وبغض النظر عن النجاح السياسي الذي حققته الرئاسة التونسية في لمّ شمل هذه الأطراف وإنجاح المشاورات على الرغم من جميع الصعوبات التي اعترتها في انطلاقتها تحديداً، فإن المرحلة الثانية تُعتبر أشدّ صعوبة وأكثر تعقيداً، بسبب عدم وضوح معايير اختيار الوزراء، في ظلّ ضغط الوقت الذي لا يخدم إنهاء المشاورات قبل الموعد المعلن لذلك، وهو 25 يوليو/تموز الحالي، الذي يصادف عيد الجمهورية.
وعلى الرغم من أن الاتفاق العام يميل إلى عدم اعتماد هيكلية جديدة للحكومة، والاكتفاء بإعادة خطة كاتب الدولة فقط، بما قد يمنح الجميع بعض الوقت، فإن التوصل إلى تشكيل الحكومة قبل التاريخ المذكور مرتبط مباشرة بموقف رئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد. الجميع ينتظر ما إذا كان الصيد سيُقدّم استقالته سريعاً، أم أنه سيفرض على الأحزاب الحاكمة التوجّه للبرلمان لسحب الثقة منه، وهو سيناريو طويل سيربك المشهد السياسي في البلاد، ويؤجل تشكيل الحكومة الجديدة إلى موعد غير محدد.
في هذا السياق، تكشف مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أنه "يُرجّح أن يذهب الصيد في اتجاه الخيار الأول، أي تقديم استقالته سريعاً، وقد يتم ذلك اليوم الاثنين، بغية رفع الحرج عن الرئاسة وبقية الأطراف السياسية وإفساح المجال أمام الجميع لإطلاق المشاورات". وتضيف المصادر أن "أطرافاً مقرّبة من الصيد نصحته بضرورة تبنّي خيار الاستقالة"، معتبرة ذلك بمثابة "الفرصة الأخيرة أمامه للخروج من الباب الكبير، وعدم اللجوء للبرلمان لسحب الثقة منه. وهو ما سيتمّ بالضرورة، لكنه سيؤدي إلى إهدار الكثير من الوقت، وسيخرج الصيد بطريقة غير لائقة"، على حد قول المصادر نفسها.
وتشير المصادر إلى أن "سحب الثقة من الصيد مسألة لم تعد محل نقاش كما كانت في البداية، عندما أعربت بعض قيادات حركة النهضة وكتلة الحرة وبعض أحزاب المعارضة عن تمسّكها به، لأن الأمور تغيرت بعد إعلان حزب نداء تونس رفع الغطاء السياسي عن رئيس الحكومة. كما التحق زعيم كتلة الحرة محسن مرزوق، بالجميع في هذا الصدد". وتؤكد المصادر أن "النهضة بدورها حسمت أمرها في هذا الاتجاه، وقد تضطر إلى إصدار بيان تشكر فيه الصيد على جهوده، لكنها لن تقف ضد الوفاق السياسي الاستراتيجي الذي يجمعها بالنداء".
وتضيف المصادر أن "الصيد ارتكب خطأً سياسياً كبيراً عندما سارع إلى إعلان موقفه الرافض لمبادرة تشكيل الحكومة الجديدة بعد إطلاقها، وأنه كان يحظى بإمكانية كبيرة لمواصلة قيادة الحكومة، لو كان موقفه أكثر ليونة ودعماً لمبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي لا يزال يثق في الصيد رغم كل شيء، خصوصاً أن مسألة خلافته ليست بالسهولة التي يتصوّرها البعض. وكان يمكن بالفعل أن تؤول الأمور إلى الصيد في نهاية الأمر". غير أن الصيد أصرّ على الدفاع عن حصيلة حكومته الإيجابية، ملمّحاً إلى أنه "سيحتكم إلى ما يقرّه الدستور في هذا الخصوص"، أي إمكانية إدخال البلاد في أزمة دستورية وسياسية، الأمر الذي حسم الأمور ضده. وتُرجّح المصادر أن يكون "موقف الصيد تحت تأثير بعض المقرّبين منه، ومن بينهم مدير الديوان الرئاسي السابق، رضا بلحاج، المقال من الرئاسة والمستقيل من النداء"، وذلك على الرغم من أن الصيد نفى ذلك، وعاد منذ يومين ليعدّل من خطابه في هذا الخصوص. وجدد الصيد التأكيد على علاقة الاحترام والثقة التي تربطه بالسبسي، معتبراً في تصريح صحافي أن "غاية الرئيس كانت تهدف إلى تجميع كل القوى لإخراج البلاد من أزمتها، وأنه لم يعارض المبادرة على الرغم من تحفظه على توقيتها، إذ كان يفضّل أن تتم بعد الانتخابات البلدية كما كان متفقاً عليه، بالإضافة إلى أن ما توصلت إليه وثيقة المشاورات لا يتناقض مع برامج الحكومة".
