أنهى عهد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون عامه الثاني، من دون جديد فعلي بين المرحلة التي سبقته من فراغ، وما تلاها، باستثناء عودة طبيعية للعملية السياسية، وإن شابها الكثير من المماطلة والتأخير، وهي عودة لا تُحسب للعهد بما أنها من أساسيات أي نظام سياسي، أو على الأقل ضرورة لاستمرار البلاد وانتظامها. وباستثناء إجراء الانتخابات النيابية، وإقرار الموازنة، يحاول العهد ورجالاته جاهدين رصد إنجازات لم تتحقق، في بلاد شارفت على الانهيار، باعتراف كبار السياسيين فيها، وسط تكرار الوعود وتأكيد تنفيذها فور تشكيل الحكومة، التي لا تزال رهينة المحاصصة والتناتش والعقد.
لم يُقدّم عون أي جديد في حواره الأخير ليل الأربعاء بمناسبة مرور السنتين، باستثناء التغزّل برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، خصوصاً عندما تحدث عن "تقوية رئيس الحكومة وليس إضعافه"، وعطفاً، رفض الخلاف بين "رئيس الحكومة المسلم" و"رئيس الجمهورية المسيحي". ولم يقتصر الغزل على الشق السياسي بل تعداه للشخصي، في تصريح يذكّر بالتوافق على انتخاب عون، وما تخلله من غزل متبادل، وصل إلى حد وصف الحريري عون بأنه أب.
تحدث عون بإسهاب عن الحريري، وقال إنه يشترك معه بـ"النوايا الطيبة لبناء لبنان"، وأضاف أنه "شخص طيب لا يمكن الاختلاف معه"، وصولاً إلى دعمه الحريري في معركته الأخيرة مع "حزب الله" على خلفية رفض الحزب تأليف حكومة لا تضم ممثلاً عن النواب السنّة المقربين منه. بالتوازي، كان لافتاً تغريد الحريري متوجهاً إلى عون بالقول: "سنتان معاً على طريق استعادة الثقة بالدولة، ومعك لن نتراجع عن مسيرة النهوض بلبنان. نسأل الله أن يُنعم عليك بالصحة لتبقى عنواناً لوحدة جميع اللبنانيين". فرد عون سريعاً بالقول: "بالتفاهم والتضامن نستطيع أن نحقق الكثير وسنبقى معاً ما دمنا نخدم معاً مصلحة لبنان ونحفظ وحدة اللبنانيين".
ترك هذا الغزل أكثر من علامة استفهام في الداخل اللبناني. العارفون يؤكدون أن العلاقة بين الحريري وعون منذ انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية شهدت تحوّلاً أساسياً، خصوصاً أن الخلافات السياسية، لم يكن عون طرفاً فيها بل بالدرجة الأولى رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، لكنها خلافات وإن اتسمت بالحدة، إلا أنها لم تبلغ مرحلة القطيعة، خصوصاً أن الطرفين يدركان أن اللعبة السياسية في لبنان تحكمها التناقضات ورفع السقوف والتجييش.
عملياً، باتت الحكومة قاب قوسين أو أدنى، لكنها تنتظر الفرج من "حزب الله" تحديداً، الذي أخرج العقدة السنّية من جيبه قبل ساعات من انفراج المشهد الحكومي، الذي كان يمهد لولادة قريبة، يبدو أنها لا تناسب "حزب الله"، ولا إيران من خلفه، في مرحلة دقيقة دولياً، تشهد تصعيداً واضحاً وعقوبات أميركية تستهدف "محور الممانعة" ورجالاته. في الساعات الماضية، بدا واضحاً أن عون يكرر ومعه "التيار الوطني الحر"، مواقف لافتة مما باتت تُعرف بالعقدة السنّية، لا تختلف إطلاقاً مع مواقف تيار "المستقبل"، خصوصاً لجهة اعتبار هؤلاء النواب أعضاء في تكتلات أخرى، وليس تكتلاً مستقلاً، من دون أن يوجّه لا عون ولا التيار، سهامهما صوب "حزب الله".
اقــرأ أيضاً
واستلم عون في الأيام الأخيرة شخصياً مهمة فكفكة العقدة الأخيرة، عندما زاره الحريري، واضعاً إياه في صورة ما توصل إليه، وفي صورة محاولة "حزب الله" تطويقه وكسره، مؤكداً له أنه لا يمكن أن يقبل بالتنازل هذه المرة، لأن ذلك يعني شعبياً استمرار سياسة الرضوخ للحزب، وهي ضربة لا يمكن للحريري تحمّلها.
