خيارات عسكرية وسياسية لوقف إبادة حلب

13 أكتوبر 2016
العشرات لا يزالون تحت الأنقاض في حلب (جواد الرفاعي/الأناضول)
+ الخط -
تتكثف الجهود الدولية والإقليمية للضغط أكثر على روسيا من أجل وضع حد لحرب الإبادة التي تشنها مع النظام السوري وإيران على الشعب السوري، ولا سيما في مدينة حلب التي تعيش أوضاعاً تصفها مصادر في المعارضة بالمرعبة. وأكدت تقارير أممية، أمس الخميس، مقتل ما يزيد عن 400 شخص في الأحياء الشرقية من حلب خلال الفترة الممتدة من 23 سبتمبر/أيلول لغاية الـ8 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، فيما أفاد عاملو إغاثة، أمس أن حملة القصف التي تتعرض لها الأحياء الشرقية لحلب أسفرت عن سقوط أكثر من 150 قتيلاً، خلال هذا الأسبوع، أي أن حصيلة القتلى تخطت الـ550 قتيلاً في ثلاثة أسابيع.

على الرغم من ذلك لم تتوقف روسيا، إن عبر دبلوماسييها أو عسكرييها، في الترويج للاستعداد لضمان "انسحاب آمن" لمقاتلي المعارضة بالتزامن مع محاولتها التخفيف من الضغوط عليها من خلال السعي للقاء الهيئة العليا للمفاوضات، المنبثقة عن المعارضة السورية، من دون أن تتلقى رداً منها حتى الآن.

أما الولايات المتحدة فتجري، اليوم الجمعة، مراجعة للخيارات الممكن اللجوء إليها في سورية، من دون أن يكون محسوماً أي منها ستعتمد. وفي السياق، أفاد مسؤولون أميركيون لوكالة "رويترز" أنه من المتوقع أن يجتمع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اليوم الجمعة، مع كبار مستشاريه للسياسة الخارجية لبحث خيارات عسكرية وخيارات أخرى في سورية، مع مواصلة الطائرات السورية والروسية قصف حلب وأهداف أخرى.


وقال المسؤولون لوكالة "رويترز"، إن بعض كبار المسؤولين يرون أنه يجب على الولايات المتحدة التحرك بقوة أشدّ في سورية، وإلا "فإنها تخاطر بأن تفقد ما تبقى لها من نفوذ لدى المعارضة المعتدلة" (بحسب التوصيف الأميركي)، ولدى حلفائها من العرب والأكراد والأتراك في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".

وأوضح أحد المسؤولين لوكالة "رويترز" أن بعض الخيارات تشمل عملاً عسكرياً أميركياً مباشراً، مثل شنّ ضربات جوية على قواعد عسكرية، أو مخازن للذخيرة، أو مواقع للرادار، أو قواعد مضادة للطائرات. وأضاف المسؤول أن أحد مخاطر هذا التحرك يتمثل في أن القوات الروسية والسورية غالباً ما تكون متداخلة في ما بينها، وهو ما يثير احتمال مواجهة مباشرة مع روسيا يحرص أوباما على تجنبها. كما قال مسؤولون أميركيون إنهم يعتبرون أن من غير المرجح أن يأمر أوباما بضربات جوية أميركية على أهداف للنظام السوري، وأكّدوا أنه قد لا يتخذ قراراً في الاجتماع المقرر لمجلسه للأمن القومي. وذكر المسؤولون أن أحد البدائل هو السماح لحلفاء بتزويد معارضين مسلحين اختارتهم الولايات المتحدة، بعد تمحيص، بمزيد من الأسلحة المتطورة، دون أن تشمل صواريخ مضادة للطائرات تطلق من على الكتف، تخشى واشنطن أنها قد تستخدم ضد طائرات غربية.



