"اللمسات الأخيرة"، "ربع الساعة الأخير"، "الشياطين الكامنة في التفاصيل"؛ هي مجموعة من المصطلحات التي تبدو حصرية للسياسة اللبنانية، مع كل أزمة، وعند كل منعطف سياسي، لتختصر حال المراوحة والتسويف والتأجيل، الذي طبع مجدداً حال عملية تأليف الحكومة اللبنانية، التي كان متوقعاً أن تبصر النور اليوم السبت، بعد حلحلة ما يسمى بـ"العقدة السنية"، قبل أن تتأخر الولادة بفعل مطبات مستحدثة، بعضها متعلق بالاسم السني المختار، وبعض آخر متعلق بما منح من وزارات لكل فريق.
في الساعات الأخيرة كان قد برز اسم مدير مركز الدولية للمعلومات جواد عدرا، بوصفه الاسم الذي وقع عليه الاختيار لتمثيل النواب السنة الستة في الحكومة، من ضمن حصة رئيس الجمهورية الوزارية، ليكون وزيراً من هذه الحصة، وأيضاً ممثلاً للنواب السنة، قبل أن يعترض هؤلاء على ما اسموه "رمادية عدرا"، الذي بدا ميالاً أكثر إلى فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، فاشترطوا أن يكون ممثلاً لهم لا لرئيس الجمهورية، وأن يحضر اجتماعاتهم ويعبر عن آرائهم.
هكذا، عادت عقارب الساعة إلى الوراء بانتظار مساعٍ جديدة أطلقت على أكثر من خط، وخصوصاً بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، فيما استأنف مجدداً المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم جهوده لحلحلة العقدة المستجدة، خصوصاً أنه كان عراب الحل الأول الذي أفضى إلى صيغة "لا غالب ولا مغلوب" ترضي جميع الأطراف وتفرج عن الحكومة، التي كانت معلقة بسبب رفض "حزب الله" عدم تمثيل الحلفاء السنة.
ويخفي عملياً صراع اللحظات الأخيرة العودة إلى النقاش في رفض "حزب الله" أن ينال "التيار الوطني الحر" حصة من 11 وزيراً من أصل 30، لأن هذا يعني لبنانياً امتلاك "التيار" لما يسمى الثلث المعطل (ثلث الوزراء إضافة إلى واحد) وهو الثلث الذي يمكن من خلاله تعطيل أي قرار، أو حتى إسقاط الحكومة، وربما لهذا ضغط الحزب لاستبعاد اسم عدرا، وفق ما تقول مصادر مطلعة على عملية تأليف الحكومة لـ"العربي الجديد".
وفجأة بات اسم عدرا مستبعداً ومرفوضاً من قبل النواب الستة، الذين كانوا قد رفعوا لائحة من عدة أسماء اختار من بينها رئيس الجمهورية ميشال عون، عدرا، وبالتالي عقد النواب اجتماعاً خلص إلى سحب اسم عدرا وفق البيان الذي تلا الاجتماع، فيما علم أن اللقاء أبلغ من يعنيه الأمر أن لائحة الأسماء التي قدمت لا تزال صالحة للاختيار منها، وهي تضم، إلى جانب عدرا، الذي أسقط اسمه، القيادي في جمعية المشاريع الإسلامية طه ناجي، ونجل النائب عبد الرحيم مراد، حسن مراد، ومستشار النائب فيصل كرامي، عثمان مجذوب.
لكن في المقابل، يبدو أن الأمور عادت إلى نقطة الاشتباك، خصوصاً أن النواب الستة يصرون على أن يكون الوزير ممثلاً لهم حصراً، فيما يصر "التيار الوطني الحر"، على أن يكون من حصة رئيس الجمهورية، وإن كان مقرباً من النواب الستة.
وما ترك الكثير من علامات الاستفهام، أيضاً، الطريقة التي تعامل بها "حزب الله" مع النواب السنة الستة، خصوصاً أن اسم عدرا لم يكن محط ترحيب من قبل هؤلاء الذين اعترف بعضهم بأنهم "لا يعرفون" الرجل شخصياً، وكذلك حول الرسائل التي أراد منها الحزب توجيهها الى الجميع، ومن بينهم عون شخصياً، قبل أن تتراجع أسهم عدرا، ويدخل الحل الذي صيغ في الأيام الأخيرة غرفة العناية المركزة، عطفاً أيضاً على التخبط الذي أصاب النواب السنة الستة مع محاولات كل واحد منهم تسويق اسم مقرب منه، في خطوة تعكس عملياً الطريقة التي تم تجميع هؤلاء بها في الساعات الأخيرة سابقاً وبطريقة هجينة للضغط على رئيس الحكومة المكلف وتوزير شخصية منهم أو مقربة منهم.
ويبدو أن عقدة ممثل النواب السنة لم تكن وحدها التي طرأت على المشهد العام في ربع الساعة الأخير، خصوصاً بعد لقاء رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، والذي فتح بعده بازار إعادة توزيع الحقائب الوزارية التي كانت قد حسمت في الفترة الماضية، باستثناء عقدة توزير شخصية من النواب السنة الستة.
وفُتح بازار وزارات الإعلام والثقافة والبيئة والأشغال والصناعة والزراعة، في محاولة لتبادلها بين الأطراف والتيارات والأحزاب الممثلة في الحكومة، بسبب رغبة باسيل، على الرغم من أن هذا الأمر يعني تعقيدات لا يمكن حلها في اللحظات الأخيرة، خصوصاً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري كان متمسكاً بوزارة الزراعة، كما أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب السابق وليد جنبلاط، كان متمسكاً بوزارة الصناعة.
ويربط البعض محاولة باسيل إعادة تقسيم الوزرات بمحاولة "حزب الله" عبر النواب الستة سحب المقعد الحادي عشر نهائياً من "التيار الوطني الحر"، خصوصاً أن المطالب تعود عادة إلى ما كان قد حسم سابقاً مثل وزارة الأشغال العامة، والنقل التي من المتوقع أن تكون من حصة تيار "المردة"، وحاول "التيار الوطني الحر" سابقاً أن تكون من حصته، وبعد أن فشلت محاولة باسيل طالب بحقيبة الصناعة، مما فتح عموماً النقاش حول الحقائب الأخرى، مثل الثقافة والبيئة والإعلام والزراعة، إضافة إلى محاولة الضغط لسحب اسم مي شدياق، التي رشحتها "القوات اللبنانية" لوزارة الثقافة. وفي انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة، وسط إصرار البعض على أن الحكومة باتت في خواتيمها السعيدة، فإن البعض يشير بقلق إلى ما حملته الساعات الأخيرة، وما سيكون الحال عليه في مجلس الوزراء، وإن كانت الحكومة المقبلة ستكون رهينة الشروط والعقبات والمحاصصة، بما أن ما حصل يؤكد أن الحكومة لن تكون منتجة بل مكبلة بتعدد الأطراف المؤثرة.