أن ترفرف أعلام فلسطين في لبنان مع صوت "الحلم العربي"، وقبلها في ساحات وميادين النهوض العربي المستمر منذ 2011، فإنّ ذلك يختزل ذلك الضمير الجمعي القابض على البوصلة. فأنظمة الأقلية، العسكرية والانتهازية، وأمراء الحروب، مرعوبة من أن تصير الأوطان كما تونس، محددة للاتجاه وكاسرة لعبودية العقل، ومن أن تنتهي تعويذة فلسطين التي استنجد بها هذا الحاكم وذلك "الزعيم"، كذباً ونفاقاً.
صحيح أنّ أغلب الشباب اللبنانيين يحاولون كسر رتابة "الديمقراطية الطائفية"، لكنهم أيضاً، في البعد الهوياتي العربي، يدركون كغيرهم في ميادين الحرية، أن فلسطين في مواجهة الاستبداد هي اختزال لتضاد الظلم والعدالة، الحرية والاستعباد، والانتهازية مقابل المبادئ.
عند بعض الحكام، ومَن في فلكهم، لفلسطين في السياسة دور آخر؛ كممر وقربان لوراثة حكم، وكسب رضى دوائر النفوذ الصهيوني، ولتبييض صفحة المذابح. وبين خطاب الجريدة والتلفاز عن "الوقوف مع فلسطين"، وفي الوقت نفسه الزجّ بأبنائها في معتقلات الأنظمة باعتبارهم مشبوهين أمنياً، تتسع حالة الانفصام.
في الرياض مثلاً، الويل والثبور وعظائم الأمور للرافضين للتطبيع، وآخرهم الشاب المعتقل عبد العزيز العودة، فيما الرعاية في أوجها لمن يشيع التصهين وتهويد التاريخ وشتم فلسطين. وإذا صحت الأخبار بأنّ الرياض تمعن باعتقال فلسطينيين أقاموا فيها لعقود، وتسمح لأطراف أخرى بالتحقيق معهم، من دون عناء للتفكير في تلك "الأطراف الأخرى"، مع توارد أخبار هبوط الطائرات بين تل أبيب والرياض، فإنّ سقطة كارثية أخرى تسير إليها السعودية ضمن سقطات خسارة الشارع العربي.
أيضاً، لا مفاضلة هنا بين نظام "تقدمي"، كنظامي الأسد الأب والابن، إذ دمّرا وهجّرا وقتلا فلسطينيي تل الزعتر في لبنان واليرموك في الشام، وساقا كوادر الحركة الفلسطينية إلى زنازين التعذيب حتى الموت، وأنظمة "معتدلة" ومعتلة الهوية، في اعتبار قضية فلسطين صداعاً وجب التخلّص منه بالوقوع في حضن الصهيونية. باختصار، إنّ رعب الأوليغارشيا الحاكمة من موجات الحرية يعني أنّ كل دروس الأسرلة لم تفد في منع اعتبار فلسطين عنواناً لكل قصة موجات الكرامة والحرية العربية.