وفي السياق، أشارت مصادر تركية تحدثت مع "العربي الجديد"، إلى أن المعطيات على الأرض تظهر فشل جميع الاتصالات بين الأتراك والروس للتهدئة في سورية، وذلك على الرغم من تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالتزام موسكو بالاتفاقيات مع أنقرة بشأن إدلب، لكنها واصلت في الوقت ذاته التمسك بضرورة محاربة "الإرهابيين"، وهو تعبير لطالما استخدمته روسيا لتبرير العمليات الدموية التي يشنها النظام على المناطق المعارضة له.
وقال مصدر في وزارة الخارجية التركية لـ"العربي الجديد": "الوضع حرج وغامض. يبدو أن الأمور وصلت إلى طريق مسدود، لذلك نحن نعوّل على اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل حلحلة الأمور العالقة".
وتبذل تركيا جهوداً مكثفة لاحتواء التصعيد في شمال غربي سورية، في ظل تحذيرات من كوارث إنسانية في المنطقة التي تضم نحو 4 ملايين مدني. وأعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، أول من أمس الأربعاء، استضافة أنقرة قمة ثلاثية في 16 سبتمبر بمشاركة روسيا وإيران بشأن سورية. وكشف عن اتصالين هاتفيين سيجريهما أردوغان مع بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتطرق كالن إلى الهجمات المستمرة على منطقة "خفض التصعيد" شمال غربي سورية. وقال: "أبلغنا الجانب الروسي استياءنا من الهجمات على إدلب". ونفى اعتزام تركيا نقل نقطة المراقبة التاسعة بإدلب، مشيراً إلى أنّها وغيرها من نقاط المراقبة التي جرى تأسيسها بناءً على اتفاق إدلب، ستواصل عملها وفق مقتضيات الاتفاق.
ويحاول النظام السوري، بغطاء روسي، التضييق على نقطة المراقبة التركية في مورك من أجل تفكيكها. وفي السياق، قال مسؤولان تركيان لوكالة "رويترز"، إن قوات النظام السوري فتحت النار على موقع مراقبة تركي قرب معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، لكن لم تحدث خسائر بشرية. وكانت طائرات حربية استهدفت رتلاً عسكرياً الإثنين الماضي، ما أدى إلى مقتل 3 مدنيين وإصابة 12.
وقال كالن، عقب اجتماع الفريق الرئاسي في أنقرة، إن بلاده تتوقع التزام الأطراف باتفاق أستانة حول إنشاء منطقة خفض تصعيد في إدلب، حيث تم إنشاء 12 نقطة مراقبة تركية، وتم الاتفاق على عدم وجود أي عملية عسكرية فيها، محذراً من أن انتهاك الاتفاقية سيخلق أزمة إنسانية لا مفر منها.
وفي موسكو، أعلنت زاخاروفا أمس الخميس، أن روسيا مستمرة في التعاون مع تركيا بشأن الوضع في إدلب. وقالت: "نحن نعتبر أنه من المهم الالتزام الصارم بجميع الاتفاقيات المتعلقة بإدلب، التي تهدف إلى مواصلة محاربة الإرهابيين وضمان سلامة المدنيين، وفي هذا السياق، سنواصل التفاعل مع تركيا في إطار مذكرة سوتشي في 17 سبتمبر/ أيلول 2018".
وتؤكد المعطيات الميدانية في شمال غربي سورية، أن قوات النظام ومليشيات تساندها حاصرت المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي، ما يعني تبدلاً كبيراً في خريطة السيطرة لصالح هذه القوات، بعد نحو 4 أشهر من المعارك، التي شهدت استخدام روسيا مختلف أنواع الأسلحة التي فتكت بالمدنيين، وشرّدت عشرات الآلاف، ودمرت المرافق العامة، بل حوّلت مناطق، أبرزها خان شيخون، إلى كتل دمار.
