من جهة "الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال"، فقد طالبت بداية بـ"دخول كافة المساعدات عبر مطارات في كينيا وأوغندا وإثيوبيا"، إلا أنها وافقت قبل انتهاء جولة أغسطس 2016، على "دخول 80 في المائة من المساعدات عبر المطارات السودانية الداخلية، على أن تدخل بقية النسبة عبر مطار أسوسا في إثيوبيا ومطار لوكيشوغيو الكيني".
أما نقطة الخلاف الثانية، التي وقفت حجر عثرة في طريق استئناف المفاوضات، فمرتبطة بالترتيبات الأمنية الخاصة بجيش "الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال"، إلى ما بعد الاتفاق السياسي. فالخرطوم اقترحت إجراء عمليات دمج لبعض قوات الحركة ضمن قوات الجيش السوداني، وتسريح البعض الآخر، بموجب برنامج ترعاه أطراف دولية بما فيها الأمم المتحدة، فيما تمسكت "الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال" ببند "الإبقاء على جيشها لعشر سنوات".
ومنذ آخر جولة تفاوض في أديس أبابا عام 2016، وقع انشقاق سياسي وعسكري واسع في صفوف "الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال"، انتهى بقيام فصيلين، الأول بقيادة نائب رئيس الحركة، عبد العزيز الحلو، بمساندة ضباط رفيعي المستوى في جيش الحركة، أما الفصيل الآخر فبقيادة رئيس الحركة مالك عقار، وأمينها العام ياسر سعيد عرمان.
وسبق أن أبدى مراقبون اعتقادهم بأن "الخلاف وقع بسبب البناء التنظيمي والتنازع على الصلاحيات السياسية والعسكرية، بيد أن الجميع اكتشف أن مواضيع التفاوض مع الحكومة كانت سبباً جوهرياً في حدوث الانشقاق، خصوصاً لجهة إصرار عبد العزيز الحلو وأنصاره على إدراج مطلب تقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان (جنوب)، والنيل الأزرق (جنوب شرق)، ضمن أجندة التفاوض. وهو ما رفضه الفريق الآخر، المنادي بإقامة نظام حكم ذاتي للمنطقتين، مع مشاركة عادلة في قسمة الثروة والسلطة على المستوي القومي".
مع العلم أنه منذ أغسطس 2016، كان التساؤل قائماً حول مصير المفاوضات بين الجانبين، وأي من فصيلي "الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال"، سيختاره الاتحاد الأفريقي، وتوافق عليه الحكومة السودانية لاستمرار التفاوض معه. وأثبتت عملية الانشقاق أن ميزان القوة العسكرية رُجح لصالح كفة عبد العزيز الحلو، بموالاة معظم القيادات العسكرية له، بينما تركز الثقل السياسي للحركة في فصيل مالك عقار.
لكن سفير الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا "إيغاد" في الخرطوم، ليسان يوهانس، حسم الجدل مع بداية شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، معلناً موافقة الحكومة و"الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال"، جناح عبد العزيز الحلو، على الجلوس لاستئناف المفاوضات في الأسبوع الأول من فبراير/ شباط المقبل، مشيراً إلى أن "المفاوضات ستعكف أولاً على وقف الأعمال العدائية ثم تعقبها جولة المفاوضات السياسية".
والأمور إيجابية في ملف وقف الأعمال العدائية، لأن الطرفين دخلا منذ أكثر من 15 شهراً في حالة وقف إطلاق النار، غير أن الصعوبة الحقيقية كامنة في المفاوضات السياسية، خصوصاً إذا مضى فصيل الحلو في طرح اقتراح تقرير المصير على طاولة التفاوض.
وأثار قرار موافقة الحكومة على الجلوس مع فصيل عبد العزيز الحلو، تساؤلات في السودان لجهة خيارها بالجلوس مع من "يدعو لتقرير المصير الذي هو بمثابة مدخل لانفصال جديد في السودان بعد انفصال الجنوب". وحذّر كثر من فرط عقد الدولة السودانية، إذا استمرت الدعوات الانفصالية.