اجتماعات دولية وإقليمية
وتأتي هذه التطورات بينما شهدت الرياض، أمس الخميس، اجتماعاً ضمّ وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ونظراءه في مجلس التعاون الخليجي، انتهى ببيان مشترك يطالب المجتمع الدولي بالتدخل فوراً لوقف العدوان على السوريين، فضلاً عن التأكيد على أهمّية التوصل إلى حل سلمي يضمن انتقالاً سياسيّاً في سورية، وعلى دعم جهود المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا. كما أسف البيان المشترك لـ"عدم تمكين مجلس الأمن من اتخاذ قرار بشأن حلب"، مطالباً المجتمع الدولي بالتدخل فوراً لوقف العدوان على السوريين، فيما وزعت نيوزيلندا على أعضاء مجلس الأمن الدولي مشروع قرار جديد يدعو إلى وقف كل الهجمات "التي يمكن أن تؤدي لمقتل أو إصابة مدنيين في سورية"، وذلك بعد أيام من استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لوقف القصف في سورية وإدخال المساعدات الإنسانية للمحاصرين. كما عرض وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، رؤية بلاده بشأن الطريقة التي يمكن للأمم المتحدة أن تنقذ بها حلب، مشدداً على أنّه "حان الوقت لحماية الأبرياء في سورية".
في موازاة ذلك، تتجه الأنظار إلى الاجتماعات التي ستعقد غداً السبت في لوزان السويسرية وبعد غد في لندن لمعرفة ما إذا ستكون قادرة على جسر الهوة التي تتسع بين الروس والأميركيين حيال الوضع المتأزم في سورية، فيما يتجه الاتحاد الأوروبي إلى تشديد موقف مما يجري في سورية خصوصاً في حلب، إذ من المقرر أن يعتمد يوم الاثنين المقبل بياناً يؤكد أن الهجوم على حلب "ربما يرقى إلى جرائم حرب".
ومن المتوقع أن يتطرق لقاء لوزان، الذي سيشارك فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، ووزراء خارجية عدد من الدول الإقليمية المعنية بالملف السوري من دون أن تحسم مشاركة إيران من عدمها، إلى سبل العودة إلى اتفاق الهدنة الذي كان قد تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة، وروسيا لكنه انهار أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
في غضون ذلك، من المنتظر أن تحتضن لندن اجتماعاً بعد غد الأحد يجمع كيري بـ "الشركاء الدوليين" للولايات المتحدة أي بريطانيا وألمانيا وفرنسا، من أجل التباحث بالشأن السوري، خصوصاً بعدما اتخذت روسيا ونظام بشار الأسد من انهيار الهدنة ذريعة لشن حملة قصف جوي غير مسبوق على مدينة حلب، أدت إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين، وتدمير مستشفيات، ومرافق خدمية، ما أدى إلى تصاعد الانتقادات الموجهة إلى الروسي، خصوصاً من فرنسا وبريطانيا التي قال وزير خارجيتها بوريس جونسون، أمس إن "من الصواب الآن أن نبحث مرة أخرى في الخيارات الأكثر تحريكاً للأمور...الخيارات العسكرية"، قبل أن يضيف "لكن يجب أن نكون واقعيين في مسألة كيف سيكون ذلك وما يمكن تحقيقه".
وامتدت سلسلة المشاورات السياسية حول الملف السوري لتشمل أيضاً أمس الخميس اتصالاً هاتفياً بين وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت ونظيره الروسي سيرغي لافروف. كما أفادت وكالة أنباء فارس الإيرانية أن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بحث خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي التطورات المتعلقة بالملف السوري، في ثاني اتصال بين الطرفين خلال 48 ساعة. بدورها أجرت وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، سلسلة اتصالات هاتفية مع العديد من مسؤولي الأطراف المعنية لبحث آخر تطورات الصراع في سورية شملت المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا، وزير الخارجية الأميركي، ونظرائه الروسي، والسعودي، والإيراني، والتركي.


توزيع روسي للأدوار
ووصل الغضب الغربي من الموقف الروسي إزاء روسيا حدوداً غير مسبوقة، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الروسي إلى الإعراب عن أمله أن تؤدي اجتماعات لوزان إلى "إطلاق حوار جاد" يستند إلى اتفاق الهدنة المنهار الذي جرى التوصل إليه بين موسكو وواشنطن. لكن ذلك لم يمنع المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، من التحذير أمس من أن "أي أعمال عدائية ضد روسيا في سورية لن تمر دون رد مناسب من موسكو". كما دعت "الشركاء في المنطقة إلى عدم تزويد مقاتلي المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات".
من جهته، كرر الليفتنانت جنرال، سيرغي رودسكوي، أمس ما قال إنه "استعداد الجيش الروسي لضمان الانسحاب الآمن للمقاتلين مع أسلحتهم والعبور الحر للمدنيين من شرق حلب وإليها وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية إليها". وأضاف أن الجيش الروسي مستعد "لبحث أية مبادرة أو اقتراح".
من جهة ثانية لا تزال موسكو تحاول استمالة الهيئة العليا للمفاوضات، المنبثقة عن المعارضة السورية، ولا سيما بعد فشلها في تسويق "معارضة" مقربة منها توافق على رؤية موسكو اتجاه الحل السياسي وخاصة لجهة تثبيت رئيس النظام السوري بشار الأسد في السلطة. وفي السياق، علمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة داخل المعارضة السورية أن روسيا دعت الهيئة العليا للمفاوضات إلى لقاء من أجل التباحث حول ملف المفاوضات فضلاً عن الوضع في حلب. وقالت المصادر نفسها، لـ "العربي الجديد" أمس الخميس، إن المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، رفض اللقاء مع الجانب الروسي نتيجة عدم تغيير موسكو سياستها. كما أشارت المصادر إلى أنه تم عرض الأمر على أعضاء الهيئة، وكان من بينهم من يؤيد فكرة اللقاء، وهو ما أدى إلى تشكيل لجنة لبحث مواقف موسكو وتقديم مقترح للهيئة العليا في اجتماعها المقبل حول إمكانية إجراء اللقاء من عدمها.
في مقابل ذلك، لم تلق روسيا بالاً للتحذيرات الغربية من استمرار طيرانها ومقاتلات نظام الأسد في حرب الإبادة التي يتعرض لها 300 ألف سوري محاصر في مدينة حلب. وقتل ثلاثة عشر مدنياً وأصيب العشرات، صباح أمس الخميس، بعد أربعاء دام وصلت حصيلة القتلى فيه إلى خمسين، فيما وصفت فرق الدفاع المدني الوضع هناك بـ "المرعب". وقال مسؤول الإعلام في مديرية الدفاع المدني بحلب، إبراهيم الحاج، لـ "العربي الجديد" إنه "تم توثيق سقوط ثلاثة عشر شهيداً، وأكثر من 25 جريحاً، بالإضافة لوجود عالقين تحت الأنقاض إثر عدة غارات من الطيران الحربي بالصواريخ الارتجاجية والفراغية استهدفت عدة أحياء بمدينة حلب أبرزها بستان القصر والصاخور". ولفت الحاج إلى أن "القصف بالصواريخ الارتجاجية لم يهدأ، وأن سكان المدينة "في حالة رعب".