منذ صدور قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، واجه نائب رئيس الوزراء السوداني، مبارك الفاضل المهدي، هجمات قوية على خلفية دعوته العلنية والمتكررة للتطبيع مع إسرائيل. وأثارت دعوة المهدي التي طرحها في أغسطس/ آب الماضي، نقاشاً واسعاً في أوساط النخب السياسية ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في السودان، وانقسم الناس حولها ما بين مؤيد للتطبيع ورافض، لكن الثابت أن معدلات الرفض ازدادت مع الغضب الناتج من قرار ترامب الأخير.
ففي جلسة طارئة للبرلمان السوداني، الخميس الماضي، طالب نواب بمنع وزراء الحكومة من الإدلاء بأي تصريحات تدعو للتطبيع مع إسرائيل، وكانت الإشارة واضحة لمبارك الفاضل المهدي دون غيره من وزراء الحكومة البالغ عددهم 32 وزيراً، والذين لم يصرح أي منهم بتلك الدعوة. تلاه بعد ذلك هجوم على المهدي من القصر الجمهوري، وتحديداً من مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم السنوسي. وقال السنوسي خلال مخاطبته حشداً جماهيرياً مندداً بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، إن "الحكومة لن تسمح بتمرير أجندات التطبيع مع إسرائيل إلا على أجسادنا ودمائنا"، مهدداً في الوقت ذاته بإقالة كل من ينادي بالتطبيع، "كونه عميلاً أو منافقاً".
أما المهدي، وفي تبريره لدعوة التطبيع مع إسرائيل، فقال إن ذلك يحقق مصالح البلاد العليا، وإن القضية الفلسطينية أخّرت العالم العربي، وهناك بعض الأنظمة استغلتها كذريعة وتاجرت بها. قوبلت تصريحات المهدي تلك، بالتجاهل من الحكومة السودانية ولم تعلق عليها لا بالرفض ولا بالموافقة في وقتها، غير أن مصادر كشفت لـ"العربي الجديد"، أن القيادة السياسية رفضت مناقشة التصريحات على أساس صدورها من المهدي بصفته الشخصية والحزبية، وليس بصفته الحكومية. وقال المتحدث باسم الحكومة أحمد بلال، في وقت لاحق، إن الحكومة السودانية ليست لديها نيّة للتطبيع مطلقاً، مشيراً إلى أن مؤتمر الحوار الوطني الذي شُكّلت الحكومة الحالية على أساسه رفض في توصياته هذا المبدأ.
اقــرأ أيضاً
بعيداً عن موضوع التطبيع، تتقاطع أفكار وآراء نائب رئيس الوزراء مع كثير من المشاركين في الحكومة الحالية في مواضيع أخرى، أبرزها اعتقاده بأن صراع السلطة داخل المنظومة الحاكمة مال لصالح العسكر الذين أبعدوا الإسلاميين عن السلطة، معلناً دعمه لذلك التوجّه، ومطالباً بدور أكبر للمؤسسة العسكرية.
هذا الموقف لم يرضِ الإسلاميين، حسب مقربين من المهدي. وقال عماد الأنصاري، المستشار الإعلامي لرئيس حزب "الأمة"، إن النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان، نجح مع آخرين في إبعاد المهدي عام 2004 حين كان مساعداً للرئيس عمر البشير، لكنهم لن ينجحوا هذه المرة. وأضاف الأنصاري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الهجوم على نائب رئيس الوزراء يقوده إلى حد كبير حزب "المؤتمر الشعبي"، أحد أجنحة الإسلاميين، ليس بسبب الدعوة للتطبيع مع إسرائيل كما هو ظاهر، بل بسبب تأييد المهدي للتوجّه الحاصل لإقصاء الإسلاميين.
واعتبر الأنصاري أن "الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل وجدت ترحيباً من الجيل الجديد الذي لم يعش تحت كنف دعوات التحرر الوطني، وهو جيل ينظر إلى المصالح كمبدأ سياسي أصيل، خصوصاً على صعيد العلاقات الخارجية"، قائلاً إن "حزب المؤتمر الشعبي والإسلاميين عموماً يسعون إلى تصفية حساباتهم السياسية مع المهدي، غريمهم التاريخي، والذي سحب عنهم البساط داخل الحكومة وفي أروقة مؤتمر الحوار الوطني"، مشيراً إلى أن "المؤتمر الشعبي اعترض حتى على مبدأ تعيين المهدي نائباً لرئيس الوزراء".
لكن القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي" كمال عمر، نفى في حديث لـ"العربي الجديد"، أي استهداف للمهدي من قِبل حزبه، مؤكداً الحرص على الرجل كصديق سياسي مطلوب استمراره في منظومة الحوار الوطني، نافياً بشدة أن يكون الحزب ضغط لإخراجه من الحكومة. واعتبر عمر أن على المهدي إدراك مبادئ وثيقة الحوار الوطني التي وقّعها حزبه، والتي تضع التطبيع مع إسرائيل كخط أحمر لا يمكن القفز فوقه، قائلاً إن "سير مبارك المهدي عكس التيار ومحاولات فرضه واقعاً سياسياً معيناً فيه كثير من المخاطر السياسية، قد يدفع ثمنه بالخروج من حكومة الوفاق الوطني".
من جهته، توقّع الصحافي أسامة عبد الماجد، عدم استمرارية المهدي في الحكومة الحالية، لافتاً إلى أن فرضية إقالته أو استقالته واردة إلى حد كبير لأسباب عدة، أهما استعداءه وتحرشه بالإسلاميين الذين يشكّلون الأغلبية في الحكومة، وتقلّبه في الآراء والمواقف، وطموحه الزائد الذي لا يتوقف عند منصب نائب رئيس الوزراء، فضلاً عن همه الأكبر في إقصاء ابن عمه الصادق المهدي من رئاسة حزب "الأمة".
