تحديات كبيرة
انتُخب هنية، المولود عام 1963 في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة لأسرة لاجئة من "جورة عسقلان"، أمس السبت، مع 18 عضواً للمكتب السياسي الجديد للحركة، بعد أربعة أشهر من انطلاق الانتخابات لدورة 2017-2020، في كل من غزة والضفة الغربية والسجون والخارج. وأكد رئيس المكتب السياسي السابق لـ"حماس"، خالد مشعل، أنه يضع كامل ثقته في القيادة الجديدة للحركة ويصطف خلف هنية والمكتب السياسي الجديد. وجدّد مشعل، في كلمة مسجلة، تأكيد حركته على المسؤولية السابقة واللاحقة بالإفراج عن جميع الأسرى من كافة الفصائل، "وأن نجسّد الحلم الفلسطيني والمشروع الوطني بالتحرير والعودة، واستعادة كافة حقوقنا".
بالإعلان عن تولي هنية رئاسة المكتب السياسي لـ"حماس"، أسدل الستار على مرحلة الانتخابات الداخلية في الحركة، والتي تتميّز بها عن غيرها من الفصائل الفلسطينية، وأصبح رسمياً من اللحظة التي أُعلن فيها رئيساً للمكتب السياسي، مسؤولاً عن كل أجنحة الحركة ومؤسساتها ومجالسها في الداخل والخارج.
ويأتي انتخاب هنية في ظرف حسّاس للغاية بالنسبة لـ"حماس" التي تعيش في معقلها الرئيسي في غزة في ظروف معقدة وأزمات مركّبة، وأمام القادم الجديد لرئاسة الحركة فرصة لتطوير العلاقات وترتيبها بشكل يضمن إعادة الحركة للواجهة، بعد سنوات من التجاهل الرسمي العربي والدولي لها.
يحمل هنية في رئاسته للمكتب السياسي لـ"حماس" خمسة ملفات مهمة، الأول وثيقة المبادئ السياسية التي أطلقتها الحركة وأرادت من خلالها مخاطبة الغرب خصوصاً، عبر إعلانها لأول مرة بشكل مكتوب قبولها دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران من عام 1967، مع عدم اعترافها بشرعية إسرائيل وكيانها.
الملف الثاني، الأزمات التي تعيشها غزة، فهو القادم من القطاع لرئاسة المكتب السياسي ويعرف جيداً تفاصيل الأزمات التي يعيشها مليونا فلسطيني تحت حكم الحركة الإسلامية، ومنها سينطلق إلى الملف الثالث وهو المصالحة الداخلية مع السلطة الفلسطينية وحركة "فتح"، وهو يتمتع بعلاقة أفضل من نظرائه في "حماس" مع قيادات السلطة و"فتح".
أما الملف الرابع، فسيكون هنية مطالباً بتحسين علاقة حركته مع مصر، في ظل المتغيرات الأخيرة التي شهدتها العلاقة، وكذلك ترؤسه وفد الحركة الأخير الذي زار مصر واجتمع بمسؤوليها بعد أربع سنوات من القطيعة عقب عزل الرئيس محمد مرسي، وهو أيضاً يحظى بعلاقة جيدة مع المسؤولين المصريين.
ويبقى الملف الخامس مهماً لهنية و"حماس"، وهو تطوير علاقة حركته بإيران، بعد سنوات من الفتور عقب الثورة السورية وموقف "حماس" المؤيد لها، والرافض لدعم نظام بشار الأسد.
في ملف وثيقة الحركة، اعتبر هنية أكثر من مرة أنّ وثيقة "حماس" السياسية ليست تنازلاً عن استراتيجيات الحركة الإسلامية، بل موضحة وكاشفة للميثاق الذي صيغ قبل أكثر من ثلاثة عقود. أما في ملف المصالحة الفلسطينية، فقد كان هنية دائماً يبدي الحرص على ضرورة إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة الفلسطينية، ولم يسجل عليه أن دخل سجالاً إعلامياً مع قادة "فتح".
وعن مصر، قال هنية أكثر من مرة، عقب زيارة وفد برئاسته للقاهرة بعد القطيعة، إنّ غزة لن تكون عاملاً ضارباً للأمن القومي المصري في سيناء، وإنها لم ولن تتدخل في الشأن المصري، وتريد المحافظة على الدور المصري في الملفات الفلسطينية. وقد تكون تصريحاته تجاه مصر أخيراً عاملاً لتسهيل مهمته لإعادة العلاقة بين القاهرة و"حماس".
ويبقى الملف الأصعب بالنسبة لهنية، عودة العلاقات مع إيران، فهي القضية التي يظهر بشكل واضح وجود خلافات وتباينات بين قيادات الحركة حولها، بين مؤيّد لإعادتها ورافض تماماً لأي علاقة مع إيران في ظل مواقفها الأخيرة واستمرارها في التغول على الثورة السورية ودعمها المطلق للنظام السوري. لكن مهمة إعادة العلاقات مع إيران، تزداد تعقيداً بالنسبة لـ"حماس" مع استمرار طهران في هجومها السياسي والإعلامي على السعودية، والتي تطمح الحركة الإسلامية على الدوام إلى تطوير علاقتها بها.