موقف الصيد هو نفس موقف المتحدث باسم الحكومة خالد شوكات الذي كان أول من أعلن عن رفض الاستقالة والدعوة إلى الاحتكام للبرلمان. ويصرّ شوكات على الدفاع عن نجاح الحكومة، على الرغم من كل الصعوبات. وفي السياق كتب شوكات مقالاً في صحيفة تونسية، تطرق فيه إلى الوضع العام في البلاد والوثيقة التي خرج بها المشاركون في طاولة الحوار حول مبادرة رئيس الجمهورية، لكنه في الوقت نفسه أبدى تحسّره "لأن أصحاب الوثيقة يبدو أنهم لم يطّلعوا على الوثيقة التوجيهية والمخطط الخماسي للأعوام من 2016 و2020، وكلاهما، لكل ناظر موضوعي، أبلغ وأقوى وأكثر استيعاباً بكثير لمحاور المبادرة كما أعلنها رئيس الجمهورية، وعلى نحو قابل للقياس والتقييم خلافاً للأفكار والتوجيهات الواردة في وثيقة حكومة الوحدة الوطنية". واعتبر شوكات أنه "هنا لا بدّ من الوقوف عند ثغرة خطيرة مكتشفة في العلاقة بين مؤسستي الحكومة ورئاسة الجمهورية، إذ يبدو أن متابعة العمل الحكومي من قبل الفريق الرئاسي تبدو معدومة، مما يجعل الصورة انطباعية أكثر مما هي علمية دقيقة". وشدّد شوكات على "عدم فشل الحكومة وتحسّن كل الأرقام، في ظلّ اليأس الذي يحاول أن يزرعه البعض في نفوس التونسيين".
يذكر أن شوكات هو من قيادات حزب نداء تونس، وقد كلّفه هذا الموقف أو سيكلّفه الكثير، وقد يصل إلى حدّ الاستقالة من الحزب. ولكن بعض المصادر من النداء تؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "شوكات سيعدّل أيضاً من موقفه قريباً، وتوضيح أن معارضته لم تكن باتجاه الرئيس المؤسس للحزب ورئيس الدولة، بل فقط بهدف الدفاع عن حصيلة العمل الحكومي، وعن رئيس الحكومة الذي اختاره الحزب بنفسه. وأن موقفه كان مجرد اختلاف في وجهات النظر، تكفله الحياة السياسية التونسية اليوم".
من جهة أخرى، تتواصل التسريبات والتكهنات حول هوية رئيس الحكومة الجديد. وفيما تؤكد بعض المصادر الحزبية أن السبسي يحتفظ باسم رئيس الحكومة العتيد، فإنها ترجح في الوقت نفسه أن يستمر التسابق بين مجموعة من الأسماء، وهي حاتم بن سالم، والنوري الجويني، وعبد الكريم الزبيدي، وفاضل خليل، وسليم شاكر. وترجّح المصادر أن "يفضّل السبسي الجويني، بسبب معرفته الاقتصادية وسنّه، لكن الجويني متردد في ذلك كونه يرفض العودة للحياة السياسية". كما تستبعد المصادر خليل أيضاً مؤكدة أن "حركة النهضة أصبحت لا تعارض ترشيح النداء لوزير المالية الحالي سليم شاكر".