ويبدو أن عون اقتنع بما قاله له الحريري، خصوصاً أنه يدرك تماماً أن رفض الحريري ينقل كرة العقدة إلى ملعبه، وإلى سيناريو تمثيل هؤلاء النواب السنّة من حصته، وهو أمر لا يرغب فيه، خصوصاً أن المطروح توزير النائب فيصل كرامي، المتحالف مع النائب السابق سليمان فرنجية، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، والذي لم تستقم العلاقة معه منذ انتخاب عون، على الرغم من أن كليهما كانا في عداد الحلفاء في صفوف قوى "8 آذار".
غادر الحريري صوب فرنسا في زيارة قيل إنها خاصة، لكنها تحمل أكثر من إشارة، خصوصاً أن باريس كانت على خط الدفع باتجاه تأليف الحكومة، كما على خط الدفع باتجاه إطلاق الإصلاحات الموعودة من أجل تسيير مقررات مؤتمر "سيدر"، بالتزامن مع ما يحكى عن زيارة قريبة لموفد فرنسي رفيع إلى بيروت في الأيام المقبلة.
وعلى الخط أيضاً، تفاؤل يؤكده أكثر من مصدر محسوب على "التيار الوطني الحر" وكذلك تيار "المستقبل"، مرده الأساس إلى الحديث عن أن عرقلة "حزب الله" الأخيرة، لا تعني رفضه الحكومة بالمطلق في هذا التوقيت، بل البحث عن ضمانات يريدها. ويبدو أن عون تكفل شخصياً بالوقوف عندها، خصوصاً أن المرحلة تُعتبر شديدة الخطورة وتتزامن مع تصعيد أميركي ضد الحزب وإيران، وآخرها حديث الممثل الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، عن دور "حزب الله" في سورية، وأن إيران استخدمته بدل استخدام قواتها البرية، مؤكداً أن انسحابه بات قريباً، ومشيراً إلى نقاشات مع روسيا حول الوجود الإيراني في سورية.
والأكيد أيضاً أن "حزب الله" استخدم ورقة الحكومة في التوقيت المناسب، ليقول للجميع في الخارج، إن لبنان في يده وتالياً في يد إيران، ومن يريد حكومة في لبنان عليه التنازل في مكان آخر، وهنا بيت القصيد بالنسبة إلى مصادر سياسية مطلعة، تؤكد لـ"العربي الجديد" أن المطلوب للإفراج عن الحكومة ضمانات، وربما تنازل أميركي سيكون على الفرنسي تحصيله، بما أنه متحمس لتأليف الحكومة وإطلاق مقررات "سيدر".
يشبه تيار "المستقبل" في تركيبته، وفي رؤيته السياسية والاقتصادية، "التيار الوطني الحر"، إلى حد التطابق. وهذا كان سبباً في وضع الماضي خلفهما، بما أن ما يمكن تحقيقه مع بعضهما البعض أكبر بكثير من الخلاف. ومنذ لحظة توافقهما، كل من موقعه السياسي الإقليمي، أدركا أن كلاً منهما في حاجة إلى الآخر. عون يحتاج إلى الحريري لتسجيل إنجازات في عهده، يدرك أنها لا يمكن أن تتحقق سوى عبر الحريري، فيما يدرك الأخير أن عودته بقوة إلى الساحة السياسية بعد سلسلة من الإخفاقات لا يمكن أن تمر سوى بالشراكة مع عون و"التيار الوطني الحر"، وشراكة تتخطى الحكومة إلى ما هو أبعد من ذلك. وهو ما يفسر تأييد الحريري اللافت للخطة الروسية المتعلقة بالنازحين السوريين إلى لبنان، خصوصاً أن أي دخول للحريري على خط إعمار سورية، لا يمكن أن يتحقق سوى عبر الروس، وبالتحالف مع "التيار الوطني" الذي يملك علاقة جيدة مع النظام السوري، بدأت تتحول إلى علاقة استراتيجية.
لم يُقدّم عون أي جديد في حواره الأخير ليل الأربعاء بمناسبة مرور السنتين، باستثناء التغزّل برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، خصوصاً عندما تحدث عن "تقوية رئيس الحكومة وليس إضعافه"، وعطفاً، رفض الخلاف بين "رئيس الحكومة المسلم" و"رئيس الجمهورية المسيحي". ولم يقتصر الغزل على الشق السياسي بل تعداه للشخصي، في تصريح يذكّر بالتوافق على انتخاب عون، وما تخلله من غزل متبادل، وصل إلى حد وصف الحريري عون بأنه أب.
ترك هذا الغزل أكثر من علامة استفهام في الداخل اللبناني. العارفون يؤكدون أن العلاقة بين الحريري وعون منذ انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية شهدت تحوّلاً أساسياً، خصوصاً أن الخلافات السياسية، لم يكن عون طرفاً فيها بل بالدرجة الأولى رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، لكنها خلافات وإن اتسمت بالحدة، إلا أنها لم تبلغ مرحلة القطيعة، خصوصاً أن الطرفين يدركان أن اللعبة السياسية في لبنان تحكمها التناقضات ورفع السقوف والتجييش.
