لعلّ أبرز ما شهدته الساحة العراقية من تغيير أو تحريك في المشهد الجامد منذ سنوات طويلة، هو تسمية مرشح تسوية لا ينتمي لأي من الأحزاب الفائزة بالانتخابات العراقية كرئيس وزراء، ثم تحالف الكتل العربية السنية، خصوصاً الحزب الإسلامي الذي يمثل الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين مع القوى المقرّبة من إيران في كتلة واحدة. غير أن هذا التحالف الذي بات يطلق عليه في العراق "تحالف الأضداد"، قد ينفرط في أي ساعة بعد شهرين على تشكيله، إثر خلافات واسعة داخل تحالف "البناء"، وهو الاسم الذي اختير كخيمة جامعة بين قائمة الفتح، الجناح السياسي لمليشيات الحشد وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وثالثهم تحالف قوى سنية مكوّنة من نحو 50 نائباً يمثلون عددا من محافظات البلاد، وكان أغلبها على تقاطع كبير مع الجناح الشيعي اليميني، قبل الاتحاد معه بشكل مفاجئ. وهو ما فسّره عدد من السياسيين السنّة بأنه "تحالف مبني على مصالح ومكاسب لا تحالف فكري أو دائم".
في هذا السياق، كشفت مصادر مقرّبة من تحالف المحور، الاسم الذي يجمع القوى العربية السنية التي انضمت في تحالف واحد مع الجناح اليميني المقرب والمدعوم من إيران بشكل مباشر، يوم الاثنين الماضي، بأن "عددا من أعضاء المحور طرحوا موضوع الانسحاب من تحالف البناء، بسبب عدم تنفيذ أي من الوعود لتي قطعوها على أنفسهم، وعلى أساسها تم الاتفاق على الدخول في تحالف واحد مع هادي العامري ونوري المالكي". وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "أسباب طرح انسحاب المحور السني من هذا التحالف، تعود لعدم تطبيق أو تنفيذ أي من الاتفاقات التي تم على أساسها بناء التحالف ولا حتى توفر بوادر لتلك القوى أنها ستنفذ قريباً".
ومن أبرز ما تم الاتفاق عليه وفقاً للمصادر ذاتها، هو "إعادة نازحي المدن المحررة إلى منازلهم ومدنهم وإغلاق المخيمات وانسحاب مليشيات الحشد الشعبي من مدنهم، والكشف عن مصير آلاف المختطفين على يد المليشيات، من بينهم 8700 مختطف تم اختطافهم في معبر بزيبز ومنطقة الصقلاوية، ومدينة أبو غريب وبيجي. بالإضافة إلى الكشف عن مصير الذين تم اعتقالهم من قبل الحشد في الموصل والبعاج والشرقاط وبغداد، وإنهاء عمليات التغيير الديمغرافي في مدن محافظة ديالى، وفتح تحقيق بجرائم القتل والاستهداف الطائفي وإعادة إعمار البنى المحررة ضمن موازنة العراق، وإطلاق المبالغ المخصصة لها بالسنوات السابقة، التي كانت خلالها محتلة من داعش، وجرى تجميدها من قبل الحكومة فضلاً عن مطالب أخرى".
بدوره، قال النائب عن دولة القانون، منصور البعيجي لـ" العربي الجديد" إن "كثيرا من الكتل السياسية التي هي داخل تحالف البناء لديها نية الانشقاق عن البناء وتكوين كتلة كبيرة، وكذلك أيضاً كتل من تحالف الإصلاح والإعمار أيضاً، لديها نوايا الانشقاق. وأعتقد في النهاية أنه ستصبح جبهة معارضة وجبهة قوية أيضاً داخل البرلمان من نتاج انشقاقات الكتل عن المعسكرين الرئيسيين، وأعتقد أن سبب الانشقاقات منبثق من فكرة أن كتلا كثيرة لم تحصل على استحقاقها الانتخابي".
ولفت إلى أن "هناك اتفاقات داخلية وسرية بين رؤساء الكتل وزعمائها الكبار الذين يشرفون على الكتل السياسية، لكن لدي معلومات بالنسبة إلى أن كتلاً جاءت لمصالح ولم تحصل على ما تريد سترحل بالتأكيد". وأكد أن "أكثر الكتل داخل تحالف البناء لم تأخذ استحقاقها، لأن كتلتين سيطرتا على تشكيل الحكومة وتحالف المحور تضرر، كونه لم يأخذ استحقاقه من الحقائب الوزارية وأعتقد فعلاً أنه سينشق".