لكن المتحدث الرسمي باسم الوفد الحكومي المفاوض مع "الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال"، حسين كرشوم، ذكر لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف الرئيسي للحكومة هو الوصول إلى اتفاق سلام ينهي كافة أشكال الحرب في المنطقتين"، مشيراً إلى أن "فصيل عبد العزيز الحلو هو الفصيل الموجود عملياً على أرض الواقع، ويسيطر على مناطق عدة ولدية قوة عسكرية وهو المؤثر في الحرب، ومن واجبنا الجلوس معه للوصول للتسوية معه. والحكومة غير معنية بالانشقاقات في الحركة الشعبية، بل تتعامل وفقاً لمعطيات على الأرض".
وأضاف أن "المناخات التي جرت فيها مفاوضات الجنوب، تختلف تماماً عن مفاوضات اليوم، ففي الماضي كانت الحكومة معزولة دولياً لدرجة العداء حتى من دول الجوار بما في ذلك إثيوبيا وكينيا وأوغندا وتشاد، في مقابل دعم لانفصال الجنوب". ورأى أن "مناخ اليوم تغير تماماً لصالح الحكومة باحتفاظها بعلاقات دولية واسعة واستقطاب دول الجوار لصالحها". ورأى كرشوم أنه "بالإمكان الوصول لاتفاق ينص على حكم فيدرالي لكل ولايات السودان، مع منح منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق تمييزاً إيجابياً استناداً للفجوة التنموية بينها وبين ولايات السودان الأخرى وضعف مشاركتها القومية في السلطة تاريخياً".
كما أن القيادي في "الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال"، عمر الطيب، لمّح إلى "تقدّم وفد الحركة بمقترح لتقرير مصير المنطقتين"، معتبراً أن "الحكومة سترفضه في البداية وتوافق عليه لاحقاً، كما كانت تفعل حينما فاوضت جنوب السودان". ورأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "سيتم تكرار تجربة الجنوب برمتها والمضي على طريق المفاوضات التي فصلت الجنوب عن السودان".
من جهته، حذّر النذير إبراهيم، المدير السابق لمكتب رئيس الحركة الشعبية، مالك عقار، مما سمّاه "إبعاد الفصيل الآخر عن طاولة التفاوض". وقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا كان الاتحاد الأفريقي والحكومة يعتقدان أن كفة الميزان العسكري لصالح فصيل بعينه، فإن عليهما تغيير هذا المعطى لصالح جناح آخر، لأن المعيار ليس ثابتاً"، لافتاً إلى أن "أي اتفاق يتوصل إليه الطرفان سيكون اتفاقاً أحادياً لا يلزم أطرافاً أخرى".
ورأى أن "الخطة الرئيسية لعبد العزيز الحلو والجهات الدولية التي ترعاه، هى تقسيم السودان لخمس دويلات"، مؤكداً أنه "سمع هذا الكلام شخصياً من الحلو مباشرة قبل سبع أو ثماني سنوات". ولمّح إلى أنه "في حينه كانت إمكانية قبول الحكومة بفكرة تقرير المصير مقبولة، إذ منحها حافز شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب". واعتبر أن "المخرج هو حكم ذاتي للمنطقتين في إطار الوحدة السودانية على أسس جديدة".
بدوره، رأى الصحافي محمد عثمان إبراهيم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "من الطبيعي جداً أن تتفاوض الحكومة مع فصيل الحلو، لأن الهدف هو وقف الحرب وتحقيق السلام، وبالتالي فإن التفاوض محصور بين الأطراف المتحاربة". وأشار إلى أن "الفصيل الآخر تم عزله من الحركة المتمردة ولم يعد يمثل ثقلاً جماعياً، وإذا أرادوا السلام فيمكنهم السعي لترتيب عودتهم كأفراد في إطار قانوني يسمح لهم بذلك، ولا حاجة لاتفاق سياسي معهم." وتوقع أن "تحصل المفاوضات في الأسبوع الأول من شهر فبراير/ شباط، وسيقدم كل طرف أقصى مطالبه في الجولة الأولى، وبعدها تبدأ عملية التنازلات". وأشار إلى "ضرورة حلّ القضايا الحقيقية في جبال النوبة التي تمّ تجاهلها سابقاً".