في هذا الإطار، تشير مصادر مطلّعة على أجواء لقاء بنشعي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الرئيس الحريري وضع أمام فرنجية كل الخيارات المنطقية المطروحة لحل أزمة الرئاسة"، مضيفة أنّ خلاصة تلك الخيارات "أدّت إلى استحالة انتخاب فرنجية رئيساً من دون إعلان ذلك بشكل نهائي". ومن جملة الخيارات، التي أشار إليها الحريري، وصول عون إلى الرئاسة أو البحث عن شخصية توافقية. وتنقل المصادر نفسها عن الضيف قوله: "أمامنا إما الجنرال عون أو التوافق، ولا إمكانية للتوافق بين المكوّنات اللبنانية في الظروف الحالية". رست خريطة الخيارات الحريرية على عون، بشكل أو بآخر، بلغة دبلوماسية ومحاولات إيجاد تبريرات عقلانية للتراجع عن ترشيح فرنجية، خصوصاً أن أحد نواب تيار "المستقبل" نقل عن الحريري قوله إن فرنجية لم يقم بأي جهد لإنجاح ترشيحه، لجهة تواصله مع حلفائه وإقناعهم بالمشاركة في جلسات الانتخاب.
لكن ردّ فرنجية، بحسب أحد المشاركين في اللقاء، جاء أكثر دبلوماسية إذ أشار إلى أنه "يضع الأمور بين يديّ رئيس البرلمان، نبيه بري، وسأكون موافقاً على أي قرار يتّخذه بري في هذا الموضوع". رمى فرنجية الكرة الرئاسية إلى عين التينة (مقرّ إقامة بري في بيروت)، التي من المفترض أن يزورها الحريري في غضون ساعات للتباحث مع رئيس البرلمان في آخر هذه المستجدات، مع العلم بأنّ بري غير إيجابي في ما يخص وصول عون إلى الرئاسة، بحسب ما سبق وأكد خلال مقابلات صحافية. وعلّقت مصادر في تيار "المستقبل" على ردّ فرنجية معتبرة أنّ الأخير "عبّر عن رفضه وصول عون إلى الرئاسة عن طريق إحالة القرار إلى بري المعروف موقفه من عون".
ومن جهة أخرى، أكد نائب رئيس مجلس النواب الأسبق، إيلي الفرزلي، وأحد المقربين من عون، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المسار الذي أطلقه الحريري بالأمس يُشير إلى إمكانية الوصول إلى انتخاب عون رئيساً للجمهوريّة". واعتبر الفرزلي أن هناك أسبابا كثيرة تدل على هذا الأمر، أبرزها "استنزاف كل الخيارات الأخرى وعدم وجود فيتو إقليمي، وخصوصاً من السعودية، على عون، وحاجة النظام السياسي اللبناني واتفاق الطائف لإنتخاب رئيس"، محذراً من أنّ عدم الوصول إلى نتيجة إيجابية في هذا المسار سيؤدي إلى تحولات كبيرة في البلد، تتجاوز حتى النظام السياسي.
ويشير عدد من مسؤولي تيار "المستقبل" في بيروت إلى أنّ "معارضة بري لوصول عون سيتلقّفها حزب الله ويتذرّع بها لإطالة أمد الشغور الرئاسي"، على اعتبار أنّ الحزب وبري منسجمان بشكل كامل ووحدة قرارهما مرتبطة بما يعتبرانه "وحدة القرار داخل الطائفة الشيعية". فليس متوقعاً من قيادة "حزب الله" بذل الكثير من الجهود لنسف المسار، الذي يتحضّر الحريري في المضيّ به بتقاربه الحاصل مع عون. وكما سبق للأمين العام للحزب، حسن نصر الله، أن ساوى حليفيه عون وفرنجية واضعاً كلاًّ منهما في عين، لن يتأخر هذه المرة في وضع بري في مصاف أعلى على اعتباره شريكه داخل الطائفة ولا إمكانية لتجاوز الخطوط الحمراء معه. أما موقف "حزب الله" من الأزمة السياسية، فلم يتبدّل كثيراً وهو ما يمكن استشفافه مما نقلته وسائل إعلامية محسوبة على الحزب عن لسان نصر الله، خلال جلسة مغلقة له مع بعض رجال الدين، إذ أكد الأخير خلال اللقاء أنّ "الكلمة في سورية هي للميدان"، مما يعني أنّ الحلول السياسية مؤجلة، في سورية ومحيطها، وهو ما يضع كل الحركة الرئاسية في دائرة التساؤل.
وسرعان ما احتلّ بري المساحة الأكبر من النقاش السياسي، إذ استقبل عضو كتلة "اللقاء الديموقراطي"، النائب وائل أبو فاعور، بعد عودة الأخير من السعودية في زيارة خاطفة استمرّت لساعات. كما من المفترض أن يلتقي بري الحريري أيضاً للوقوف عند آخر المستجدات في الملف الرئاسي، في حين يقول متابعون إنّ "مصير اللقاء المرتقب بين الحريري وعون متعلّق بما سيصدر من نتائج خلال لقاء الحريري ببري"، مع العلم بأنّ بري في رحلة بحث دائم عن مضمون "سلة حلّ متكامل"، تضمّ الرئاسة ورئاسة الحكومة وشكل الحكومة والحوار الوطني وغيرها من التفاهمات المفترض إنجازها بين المكوّنات السياسية، قبل الشروع في تنفيذ أية خطوة سياسية من هذا الحجم، وهو ما يدعو إلى القول إنّ رحلة البحث عن الحل مستمرة والشغور باقٍ إلى حين.