يُختصر عدد نواب "سنّة 8 آذار" أو "سنّة حزب الله" اليوم في لبنان، بستة، يعرقل حزب الله تشكيل الحكومة بحجتهم وبذريعة تمسكه بتمثيلهم بوزير، رغم أن 4 من هؤلاء الستة منضوون أصلاً في كتل برلمانية ممثلة في الحكومة ومحسوبون من ضمن قاعدة التمثيل (وزير لكل 5 نواب). أكثر من ذلك، فإن هؤلاء النواب الستة التابعون مباشرة لـ"حزب الله"، لم يتذكروا تأليف كتلة سمّوها "النواب المستقلين" إلا أخيراً، عندما كان يفترض ولادة الحكومة، فأتاهم الإيعاز بتشكيل كتلة برلمانية تكون حجة بالنسبة لـ"حزب الله" لعرقلة الحكومة بسببها.
عبد الرحيم مراد
يعتبر عبد الرحيم مراد أكثر الشخصيات السنّية المحسوبة على "حزب الله" حضوراً اليوم على الساحة السياسية. نال في الانتخابات النيابية الأخيرة نحو 15 ألف صوت في دائرة البقاع الغربي وراشيا، فيما نال مرشحا تيار "المستقبل" في هذه الدائرة ما مجموعه نحو 17 ألف صوت. فأكد مراد بذلك حضوره في المنطقة، وقدرته على مقارعة "المستقبل" في إحدى الدوائر التي تعتبر معقلاً له. وسبق له أن دخل نادي الأسماء التي تطرح عادة لتولي سدة رئاسة الحكومة سابقاً، ولعل هذا بحد ذاته ما حوّله إلى رقم صعب في المعادلة السياسية، يصلح لاستخدامه من قبل "حزب الله" متى دعت الحاجة، خصوصاً أن مراد يستند إلى حضور شعبي في منطقته راكمها بسبب ثروته وبسبب حضوره القوي في قطاع التعليم، عبر جامعة خاصة أسسها بأسعار تنافسية، تملك فروعاً في بعض الدول العربية، مثل موريتانيا واليمن.
منذ وفاة رئيس الحكومة السابق عمر كرامي (عام 2015)، بات مراد، العروبي والناصري السابق، الرقم الأول في معادلة السنّة المحسوبين على "حزب الله"، خصوصاً أنه نجح في السنوات الأخيرة في الانفتاح على السعودية، بعد بدء الحرب في اليمن، وتسليفها مواقف داعمة ومؤيدة، ما عُدّ خطوة أساسية من قبل الرجل لتقديم نفسه أو أوراقه سعودياً، تمهيداً لمرحلة ما قد تفرض أسماء أخرى غير سعد الحريري في سدة الحكومة.
فيصل كرامي
جلس عمر كرامي يوماً بوصفه رئيساً للحكومة إلى جانب رئيس البرلمان نبيه بري في لقاء عين التينة في عام 2004، وفي الجهة المقابلة الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله. ومنذ ذلك الوقت كان كرامي رقماً رئيسياً في المعادلة بين "8 آذار" و"14 آذار"، خصوصاً أن الحريري اغتيل خلال فترة توليه رئاسة الحكومة عام 2005. ولاحقاً بقي كرامي شريكاً أساسياً، في بلاد عادة ما يكون فيها حضور أي رئيس سابق على أي طاولة سياسية ضرورة.
بعد مرض ووفاة عمر كرامي عام 2015، دخل نجله فيصل إلى الحياة السياسية من البوابة الوزارية بعد أن تنازل الثنائي الشيعي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عن مقعد شيعي لتوزير فيصل السنّي. وعكست هذه الخطوة مدى تعويل الحزب على كرامي بوصفه الشريك الأول في شمال لبنان، ذي الأغلبية السنية. على العكس من مراد، بدأت عملياً الزعامة الكرامية في الأفول في طرابلس، خصوصاً أن العائلة ليست متمولة كبيرة مثل مراد. عكست أرقام الانتخابات الأخيرة هذا الواقع، على الرغم من فوزه بـ7 آلاف صوت، أمنت له الدخول للمرة الأولى إلى المجلس النيابي، مستنداً إلى الخلاف بين تيار "المستقبل" وأشرف ريفي الذي نالت لائحته 9 آلاف صوت، وإلى تدني نسبة التصويت التي ساهمت في خفض الحاصل الانتخابي.
جهاد الصمد
لا شك أن الأرقام التي نالها جهاد الصمد في الانتخابات النيابية الأخيرة تؤكد أنه رقم في المعادلة المناطقية في قضاء الضنية ــ المنية (شمال)، إذ نال نحو 12 ألف صوت، فيما نال مرشحا تيار "المستقبل" نحو 14 ألف صوت. تضع هذه الأرقام الصمد في مقارنة واضحة مع حيثية عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي، ما يجعلهما بلغة الأرقام أيضاً أكثر حلفاء الحزب والنظام السوري حضوراً في مناطقهم، إلا أن الحساسية السياسية في لبنان والفرز ضمن البيئة الطائفية ذاتها، تؤدي دوراً عكسياً، خصوصاً أن كليهما من الأرياف السنية، فيما رئاسة الحكومة تبدو دائماً حكراً على أبناء المدن ذات الثقل السني (بيروت، صيدا، طرابلس).
