لعل التصريح الأخير للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول اقتراب ما سماه "الحل الشامل" في ليبيا، والادعاء بأنه يحارب نيابة عن العالم في مواجهة "قوى الشر والإرهاب"، كلازمة لخطابه المستمر منذ انقلابه في يوليو/تموز 2013، يعيدنا إلى تكرار الخطاب الرسمي العربي المستقوي بمسميات فضفاضة عن الإرهاب للتغول أكثر في التدمير وسفك الدماء، وسيناء وسورية واليمن والعراق أمثلة واضحة على القصة من ألفها إلى يائها. فالعين على دغدغة مشاعر ومصالح قوى غربية انتهازية، وأخرى محلية عربية تعيش على الشعارات ذاتها.
فمقولة إن الطغاة يجلبون الغزاة عربياً كرسها تحالف مواجهة ثورات الشعوب العربية، المتحولة بفعل تدخل أكثر من طرف إلى حروب أهلية، إن في سورية أو ليبيا، بمزيد من استدعاء تدخلات خارجية في المناطق العربية المختلفة. فإذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وللرجل مصالحه في البحر المتوسط وغيره، عَبّر تصريحاً عن استعداده لإرسال آلاف الجنود الأتراك إلى ليبيا، وللوقوف مع حكومة الوفاق في طرابلس، فإنه لا يمكن فصل التصريح عن وجه آخر للواقع، وليس في ليبيا وحدها، بل في عموم المنطقة العربية التي تُشعل فيها تلك القوى النيران، وتتباكى حين تتداعى قوى أخرى تستغل الواقع المأساوي تحقيقاً لمصالحها على حساب العرب.
فتدخل نظام السيسي في ليبيا، بدفع وتمويل إماراتي وتشجيع بعض الغرب، وبتوافق مع موسكو، ليس بسر بقدر ما هو وقائع كشفتها الممارسة وتقارير أممية عن تسليح في ليبيا. وفي السياق فإن مد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر لوجستياً، منذ محاولته اقتحام طرابلس في ربيع العام الحالي، وتغطية الكرملين على انتشار مرتزقة مجموعة "فاغنر" الروسية، وما يسمى مستشارين عسكريين، لن يجُرّ سوى إلى مزيد من خسائر عربية، تدميراً وسفكاً للدماء وزرعاً للأحقاد. قد تبدو مواقف الكرملين، المبررة بمحللين روسيين، على أنها تدخلات بسبب مصالح اقتصادية وجيوسياسية، أقرب إلى الصراحة من تلك العربية، التي ورغم كل الوقائع المريرة والدامية تصر على نفي تدخلاتها المدمرة لمستقبل علاقات عربية-عربية. بالتأكيد أن نظام السيسي، الذي يبدو في الظاهر عاجزاً، وبدعم صهيوني مباشر، عن إنهاء ظاهرة الإرهاب في سيناء، يضع نصب عينيه خلق حالة أخرى في مناكفة دموية مع أنقرة، يكون ثمنها تضييع حقوق مصرية في المتوسط. وهذه المرة، بين سطور تصريحاته الأخيرة، الذهاب بليبيا إلى مزيد من جنون الاستبداد، ولو على حساب دماء الليبيين وبدعم مالي مباشر من أطراف بعينها كما هو الحال في اليمن.