وبرز نجم مبارك الفاضل المهدي عقب الانتفاضة الشعبية في إبريل/ نيسان 1985، وتولى في أول حكومة منتخبة بعد الانتفاضة منصب وزير الصناعة، ليتنقل بعدها في وزارات الطاقة والتجارة والمالية والداخلية. وبعد انقلاب يونيو/ حزيران 1989 حمل السلاح لمعارضة حكومة البشير، إلا أنه وقّع اتفاقاً معها في العام 2002 بعد انشقاقه عن حزب "الأمة" ليدخل القصر الجمهوري مساعداً لرئيس الجمهورية. ولم يمضِ عامان من تعيينه حتى دخل في خلافات مع الحكومة انتهت بإقالته من منصبه، ليعود إلى صفوف المعارضة، وفي مايو/ أيار الماضي عاد مجدداً إلى الحكم في منصب نائب رئيس الوزراء.
اقــرأ أيضاً
أما المهدي، وفي تبريره لدعوة التطبيع مع إسرائيل، فقال إن ذلك يحقق مصالح البلاد العليا، وإن القضية الفلسطينية أخّرت العالم العربي، وهناك بعض الأنظمة استغلتها كذريعة وتاجرت بها. قوبلت تصريحات المهدي تلك، بالتجاهل من الحكومة السودانية ولم تعلق عليها لا بالرفض ولا بالموافقة في وقتها، غير أن مصادر كشفت لـ"العربي الجديد"، أن القيادة السياسية رفضت مناقشة التصريحات على أساس صدورها من المهدي بصفته الشخصية والحزبية، وليس بصفته الحكومية. وقال المتحدث باسم الحكومة أحمد بلال، في وقت لاحق، إن الحكومة السودانية ليست لديها نيّة للتطبيع مطلقاً، مشيراً إلى أن مؤتمر الحوار الوطني الذي شُكّلت الحكومة الحالية على أساسه رفض في توصياته هذا المبدأ.
بعيداً عن موضوع التطبيع، تتقاطع أفكار وآراء نائب رئيس الوزراء مع كثير من المشاركين في الحكومة الحالية في مواضيع أخرى، أبرزها اعتقاده بأن صراع السلطة داخل المنظومة الحاكمة مال لصالح العسكر الذين أبعدوا الإسلاميين عن السلطة، معلناً دعمه لذلك التوجّه، ومطالباً بدور أكبر للمؤسسة العسكرية.
هذا الموقف لم يرضِ الإسلاميين، حسب مقربين من المهدي. وقال عماد الأنصاري، المستشار الإعلامي لرئيس حزب "الأمة"، إن النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان، نجح مع آخرين في إبعاد المهدي عام 2004 حين كان مساعداً للرئيس عمر البشير، لكنهم لن ينجحوا هذه المرة. وأضاف الأنصاري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الهجوم على نائب رئيس الوزراء يقوده إلى حد كبير حزب "المؤتمر الشعبي"، أحد أجنحة الإسلاميين، ليس بسبب الدعوة للتطبيع مع إسرائيل كما هو ظاهر، بل بسبب تأييد المهدي للتوجّه الحاصل لإقصاء الإسلاميين.
واعتبر الأنصاري أن "الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل وجدت ترحيباً من الجيل الجديد الذي لم يعش تحت كنف دعوات التحرر الوطني، وهو جيل ينظر إلى المصالح كمبدأ سياسي أصيل، خصوصاً على صعيد العلاقات الخارجية"، قائلاً إن "حزب المؤتمر الشعبي والإسلاميين عموماً يسعون إلى تصفية حساباتهم السياسية مع المهدي، غريمهم التاريخي، والذي سحب عنهم البساط داخل الحكومة وفي أروقة مؤتمر الحوار الوطني"، مشيراً إلى أن "المؤتمر الشعبي اعترض حتى على مبدأ تعيين المهدي نائباً لرئيس الوزراء".
من جهته، توقّع الصحافي أسامة عبد الماجد، عدم استمرارية المهدي في الحكومة الحالية، لافتاً إلى أن فرضية إقالته أو استقالته واردة إلى حد كبير لأسباب عدة، أهما استعداءه وتحرشه بالإسلاميين الذين يشكّلون الأغلبية في الحكومة، وتقلّبه في الآراء والمواقف، وطموحه الزائد الذي لا يتوقف عند منصب نائب رئيس الوزراء، فضلاً عن همه الأكبر في إقصاء ابن عمه الصادق المهدي من رئاسة حزب "الأمة".
وبرز نجم مبارك الفاضل المهدي عقب الانتفاضة الشعبية في إبريل/ نيسان 1985، وتولى في أول حكومة منتخبة بعد الانتفاضة منصب وزير الصناعة، ليتنقل بعدها في وزارات الطاقة والتجارة والمالية والداخلية. وبعد انقلاب يونيو/ حزيران 1989 حمل السلاح لمعارضة حكومة البشير، إلا أنه وقّع اتفاقاً معها في العام 2002 بعد انشقاقه عن حزب "الأمة" ليدخل القصر الجمهوري مساعداً لرئيس الجمهورية. ولم يمضِ عامان من تعيينه حتى دخل في خلافات مع الحكومة انتهت بإقالته من منصبه، ليعود إلى صفوف المعارضة، وفي مايو/ أيار الماضي عاد مجدداً إلى الحكم في منصب نائب رئيس الوزراء.