عموماً نجح الصمد في تأكيد حيثيته على الرغم من غيابه عن مجلس النواب منذ عام 2005، مستنداً إلى إرث العائلة السياسي وحضورها، وإلى مرشد الصمد، والده، الذي كان يوماً فلاحاً وصل إلى سدة البرلمان، ووقف في وجه الرئيس السابق أمين الجميل حينما حاول الاعتداء على رئيس الحكومة رشيد الصلح في عام 1975، بعد اتهام الصلح للكتائب اللبنانية، حزب الجميل، بتفجير حرب لبنان (1975 ـ 1990).
عدنان طرابلسي و"الأحباش"
على عكس الحالات السياسية المناطقية التي رعاها النظام السوري في لبنان، كانت جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) المشروع الأساسي في بيروت، خصوصاً أنها تأسست في ثمانينيات القرن الماضي، بالتزامن مع أفول "المرابطون"، وتراجع الخطاب الناصري، قبل أن تنجح في دخول المجلس النيابي عبر النائب الحالي عدنان طرابلسي في عام 1992. شكلت الجمعية ثقلها مستندة إلى خطابها الديني والدعوي، ونجحت في تأسيس قاعدة شعبية كبيرة في المدينة، على الرغم من أن كثيرين في بيروت ينظرون إليها على أنها غريبة عن ثقافة المدينة الدينية. كما استندت إلى رعاية سورية ساهمت في تحولها إلى الرقم الأول على صعيد الجماعات الدينية في المدينة، متجاوزة حضور الجماعة الإسلامية (الفرع اللبناني للإخوان المسلمين) وغيرها من المجموعات.
شكلت مرحلة التسعينيات أساس تثبيت وتوسع الجمعية، التي تدير اليوم ثلاثة مساجد في العاصمة، وبعض المصليات، ويومها اشتهرت بتظاهراتها باستخدام الأسلحة البيضاء (الخناجر والسواطير والبلطات) ضد كل من يتعرض للنظام السوري، قبل أن يتراجع خطابها السياسي، إثر اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري وورود أسماء بعض أعضائها في التقرير الأول للمحقق الدولي الأسبق في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ديتليف ميليس. وعلى الرغم من سبات الجمعية منذ عام 2005، وإطلاق سراح أعضائها في عام 2009، إلا أن العودة السياسية بدأت منذ عام 2016 في الانتخابات البلدية، قبل أن تدخل بقوة في الانتخابات النيابية، تحت ظلال قانون يتطلب شركاء أساسيين وقادرين على تجيير أصوات لصالح اللوائح. فكان خيار "حزب الله" التحالف معها في بيروت، فنال مرشحها نحو 13 ألف صوت، وفي بعلبك الهرمل نال مرشحها 1500 صوت، إضافة إلى مرشحها في طرابلس الذي تحالف مع كرامي ونال نحو 4 آلاف صوت.
قاسم هاشم
على عكس كرامي ومراد و"الأحباش" والصمد، لا يشكل قاسم هاشم حيثية في منطقته (جنوب لبنان). على مدار السنوات الماضية كان عضواً في حزب البعث (السوري) من حصة كتلة حركة "أمل" النيابية، أمن وصوله إلى البرلمان مراراً في ظلّ موقع ترشحه في دوائر ذات أغلبية شيعية، وبأصوات أغلبيتها شيعية. وحتى في لغة الأرقام، نال هاشم نحو 6 آلاف في دائرة مرجعيون ـ حاصبيا ـ بنت جبيل ـ النبطية (جنوب لبنان)، في مقابل نحو 9 آلاف صوت لمرشح تيار "المستقبل" عماد الخطيب الذي لم تتجاوز لائحته عتبة الحاصل الانتخابي.
الوليد سكرية
لطالما كان سكرية عضواً في كتلة "حزب الله"، ونال سكرية نحو 7 آلاف صوت في دائرته بدعم من "حزب الله"، في بعلبك ـ الهرمل (شرقي لبنان). واعتبر أخيراً في حديث تلفزيوني أنه "كيف يُطلب منا التنازل ونحن أُلغي دورنا منذ 20 عاماً باستبعاد تمثيل السنّة من خارج تيار المستقبل"، مؤكداً أنه "إذا قبلنا أن نتمثل بأحد من خارج خط المقاومة نكون في إطار إلغاء النفس، أما الحل فيجب أن يأتي من سعد الحريري".
أسامة سعد
من خارج النواب الستة الذين يطالب "حزب الله" بتمثيلهم، لا يمكن عدم إدراج أسامة سعد، رئيس التنظيم الشعبي الناصري ووريث الحالة الناصرية المهمة في صيدا (جنوب لبنان). لعل عدم حضوره في الاجتماعات وفي مطالب النواب الستة لا يعني تباعداً مع هؤلاء بقدر ما يعني حسابات سياسية، خصوصاً أن سعد يعتبر نفسه ناصرياً وعلمانياً، لا يمكن عملياً أن يكون في عداد تكتل يحمل عنوان: "النواب السنّة". في لغة الأرقام، عندما يتحدث "حزب الله" عن النواب السنّة المستقلين لا يسقط حسابياً أسامة سعد، بل يعتبره جزءاً أساسياً، على الرغم من ابتعاده عن المعركة الحكومية الحالية، وتأكيده أنه غير معني، وأنه لن يمنح ثقته لها. عاد سعد إلى مجلس النواب حديثاً بعد هزيمته في انتخابات عام 2009، مسجلاً حضوراً قوياً في عقر دار تيار "المستقبل" مسقط رأس الحريرية السياسية، حيث نال نحو 10 آلاف صوت، منها نحو ألفي صوت شيعي من الحلفاء في "حزب الله" وحركة "أمل"، معيداً بذلك صيدا إلى ثنائيتها التاريخية بين آل الحريري وآل سعد.