تمرّ الساحة السياسية في موريتانيا حالياً بمرحلة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر يونيو/حزيران المقبل، المفترض أن تكون الانتخابات الأولى من نوعها في سياق التناوب السلمي على السلطة، بعد فترة من التغييرات العسكرية، ومن المفترض أن تكون أول انتخابات يغادر فيها رئيس منتخب عبر صناديق الاقتراع، ويسلّم السلطة لرئيس آخر انتخب عبر صناديق الاقتراع أيضاً. وعلى الرغم من أن صورة التناوب السلمي على السلطة في موريتانيا مشوّهة، بفعل واقع أن الرئيس المغادر، محمد ولد عبد العزيز، هو عسكري وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري أطاح الرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله سنة 2008، وأيضاً أن مرشح السلطة الأوفر حظاً هو رفيقه في الانقلابات وزير الدفاع محمد ولد الشيخ ولد الغزواني، إلا أن الإصلاحات الدستورية التي أُقرّت سنة 2006، والتي تقضي بحصر الولايات الرئاسية بولايتين فقط، عُدّت مكسباً للتناوب السلمي على السلطة في البلاد. وقد تبنّى عبد العزيز ترشيح الغزواني، أمس الخميس.
ويعيش المشهد السياسي في موريتانيا بشقيه الموالي والمعارض حالة حركية ستزيد من غموضه قبل الانتخابات الرئاسية، في ظل هجرة بدأت فعلياً من بعض المعارضين نحو الأجنحة الموالية، مع تململ داخل الموالاة، كما لا يُستبعد حصول حركة نزوح من الموالاة أو منافسة داخل صفوفها.
وأضاف أن "تعاطي السلطة في موريتانيا مع المعارضة خلال العقد الأخير، وما طبع ذلك التعاطي، جعل المعارضة في وضع لا تحسد عليه، كان أبرز نتائجه المسار الذي أخذت في مقاطعة الانتخابات أو المشاركة فيها أو تشتت الموقف إزاءها". واعتبر أن "أكثر المعارضين اليوم تفاؤلاً في موريتانيا لا يمكن أن يتوقع حصول المعارضة على نتيجة ذات قيمة بدون التحالف مع طرف من خارجها، خصوصاً من الأطراف المحسوبة على النظام، سواء في شكله الحالي أو في أطواره الماضية التي تشكل المرحلة الحالية امتداداً لها، وهو ما يعرف في أبجديات المعارضة بـ(فترة الحكام العسكريين)".
وتابع ولد محمد المصطفى قائلاً إن "الانتخابات الرئاسية المقبلة تحمل مفارقة في تاريخ الاستحقاقات الرئاسة، وهي في كل الأحوال مؤشر جدية، أقصد أن عدد المرشحين في هذه الانتخابات سيكون محدوداً خلافاً لتجارب سابقة كان العدد فيها يتجاوز عشرة مرشحين، وربما قارب 20 مرشحاً كما حصل في انتخابات 2007". وأكد أن "محدودية عدد المرشحين سيزيد من حجم التنافس، وربما يُسهّل كذلك عملية الحسم في الشوط الأول لمصلحة المرشح الأوفر حظاً، في ظل محدودية المرشحين وعدم تشتت الأصوات بين أكثر من مرشح كما حصل في تجارب سابقة".
وأكد أن "أبرز القوى المعارضة في موريتانيا، هي حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي، لقوته في زعامة المعارضة لكونه القوة الثانية تمثيلاً في البرلمان بعد الحزب الحاكم، ثم هناك حزب تكتل القوى الديمقراطية، بما لديه من تجربة سياسية، أساسها رمزية رئيسه أحمد ولد داداه، ومواكبته المسار الديمقراطي في البلد منذ انطلاقته في عام 1991، فضلاً عن حزب اتحاد قوى التقدم برئاسة محمد ولد مولود، بما يرمز له من نضال ومواكبة لنشأة الدولة ومعارضة أول نظام حكم البلاد وهو نظام الرئيس الراحل المختار ولد داداه".
وعلى الرغم من إعلان النظام ترشيح وزير الدفاع محمد ولد الغزواني للانتخابات الرئاسية، فإن الرهان يبقى قائماً حول مرشح تحالف المعارضة الذي لم تعلن عنه بعد، إضافة إلى حجم استجابة النظام لمطالب المعارضة حول إجراء انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة، ومدى موافقة السلطة على تشكيل لجنة انتخابات توافقية، واتخاذ الإجراءات التي تقنع جل الأطراف السياسية بشفافية الانتخابات.
ويرى مراقبون أن تأخر إعلان مرشح تحالف المعارضة في موريتانيا كان نتيجة ترتيب المعارضة لصفوفها وفق ما تقتضيه النظرة لذلك، وخصوصاً بعد إعلان النظام رسمياً لمرشحه، ما يمنح الأطراف المعارضة مزيداً من الوقت لدراسة خياراتها في وقت تتضح فيه معالم التحول السياسي والاستقطاب الذي تعيشه الساحة السياسية في البلد قبيل انتخابات يونيو المقبل.