بدورها تداولت وسائل إعلام محلية أنباء عن تهديدات أطلقها زعيم تحالف الفتح، القيادي بمليشيا الحشد هادي العامري، للقوى السنية في حال انسحابها، معتبراً أنها ستخسر كل ما حصلت عليه من مناصب في حكومة عادل عبد المهدي. في هذا السياق، رأت مصادر مطلعة أن "الأمر غير دقيق كون تلك القوى ستجتمع قريباً لمراجعة العلاقة مع القوى الشيعية وإمكانية استمرار هذا التحالف أو الاتحاد في كتلة واحدة داخل البرلمان مؤلفة من نحو 50 نائباً، أسوة بوضع الأكراد الذين ما زالوا غير ملتحمين مع أي من المعسكرين الشيعيين، بينما يبقى المعسكر السني الآخر الذي اختار الانحياز إلى معسكر مقتدى الصدر وعمار الحكيم أكثر استقراراً حتى الآن".
وفي هذا الإطار أفاد النائب عن تحالف المحور الوطني عادل المحلاوي لـ" العربي الجديد" أن "هناك اتفاقات جرت قبل التحالف مع الإخوة في الفتح ودولة القانون، ولحدّ الآن لم تتحقق أي نقطة من النقاط التي تم الاتفاق عليها"، مضيفاً أنه "من بين هذه الاتفاقات إرجاع النازحين وإطلاق سراح المختطفين والمعتقلين. الأمر الذي لم يتحقق. وإذا لم يلتزم الطرف أو الشريك بالوعود والاتفاقات، فنحن لدينا خيارات أخرى بالتأكيد وبالاتجاه الذي نقترحه".
في المقابل أوضح النائب عن تحالف الفتح، الوزير السابق علي شكري لـ"العربي الجديد"، بأن "اللجوء إلى خطوة اجتماع المكونين السني والشيعي في تحالف واحد كانت خطوة باتجاه الطريق الصحيح، وأن هذه الخطوة لم نتمكن من إنجازها على مدى 15 عاماً وتم إنجازها في هذه المرحلة". وأضاف أنها "تجربة جديدة وستواجه عقبات وتواجه بعض الأخطاء من كل الأطراف، ولا بدّ من بذل كل الجهود لمنع انفصال أي مكون من المكونات، وممكن تجاوز كل العقبات من خلال الحوار والتفاهمات وقد يغفل هذا الطرف أو ذاك عن مسألة معينة، لكن هذا الإغفال يجب ألا يكون مبرراً للانفصال وإلا سنعود خطوات إلى الخلف".
من جانبه قال القيادي في تحالف الإصلاح، النائب كاظم الشمري، إنه "على ما يبدو فإن تحالف البناء شكل على وعود كثيرة ومغريات صعبة المنال، لذلك يجب إعادة النظر بتحالفاتهم في كل الأحوال"، وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "في نفس الوقت فإن العودة إلى الطوائف والمكونات نكوص بالعملية السياسية وتراجع كبير، وأنا أستغرب من الأخوة في المحور يطالبون في مسألة إعادة النازحين وغيرها، لأن مسألة إعادة النازحين ليست مرهونة بيد البناء وإنما هذا أمر يحتاج إلى تضافر جهود وإلى خطة وطنية شاملة تسفر عن إعادة النازحين. أما إذا اقتنعوا بما قاله لهم (البناء) وعلى هذا الأساس تحالفوا معهم، وأخذوا مكتسباتهم واستحقاقاتهم بمجرد القول لهم إنهم سيفعلون كذا وكذا، فأعتقد أن هذا ينم على قصور في النظر ولا يحمل أي ذكاء سياسي".
ويضم تحالف القوى السنية الذي تحالف مع الجناح الشيعي المدعوم من إيران، قوى عدة، أبرزها قائمة الأنبار هويتنا، بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وكتلة الجماهير بزعامة أحمد الجبوري، وتحالف بغداد بزعامة ليث الدليمي، وتيار شباب العراق بزعامة علي الصجري، والمشروع العربي بزعامة خميس الخنجر، ونواب عن الحزب الإسلامي العراقي الذي يمثل الاخوان المسلمين في العراق، بعد قرار الحزب عدم الدخول باسمه الصريح، مانحاً لأعضائه حرية الدخول في الانتخابات بعد خلافات داخلية عصفت به قبيل بدء الحملة الانتخابية بالبلاد في أبريل/نيسان الماضي. كما يضمّ التحالف إلى نواب منشقين عن كتلة الوطنية والنصر والقرار مثل يحيى المحمدي، وابتسام محمد درب، وفيصل العيساوي، وعبدالله الخربيط، وزيتون الدليمي، وسميعة محمد غلاب، وأحمد الجبوري ممثلاً عن الموصل.