"أنا مالي خايف..أنا عايش زيادة..أنا كان لازم أقتل تحت التعذيب عام 1959 وهلق صار عمري 82 سنة، وحاجتي، فإذا قتلوني أحسن أني روح شهيد من أني أعبر الحدود وأروح لاجئ".
هذه الكلمات قالها المناضل السوري رياض الترك، في معرض حديثه خلال فيلم تسجيلي حمل عنوان "ابن العم"، لكن تراجع حالته الصحية وحاجته للعلاج والعناية، دفعتاه إلى كسر
"القاعدة"، وعبور الحدود من دمشق إلى باريس، حيث تقيم ابنته خزامى.
وأكدت مصادر "العربي الجديد" وصول الترك إلى باريس، قائلة إنه سافر من مدينة دمشق نحو حلب، ومنها إلى مدينة إدلب، ثم إلى مدينة باب الهوى الحدودية بالتنسيق مع أصدقاء، وعبر الحدود نحو أنطاكية في تركيا، ومن هناك استقل طائرة نقلته إلى مطار أتاتورك في إسطنبول، حيث أقام هناك يومين لإكمال أوراقه، وانطلق منها نحو باريس.
لقب "ابن العم"
أحبّ الترك هذا اللقب كثيراً، ويعود السبب إلى أن من كان يتفوّه باسمه في سورية، كان يتعرّض للاعتقال.
نشأ الترك في دارٍ للأيتام في مدينة حمص، وهو من مواليد 1930. أمضى أكثر من 20 عاماً في السجون، منها ما يزيد على 19 عاماً في سجون "الأسدين"، الأب والابن، ومن ضمنها 17 عاماً ونيف أمضاها في زنزانة منفردة، لكنه يقول إن "السجن يعيش في داخلي، وليس من باب الخوف، ولكن لأنه رمز للعبودية التي ما تزال قائمة".
اعتُقل الترك في زمن أديب الشيشكلي، وفي أيام الوحدة بين سورية ومصر، وفي عهدي حافظ الأسد وابنه بشار. فعند وفاة الأسد الأب، ظهر الترك على قناة "الجزيرة" من دمشق، ليقول "مات الدكتاتور"، فاعتقله الأسد الابن لأكثر من عامٍ ونصف العام، وأفرج عنه قبل "إعلان دمشق" الشهير.
الترك شيوعي بارز في الوسط السياسي السوري، ومعارض لنظام الأسدين. درس في كلية الحقوق في جامعة دمشق، وامتهن المحاماة من مكتبه في حيّ جورة الشياح بحمص.
شغل الترك منصب الأمين العام للجناح الثالث من "الحزب الشيوعي السوري"، المعروف باسم "الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي"، قبل أن يتغيّر اسم الحزب ليصبح "حزب الشعب الديمقراطي"، وتخلى عن منصبه القيادي في الحزب منذ أكثر من عشر سنوات، وتفرغ للعمل النضالي السوري المعارض.
تأسس "الحزب الشيوعي السوري" عام 1924، ثم شهد نزاعا داخليا عام 1969، استمر حتى عام 1972 حين انقسم إلى جناحين: "جناح بكداش" الذي أعلن تقرّبه من النظام، و"جناح رياض الترك" المعارض.
"مملكة الصمت"
عرّف عن سورية بأنّها "مملكة الصمت"، وهذا الاسم جاء استناداً إلى مقال كتبه بعنوان "حتى لا تكون سورية مملكة الصمت"، ثم انتقد تعديل الدستور السوري الذي قام به مجلس الشعب في 10 حزيران/يونيو 2000، حين تمّ تعديل عمر الرئيس من 40 إلى 34 عاماً.
ولكثرة الاعتقالات التي طاولت رياض الترك، أطلق عليه السوريون اسم "مانديلا سورية". وغداة أحداث 1980 التي ارتكب فيها نظام الأسد مجزرة حماة، انتقد الترك هذه السياسات فاعتقل بعدها، وتمّ الإفراج عنه عام 1997، بعد 17 عاماً من الحكم الانفرادي عقب تدهور حالته الصحية حينها.
عاد الأسد الابن إلى اعتقاله عقب تسلّمه السلطة، وأفرج عنه عقب سنتين ونصف السنة من الاعتقال، بعد محاكمته أمام محكمة أمن الدولة العليا بتاريخ 28 نيسان/إبريل 2002، في جلسة حضرها عدد من الصحافيين والدبلوماسيين المعتمدين في دمشق.
وكان الترك من عرّابي "إعلان دمشق" في عام 2005، وهو الوثيقة التي وقعت عليها شخصيات بارزة من المجتمع المدني، ومن الإسلاميين والليبراليين السوريين، وتدعو إلى إنهاء 35 عاماً من حكم أسرة الأسد لسورية واستبداله بنظام ديمقراطي.
خلال فترة الثورة في سورية، لازم الترك العاصمة السورية دمشق ودعم موقف السوريين ورفض الخروج من البلاد، بعدما غادر معظم رفاقه في الحزب.
وتؤكد المصادر المقرّبة منه لـ"العربي الجديد" بقاءه في دمشق خلال فترة الثورة. وتروي أنه "كان هادئاً، متّزناً، يتمتّع بشخصية قيادية تصل إلى حدّ العناد. كان يدخن نحو علبتي سجائر يومياً من دخّان الحمراء السوري الورق، ثم انتقل إلى الكرتون بعدما تراجعت حالته الصحية".
خلال فترة اعتقاله الانفرادي في سجون الأسد الأب، كان الترك يلملم حبيبات العدس والحصى، ويصنع منها أشكالاً فنية على الشراشف والأقمشة المهترئة، في محاولةٍ منه للحفاظ على الحد الأدنى من الذاكرة والإدراك، بالنسبة لشخصٍ أمضى أكثر من 17 عاماً في سجن انفرادي لا يتحدّث فيه مع أحد.
ويعود للترك الفضل في عدم أخذ الشيوعية بمبدأها الستاليني المتشدّد، إذ كان يشدّد على ضرورة مراعاة المجتمع الذي تأسس الحزب فيه. وفي إحدى المرّات، قال عن هذا النهج إنه "إذا كان هناك مطر في موسكو والناس تحمل مظلات، فهذا لا يعني أن نجعل الناس الذين في دمشق تحت الشمس يحملون مظلات مشابهة".