قبل أشهر معدودة، عاد معبر رفح البري بين قطاع غزة والأراضي المصرية لما يشبه طبيعة المعابر الحدودية بين الدول. كان المعبر يفتح بشكل أفضل مما كان عليه في الأعوام الأربعة الأخيرة، لكن الأمور انقلبت فجأة منذ أقل من شهرين، وأغلق المعبر ولا زال مغلقاً في وجه الغزيين. ويعيش مليونا فلسطيني في غزة، غالبيتهم العظمى لا يتمكنون من السفر عبر معبر بيت حانون/ إيريز الذي تسيطر عليه إسرائيل بشكل تام. فإجراءات السفر عبر هذا المعبر معقدة جداً، وحتى المرضى وأصحاب الحالات الإنسانية يجدون صعوبات جمة في السفر من خلاله. ويبقى معبر رفح، على بطء العمل فيه والإجراءات المصرية المعقدة، نافذة الأمل التي ينتظرها الفلسطينيون في غزة للسفر إلى مصر ومنها إلى العالم الخارجي. المفارقة في غزة أنّ محتاجي السفر ليسوا من راغبي السياحة، بل إن غالبيتهم من أصحاب الأمراض الذين لا يجدون علاجاً في القطاع الساحلي المحاصر، أو الطلاب، أو أصحاب الإقامات في الخارج والذين قدموا لزيارة ذويهم، ولم يستطيعوا الخروج.
وقد تحسنت آليات السفر عبر معبر رفح في الأشهر القليلة الماضية، وقيل حينها إنّ العلاقة بين النظام في مصر وحركة "حماس"، التي تسيطر على القطاع، تطورت وعادت إلى ما يشبه طبيعتها، قبل الانقلاب الذي أطاح بحكم الرئيس محمد مرسي، بعد سنوات من الخلافات العلنية والاتهامات التي ساقتها القاهرة ضد الحركة الإسلامية. لكن الوضع على المعبر عاد خلال الشهرين الماضيين إلى ما كان عليه سابقاً، إذ يغلق بشكل تام، ولم يسمح بفتحه إلا لعودة بعض جثامين الفلسطينيين الذين توفوا خلال تلقيهم العلاج في مصر، بالإضافة إلى مرافقي الجثامين.
لا رواية رسمية للإغلاق الحالي، لكنّ مصادر مصرية لفتت إلى أنّه ناتج عن عملية التطوير الكبيرة التي بدأتها السلطات المصرية في المعبر، والتي تشمل صالتي المغادرة والعودة. وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، يتلقف الفلسطينيون العالقون في غزة وخارجها، الأخبار المتعلقة بالمعبر، وينتظرون أي جديد، ويتفاعلون مع كل الأخبار المتعلقة بالمعبر، في دليل على حاجتهم الماسة للسفر وإنهاء متطلبات الخروج من القطاع أو العودة إليه، كما أن الوضع الاقتصادي للفلسطينيين المرضى، الذين يتعالجون في مصر، تأثر بسبب طول مدة إغلاق المعبر وعدم تمكنهم من العودة ونفاد أموالهم وانتهاء فترة علاجهم. وتُجري السفارة الفلسطينية في القاهرة محاولات لفتح معبر رفح ليومين على الأقل للسماح بعودة آلاف العالقين إلى غزة، من الأراضي المصرية ومن دول العالم.
وسمح الجانب المصري خلال فترة عمل المعبر الأخيرة، وبشكل مفاجئ، بإدخال العديد من الشاحنات والبضائع التجارية، كالإسمنت وحديد البناء وطلاء المنازل والأخشاب والسيارات الحديثة بمختلف الأحجام، بالإضافة إلى إدخال شاحنات من الأسماك إلى أسواق القطاع، ما أعطى الفلسطينيين دفعة معنوية كبيرة بتحسن الأوضاع وزيادة التسهيلات. وبشّر مسؤولون فلسطينيون ومصريون أخيراً بسلسلة من التسهيلات لقطاع غزة، لكنّ هذه التسهيلات، وإنّ بدأ تطبيقها لبعض الوقت، إلا أنها عادت واختفت مع إغلاق المعبر لفترة طويلة هذه المرة. ويقول مدير الإعلام في معبر رفح البري، وائل أبو محسن، لـ"العربي الجديد"، إنّ معبر رفح فُتح لمدة 10 أيام موزعة على الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، إذ فتحت السلطات المصرية المعبر خلال يناير/ كانون الثاني لمدة أربعة أيام، وفتحته ثلاثة أيام في كل من فبراير/ شباط ومارس/ آذار. وبلغ إغلاق المعبر حتى إبريل/ نيسان الحالي 107 أيام، في الوقت الذي وصلت فيه أيام إغلاق المعبر، منذ آخر مرة سمحت السلطات المصرية بفتحه، إلى 55 يوماً، وهو ما أدى لتراجع حالة التحسن الملحوظة التي كانت في الربع الأخير من العام الماضي وبداية العام الحالي، وفق أبو محسن.
ويوضح أنّ نحو 20 ألف فلسطيني سجلوا ضمن كشوفات وزارة الداخلية للحالات الإنسانية المسموح لها بالسفر، فيما ما يزال التسجيل مفتوحاً، بالتزامن مع إغلاق متواصل لعمل معبر رفح البري، من دون وجود معلومات رسمية لديهم عن موعد جديد لفتحه. ويلفت أبو محسن إلى أنّ العاملين في معبر رفح من الجانب الفلسطيني لاحظوا عمليات توسعة وبناء صالات جديدة تتم داخل الجانب المصري من المعبر، إلا أن السلطات المصرية لم تبلغهم بأي معلومات حول طبيعة هذه العمليات والتوسعة التي تجري. وعن عدد الغزيين الذين تمكنوا من الحركة عبر المعبر خلال فترة عمله، يبين أبو محسن أن 2624 شخصاً تمكنوا من المغادرة، في الوقت الذي عاد فيه نحو 3106 أشخاص إلى القطاع، فيما منعت السلطات المصرية 203 أشخاص من دون إبداء الأسباب.