كأن صدى صوت الرصاص لا يزال في المكان. آثار الطلقات لا تزال في الجدران. لا شيء تغيّر، وإن مرّ عام على المجزرة. تظلّ الوحشة والسكون المخيّمان في المكان ينطقان بأصوات العشرات، الذين قتلوا في محيط نادي الحرس الجمهوري بالقاهرة.
الثامن من يوليو/ تموز 2013؛ ذكرى المجزرة، التي قُتل فيها نحو 61 شخصاً وأُصيب العشرات من المعتصمين المؤيدين للرئيس المنتخب محمد مرسي، على يد قوات الجيش والشرطة؛ قُتل غالبيتهم برصاص أُصيبوا به من الخلف.
كانت مجزرة الحرس الجمهوري حدثاً فارقاً، خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين لم يمانعوا إطاحة مرسي، على يد وزير الدفاع حينها، الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، والذين كانوا لا يزالون مقتنعين بأن ما حدث في "30 يونيو" ثورة، ولم يكن انقلاباً.
لا يمحي طبيب بالمستشفى الميداني في محيط الحرس الجمهوري من ذاكرته مشهد قتل أحد المارة بالقرب من المنطقة؛ يقول لـ"العربي الجديد" "وجدت شخصاً غارقاً في دمائه، وجمجمة رأسه متفجرة. كان داخل سيارته، وأسرعت لإسعافه، بقيت معه حتى وصلنا إلى مستشفى التأمين الصحي، وهناك علمت أن الرصاصة التي أصابته كان عمقها 3 سنتيمترات".
زميل آخر له كان شاهداً على واقعة قتل ضابط كان يرتدي زياً مدنياً، يقول "رأيت أحد السكان يصوّر الواقعة من شرفة منزله المطلة على شارع الطيران، بالقرب من نادي الحرس، فتم قنصه من أحد المباني المقابلة لمبنى معسكر قوات الحرس الجمهوري، لتسيل دماؤه وتظل آثارها على العمارة".
عند صلاة الفجر، بدأ سماع أصوات طلقات الرصاص، ومعه نداء "يا فرقة 51 يا فرقة 51"، وذلك بحسب ما رواه أحد الذين شهدوا المجزرة. يقول "ترك البعض الصلاة، واستمر البعض الآخر، وأنا ركضت في اتجاه شارع الطيران، ورأيت أفراداً من القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية يطلقون الرصاص، ورأيت عدداً من القناصة فوق المباني التابعة للقوات المسلحة الموجودة بطول الشارع، وشاهدت أعضاء اللجان الشعبية الذين كانوا يقومون بتأمين الاعتصام، يتساقطون من حولي".
"أنا مش إخوان، ولكني ضدّ الانقلاب العسكري الذي حدث"، يحرص المتحدث على تأكيد ذلك، ويذكر أن كثيراً من النساء اللاتي شاركن في الاعتصام، لم يكنّ من التيار الإسلامي، وبعضهن لم يكنّ محجبات.
يواصل روايته عما حدث يومها؛ ويقول: "عندما ركضت تذكرت أن زوجتي وابنتي كانتا معي، فعدت لأبحث عنهما، ووجدتهما يركضان، دفعتهما للركوب في سيارة نصف نقل بيضاء، كانت تنقل النساء والأطفال بعيداً عن الاعتصام، وبعض السيدات احتمين في مسجد المصطفى بالقرب من مقرّ الحرس الجمهوري".
يتذكر حينها كيف حمل الجثث المتناثرة حوله، وكيف غاب عن الوعي مرات عدّة من كثرة البكاء، لا ينسى مشهد النساء والأطفال وصراخهم واستغاثاتهم، يتساءل: "هل لا يزالون على قيد الحياة، أم قضوا في مجزرة رابعة؟".