عملياً، باتت الحكومة قاب قوسين أو أدنى، لكنها تنتظر الفرج من "حزب الله" تحديداً، الذي أخرج العقدة السنّية من جيبه قبل ساعات من انفراج المشهد الحكومي، الذي كان يمهد لولادة قريبة، يبدو أنها لا تناسب "حزب الله"، ولا إيران من خلفه، في مرحلة دقيقة دولياً، تشهد تصعيداً واضحاً وعقوبات أميركية تستهدف "محور الممانعة" ورجالاته. في الساعات الماضية، بدا واضحاً أن عون يكرر ومعه "التيار الوطني الحر"، مواقف لافتة مما باتت تُعرف بالعقدة السنّية، لا تختلف إطلاقاً مع مواقف تيار "المستقبل"، خصوصاً لجهة اعتبار هؤلاء النواب أعضاء في تكتلات أخرى، وليس تكتلاً مستقلاً، من دون أن يوجّه لا عون ولا التيار، سهامهما صوب "حزب الله".
واستلم عون في الأيام الأخيرة شخصياً مهمة فكفكة العقدة الأخيرة، عندما زاره الحريري، واضعاً إياه في صورة ما توصل إليه، وفي صورة محاولة "حزب الله" تطويقه وكسره، مؤكداً له أنه لا يمكن أن يقبل بالتنازل هذه المرة، لأن ذلك يعني شعبياً استمرار سياسة الرضوخ للحزب، وهي ضربة لا يمكن للحريري تحمّلها.
ويبدو أن عون اقتنع بما قاله له الحريري، خصوصاً أنه يدرك تماماً أن رفض الحريري ينقل كرة العقدة إلى ملعبه، وإلى سيناريو تمثيل هؤلاء النواب السنّة من حصته، وهو أمر لا يرغب فيه، خصوصاً أن المطروح توزير النائب فيصل كرامي، المتحالف مع النائب السابق سليمان فرنجية، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، والذي لم تستقم العلاقة معه منذ انتخاب عون، على الرغم من أن كليهما كانا في عداد الحلفاء في صفوف قوى "8 آذار".
غادر الحريري صوب فرنسا في زيارة قيل إنها خاصة، لكنها تحمل أكثر من إشارة، خصوصاً أن باريس كانت على خط الدفع باتجاه تأليف الحكومة، كما على خط الدفع باتجاه إطلاق الإصلاحات الموعودة من أجل تسيير مقررات مؤتمر "سيدر"، بالتزامن مع ما يحكى عن زيارة قريبة لموفد فرنسي رفيع إلى بيروت في الأيام المقبلة.
والأكيد أيضاً أن "حزب الله" استخدم ورقة الحكومة في التوقيت المناسب، ليقول للجميع في الخارج، إن لبنان في يده وتالياً في يد إيران، ومن يريد حكومة في لبنان عليه التنازل في مكان آخر، وهنا بيت القصيد بالنسبة إلى مصادر سياسية مطلعة، تؤكد لـ"العربي الجديد" أن المطلوب للإفراج عن الحكومة ضمانات، وربما تنازل أميركي سيكون على الفرنسي تحصيله، بما أنه متحمس لتأليف الحكومة وإطلاق مقررات "سيدر".
يشبه تيار "المستقبل" في تركيبته، وفي رؤيته السياسية والاقتصادية، "التيار الوطني الحر"، إلى حد التطابق. وهذا كان سبباً في وضع الماضي خلفهما، بما أن ما يمكن تحقيقه مع بعضهما البعض أكبر بكثير من الخلاف. ومنذ لحظة توافقهما، كل من موقعه السياسي الإقليمي، أدركا أن كلاً منهما في حاجة إلى الآخر. عون يحتاج إلى الحريري لتسجيل إنجازات في عهده، يدرك أنها لا يمكن أن تتحقق سوى عبر الحريري، فيما يدرك الأخير أن عودته بقوة إلى الساحة السياسية بعد سلسلة من الإخفاقات لا يمكن أن تمر سوى بالشراكة مع عون و"التيار الوطني الحر"، وشراكة تتخطى الحكومة إلى ما هو أبعد من ذلك. وهو ما يفسر تأييد الحريري اللافت للخطة الروسية المتعلقة بالنازحين السوريين إلى لبنان، خصوصاً أن أي دخول للحريري على خط إعمار سورية، لا يمكن أن يتحقق سوى عبر الروس، وبالتحالف مع "التيار الوطني" الذي يملك علاقة جيدة مع النظام السوري، بدأت تتحول إلى علاقة استراتيجية.