شخصية هادئة
في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، ولأسرة بسيطة، ولد إسماعيل هنية عام 1963. "أبو العبد" كما يحب أن يسميه الناس، لاجئ من جورة عسقلان المحتلة، هُجر والداه منها عقب النكبة الفلسطينية في عام 1948، وعرف منذ التحاقه بحركة "حماس" بقربه من مؤسسها الشيخ الشهيد أحمد ياسين، إذ عمل مديراً لمكتبه لسنوات.
من الجامعة الإسلامية، معقل "حماس" الأول في القطاع، انطلق هنية بعد حصوله على بكالوريوس في الأدب العربي، ومن التدريس فيها انتقل إلى العمل في مكاتب الحركة القيادية المختلفة، وظل مطلوباً للاعتقال أو الاغتيال لسنوات في الانتفاضتين الأولى والثانية، والحروب الثلاث على القطاع.
اعتقل الاحتلال الإسرائيلي هنية للمرة الأولى عام 1987، ولبث في السجن 18 يوماً، ثم اعتقل للمرة الثانية عام 1988 لمدة ستة أشهر. في الانتفاضة الأولى، وبعد عام على إعلان "حماس" رسمياً عن نفسها، اعتُقل هنية لثلاث سنوات، ثم أُبعد مع نحو أربعمائة فلسطيني من قيادات الحركة و"الجهاد الإسلامي" إلى مرج الزهور على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وقضى عاماً كاملاً قبل الاتفاق على عودة المبعدين.
أصيب هنية في قصف صاروخي إسرائيلي على مكتب "حماس" في مدينة غزة في عام 2003، بعد أن تبنّت حركته عملية استشهادية في قلب تل أبيب، وحينها نجا هو ومؤسس الحركة أحمد ياسين من القصف الإسرائيلي، وباتت حركته محدودة في الساحتين السياسية والإعلامية.
في الانتخابات التشريعية عام 2006، برز نجم هنية كرئيس لقائمة "حماس" الانتخابية التي سميت حينها "التغيير والإصلاح"، وبعد فوز الحركة بالأغلبية النيابية، شكّل الحكومة الفلسطينية (العاشرة) التي سرعان ما تعرضت للحصار والتهميش عربياً ودولياً، ومن ثم شكّل حكومة الوحدة الوطنية باتفاق مع حركة "فتح"، والتي سرعان ما انهارت بعد سيطرة "حماس" على القطاع، ثم أقاله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس واعتبر حكومته مقالة، وكلّف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة.
وعلى الرغم من ذلك، ظلّ هنية رئيساً لحكومة غزة حتى إعلان حكومة التوافق الوطني عام 2013، على الرغم من عدم اعتراف السلطة الفلسطينية بحكومته في ذلك الوقت واعتبارها حكومة أمر واقع، ورفض المحيط العربي والدولي التعامل مع الحركة وحكومتها في غزة إلا في إطار ضيق للغاية.
وعُرفت عن هنية خطاباته الحماسية والفعالة، ويوم اختير رئيساً للحكومة الفلسطينية أطلق شعاره المعروف: "لن نعترف، لن نعترف، لن نعترف بإسرائيل"، وحينها هددته إسرائيل علانية بالاغتيال إذا لم تفرج "حماس" عن الجندي المعتقل لديها جلعاد شاليط.
داخل "حماس"، هناك إجماع على هنية، قلّ نظيره بين قيادات الحركة في غزة والضفة والخارج والسجون، وانتخابه في هذا الوقت الحساس يضع مسؤوليات جساماً على الرجل الذي يعرف بهدوئه، ويبتعد كثيراً عن السجالات الإعلامية والتراشق الذي يحدث دائماً بين حركته و"فتح".
ومن المتوقع أنّ يقيم هنية في العاصمة القطرية الدوحة، لسهولة تواصله مع الخارج انطلاقاً منها، وحينها سيكون في مأمن من الاغتيال الإسرائيلي، إذ لا يزال على قائمة المطلوبين لتل أبيب بغرض التصفية. وفي هذا السياق، كشفت مصادر في معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، لـ"العربي الجديد"، أن هنية أنهى إجراءات عبوره، وفي طريقه إلى القاهرة، تمهيداً لسفره إلى الدوحة.
يأتي هذا في الوقت الذي قالت فيه مصادر مصرية، وثيقة الصلة بدوائر صناعة القرار، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ارتياحاً كبيراً، لدى جهاز الاستخبارات المصري، ودوائر سياسية عدة بتولي هنية قيادة "حماس"، مؤكدة أنه شخصية تلقى قبولاً في دوائر القرار المصري. وكشفت المصادر أن قيادات في الاستخبارات المصرية، طالبت في وقت سابق بأن يؤدي هنية دوراً أكبر في ملف العلاقات بين الطرفين، نظراً لطبيعته الشخصية وتمتعه باحترام وتقدير كبيرين من الدوائر الرسمية.
في السياق، أشارت مصادر من حركة "حماس" إلى أن هنية سيجري عدداً من الزيارات الخارجية، عقب توليه مهام منصبه رسمياً، موضحة أنه من المقرر أن يزور تونس وتركيا، في وقت لاحق. وكشفت أن هنية سيلتقي مسؤولاً مصرياً، خلال توجّهه من معبر رفح لمطار القاهرة، قبل التوجه إلى الدوحة.