدة من خلال مكتب المبعوث الأممي؟ علماً أن الجهة التي ستضع هذه القواعد هي التي ستضمن الشكل المناسب للمنتج الدستوري الذي سيخرج عن اللجنة، وهذا تخوف كبير كون الموضوع يغلفه الغموض حتى الآن".
تلك المخاوف نقلتها "العربي الجديد" للمتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، وأحد أعضاء قائمة المعارضة للجنة الدستورية، يحيى العريضي، الذي أوضح أنه "يُقصد بالقواعد الإجرائية ما ينظّم عمل اللجنة: رئاسة، تصويت، النسبة المطلوبة لتمرير اتفاق على مادة أو بند دستوري، مرجعية كل ثلث (15 من كل ثلث، أي من كل 50)، متى يلتقي الأعضاء الـ45، كيف ستكون آلية اجتماعاتهم ومدتها، كيف يرجعون إلى مكوّنهم أو مكوّناتهم، فترة عمل اللجنة، وهل يخضع ما يُنتج لتصويت شعبي؟ ما يعلن، ومن يعلن...".
وحول ما إذا كان هناك اتفاق بين النظام والمعارضة حول هذه المسائل، أشار العريضي إلى "أننا والنظام لا ننسق مع بعضنا البعض؛ لكن كل طرف ينسق مع الأمم المتحدة كميّسر ووسيط في العملية، والتوافق حسب الأمم المتحدة على نسبة عالية من هذه القواعد".
ولدى سؤاله إذا ما كان يعتقد أن النظام، ومعه الروس والإيرانيين، سيلجؤون إلى إغراق المعارضة بالتفاصيل خلال عمل اللجنة، كما كان قبل انطلاقها، أجاب العريضي أنه "من الأكيد أن ألاعيب النظام لا تنقطع، ولا ابتزازات داعميه المتكررة، وذلك يعود لتدويل القضية السورية، وكثرة الأيادي المتدخلة فيها؛ لكن عندما تتوفر الإرادة الدولية، ويستشعر اللاعبون الدوليون أن لا مخرج لسورية ولا طريق لعودتها إلى سكّة الحياة إلا من هذه البوابة؛ ستنجح اللجنة في تحقيق مرادها".
وتبقى شرعية اللجنة الدستورية وما سيخرج عنها رهن الإجابة عن آلية القواعد الإجرائية، وأهمها الاستفتاء أو انتخاب الأعضاء فيها. وفي هذا السياق، قال الدكتور المختص في القانون الدولي وسام العكلة، لـ"العربي الجديد"، إن "اللجنة الدستورية بشكلها الحالي، أو كما نتصورها من خلال الحديث عنها قبل انطلاقها، هي عبارة عن لجنة فنية، وليست هيئة تأسيسية منتخبة، وبالتالي ليس لها أي شرعية قانونية"، معتبراً أن شرعيتها "تأتي لاحقاً عندما سيعرض المنتج الذي سيخرج عنها على الاستفتاء الشعبي والموافقة عليه، وبالتالي فإن شرعيتها لاحقة". وفيما "تكون اللجان التي تضع الدستور عادةً هيئات تأسيسية منتخبة من قبل الشعب، فإن الوضع هنا مختلف، إذ إن هذه اللجنة مختارة بأعضائها من قبل مجموعة من الأطراف، ولن تكون شرعية إلا بقبول دستورها من قبل الشعب"، بحسب رأيه. وأوضح العكلة أن "المعيار الأساسي والوحيد لنفاذ الدستور الذي ستصيغه اللجنة، هو الاستفتاء على أن يقبله الشعب بأغلبية 50+1 في المائة، أما ما عدا ذلك، فليس للجنة أو الدستور الذي ستصيغه أي شرعية أو قيمة قانونية، دولية أو محلية".
أما عن الصبغة القانونية الدولية لعمل اللجنة ضمن المسارات السياسية المختلفة (جنيف، أستانة وسوتشي) التي تتشعب القضية السورية فيها، فأكد العكلة أن "المسار القانوني المقبول من الأمم المتحدة هو مسار جنيف وبيان جنيف مع مرجعية القرار 2254، وأي حل سياسي، وليس عمل اللجنة فقط، يجب أن يمر عبر الأمم المتحدة وهذين القرارين بالإضافة للقرار 2118 لعام 2013 الخاص بملف الكيميائي، أما المسارات الأخرى كسوتشي وأستانة، فهي مسارات غير رسمية، لكن ربما تكون مساعدة للحل فقط، وإذا وجد هذا الحل طريقاً للقبول من السوريين والمجتمع الدولي يكون إضافة، على أن يمر على جنيف والأمم المتحدة لاعتماده".