وسيطرت قوات النظام على منطقة الخزانات الاستراتيجية، الواقعة بين مدينتي خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي ومورك في ريف حماة الشمالي مساء الأربعاء الماضي، وبذلك أطبقت الحصار على ريف حماة الشمالي ونقطة المراقبة التركية في محيط مدينة مورك. ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية، أمس الخميس، عن "مصدر ميداني" في قوات النظام تأكيده أن الأخيرة "سيطرت على الجزء الأكبر من مدينة خان شيخون الواقعة في ريف إدلب الجنوبي"، مشيراً إلى أنها تقوم بعمليات تمشيط وإزالة الألغام والعبوات منها. وقال المصدر إن قوات النظام "سيطرت على الجزء الأكبر من مدينة خان شيخون، وتحديداً الأحياء الشمالية منها، حيث بقيت الأحياء الجنوبية باتجاه نقطة مورك التي تنتظر مبادرة تركية لإخلاء المسلحين بريف حماة الشمالي. كما يقوم الجيش بعمليات التمشيط وإزالة الألغام في المناطق المحررة من المدينة". وأضاف المصدر: "بسيطرة الجيش على خان شيخون تعتبر كفرزيتا واللطامنة ومورك ولطمين في ريف حماة الشمالي بحكم الساقطة عسكرياً".
من جانبها، زعمت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أن "ما يهم النظام التركي في الوقت الراهن ليس وقف انهيار مليشياته ورفع معنوياتهم، بعد ظهور نقاط ضعفهم إلى السطح، بل الحفاظ على مكتسباته التي توفرها له نقاط مراقبته العسكرية في المنطقة، وخصوصاً مورك". وقالت إن الرتل العسكري التركي، الذي كان يستهدف دخول خان شيخون وصولاً إلى مورك، لا يزال لليوم الثالث على التوالي "مخيماً" في تل حطاط بالقرب من طريق عام حلب - حماة شمال خان شيخون. وأشارت إلى أن "المفاوضات بين أنقرة وموسكو، حول مصير الرتل العسكري ونقطة مورك لا تزال تراوح مكانها"، زاعمة أن "تركيا تسعى للحفاظ على نقاط عسكرية ثابتة على طول الطريق الدولي لحجز موقع لها في مستقبل الطريق والمنطقة".
وقالت مصادر محلية، إن قوات النظام سمحت بدخول سيارات وشاحنات ضمن رتل تابع لها وللمليشيات التي تساندها، مساء الأربعاء الماضي، إلى بعض أحياء مدينة خان شيخون بعد أن كان ينتظر على بعد نحو 4 كيلومترات من مدخل المدينة. ورجحت المصادر أن تكون هذه السيارات والشاحنات معدّة لسرقة أثاث منازل الأهالي في المدينة، مشيرة إلى أن عمليات سرقة طاولت منازل في بلدة الهبيط التي سيطرت عليها قوات النظام في وقت سابق. وقالت مصادر محلية إن قوات النظام استطاعت وصل مناطق سيطرتها بين مدينة خان شيخون وبلدة سكيك جنوب إدلب، ما يعني عزل ريف حماة الشمالي بشكل كامل عن ريف إدلب الجنوبي، مشيرة إلى أن المنطقة المحاصرة خالية تقريباً من الفصائل العسكرية. وأكدت أن نقطة المراقبة التركية قرب مورك لا تزال في موقعها، بالإضافة إلى مجموعة من "فيلق الشام" التابع للجيش السوري الحر، موضحة أن قوات النظام باتت تبعد عن بلدة التمانعة أقل من كيلومتر باتجاه الجنوب وتسيطر عليها نارياً، كما أنها وصلت إلى أطراف مدينة كفرزيتا في ريف حماة الشمالي.
