تجرّأ علينا الإسرائيليون عشرات السنين، أهانوا العرب في كل طرف وجهة، قتلوا وشرّدوا وافتكّوا بيوتاً وأراضي، قصفوا تونس التي تبعد عنهم آلاف الكيلومترات، فما بالك بلبنان على مرمى حجر. استهانوا بكل القرارات الأممية، ولم ينفع معهم أوسلو ولا واشنطن أو كامب ديفيد. جمهوريون أو ديمقراطيون في البيت الأبيض، لا يهم، كل الإدارات تقود إلى الأهداف نفسها، ولا صوت يعلو فوق صوت "الأمن الإسرائيلي". وعلى الرغم من كل هذا، لم يسبق أن اقترب الصهاينة بهذه الجرأة على المسجد الأقصى، على الرغم من استهدافه باستمرار ومحاولات اقتحامه وتدنيسه مرات عديدة.
ولكنّ شيئاً ما تغيّر اليوم، برود عربي شعبي غير مفهوم، وصمت حزبي غريب ورسمي أغرب، حتى البيانات إياها التي اعتدنا عليها مع كل ضربة اختفت، فما الذي يحدث بالتحديد؟ وهل رخص الدم الفلسطيني إلى هذه الدرجة؟ ولماذا اختارت إسرائيل أن توجّه ضربتها اليوم وفي هذا الوقت بالذات الذي يتداعى فيه البيت العربي بقوة ويكاد يسقط على سكانه؟
كان الحبيب بورقيبة يقول ويكرر إن العرب لن يقدّموا شيئاً للقضية، وعلى الفلسطينيين أن يعوّلوا على أنفسهم أولاً، وكان غيره كثر يعرفون أن العرب يبيعون القضية في مزاداتهم كلما تعبت أحوالهم الداخلية أو أرادوا اللجوء إلى لعبة الابتزاز الدولية، بل إن أنظمة أقامت خط سيرها على وهم مقاومة العدو ونفخت في جيوشها في انتظار اليوم الموعود الذي نسترد فيه الأرض، الذي لن يحين موعده أبداً.
ولكن كل هذا الكلام قديم ومجترّ ومعروف، حتى يئس أكثر المتفائلين من القوميين من كل أمل ممكن. ولكن يبدو أن ما يحدث اليوم في المغرب العربي ومشرقه من شتات وفرقة وانقسام جاء ليعصف بما تبقّى من عروبة، ويدق آخر المسامير في نعشهم، لعلهم يجدون من يشيّعهم إلى مثواهم الأخير بلا أسف عليهم ولا لوعة.
وعلى الرغم من أنهم يرمقون آخر لحظات موتهم إلا أن أحداً منهم لا يتوب، ولا يذرف دمعة أسف صادقة على شاب فلسطيني يموت دفاعاً عن أقصاهم جميعاً، بينما يتبادلون ما تبقى لديهم من مفردات التنابز والشماتة والظُرف القبيح، فتبّاً لحكام لا يحركهم موت فلسطيني، وتبّاً لشعوب يلهيها المكيّف عن مأساة أقصانا.