ومع سيطرة قوات النظام الكاملة على مدينة خان شيخون، تكون حققت جانباً كبيراً من أهدافها من وراء الحملة العسكرية التي بدأت أواخر إبريل/ نيسان الماضي، وهو إبعاد فصائل المعارضة عن ريف حماة الشمالي ومناطق واسعة من ريف إدلب الجنوبي، استعداداً للسيطرة على الطرق الدولية. لكن قوات النظام والجانب الروسي لم يحققا هذا التقدم إلا بعد استخدام مختلف أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً، ما أدى الى مقتل مئات مدنيين، جلّهم أطفال ونساء، وتشريد عشرات الآلاف وتدمير المرافق العامة في ريفي حماة وإدلب. ولم يتردد الطيران الروسي ومقاتلات النظام عن تدمير مدينة خان شيخون بشكل شبه كامل، كما دمرت أحياء كاملة في عدة مدن وبلدات في ريفي حماة وإدلب، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة.
وفي ظل امتناع قادة الفصائل المعارضة عن الإدلاء بتصريحات توضح خطوتهم المقبلة، وخصوصاً ما يتعلق بريف حماة الشمالي، الذي لم تدخله حتى اللحظة قوات النظام التي يبدو أنها تنتظر أوامر روسية على هذا الصعيد، فقد أوضح مصدر في فصائل المعارضة السورية لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام لم تقتحم ريف حماة الشمالي، مضيفاً: "يبدو أن هناك أوامر روسية بعدم التقدم في ريف حماة"، مشيراً إلى أنه "ربما لن يكون هذا الريف لقوات النظام لأن المفاوضات التركية الروسية لم تنته بعد".
إلى ذلك، يحاول النظام استثمار تقدمه في شمال غربي سورية إعلامياً، إذ أعلن أمس الخميس، فتح ما سماه "ممراً إنسانياً" في منطقة صوران في ريف حماة الشمالي للراغبين بالخروج من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي باتجاه مناطق سيطرته. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن "أحداً لا يجرؤ على الذهاب إلى مناطق النظام، حيث ينتظره الانتقام الذي جربه كثير من السوريين، الذين ظنوا أن النظام سيعاملهم بطريقة إنسانية في جنوب سورية وريفي دمشق وحمص"، مضيفة: "نزح عشرات آلاف المدنيين إلى مناطق سيطرة المعارضة في عمق محافظة إدلب بسبب المجازر اليومية، عبر القصف الجوي والمدفعي من النظام والجانب الروسي، ومن ثم فإن ممر النظام إعلامي لا أكثر ولا أقل".
وفي ظل التحولات الميدانية الكبيرة في ريفي حماة وإدلب بسبب الآلة العسكرية الروسية الهائلة، تبدو الخيارات محدودة أمام فصائل المعارضة السورية، التي وجدت نفسها دون سند حقيقي في الحملة العسكرية الأخيرة، وخصوصاً بعد جولة أستانة 13 مطلع الشهر الحالي. ودعا القيادي السابق في الجيش السوري الحر المقدم سامر الصالح، إلى اندماج فصائل المعارضة السورية في جسم واحد و"انبثاق قيادة ثورية حقيقية، سياسية وعسكرية، واضحة الهدف والرؤية". وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "غياب جسم عسكري وسياسي ثوري يؤدي إلى مزيد من الخسارة"، مرجحاً توقف المعارك في الوقت الحالي "لكن في المستقبل لا أظن ذلك".
وفي السياق، وجهت فعاليات محلية في إدلب نداءً عاجلاً إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، للتدخل الفوري ووقف "الإبادة الجماعية" في شمالي سورية. وناشدت الفعاليات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، في بيان الأربعاء الماضي، التدخل فوراً قبل أن "تحصل كارثة إنسانية عظيمة لم تشهد البشرية مثيلاً لها". ودعتهما إلى "تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالحل السياسي في سورية"، مشيرة إلى أن "ما يحصل في إدلب هو عملية إبادة جماعية مورست فيها كل جرائم الحرب الموصوفة والموثقة، وأن استمرار الوضع يعني ملايين القتلى والجرحى والمشردين". وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان نزوح أكثر من 80 ألف مدني من قرى ريف معرة النعمان الشرقي، من الإثنين للخميس، بينهم عشرات الآلاف من نازحي ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي "على خلفية التصعيد الهستيري من قبل النظام وحليفه الروسي".