نجح الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد 40 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام، في جعل إدارة مصلحة السجون والقيادة الإسرائيلية ترضخ لمطالبهم، وكسروا خطاً أحمر لطالما تمسك به رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهو عدم التحاور مع المضربين إلا بعد وقف إضرابهم. لكن الاحتلال تحاور وجلس مع قادة الإضراب بعدما حرص على تهميش التحرك منذ اليوم الأول للإضراب. وعلى الرغم من أن أي قراءة لنتائج الإضراب تبدو مبكرة، إذ لم تُعرف كل تفاصيل الاتفاق الذي وافق الأسرى على تعليق إضرابهم بموجبه، وبانتظار رسالة مفصّلة تصدر من قيادة الإضراب في اليومين المقبلين، إلا أن هذا الإضراب بكل الظروف التي أحاطت به كشفت عن نقاط ضعف وقوة لم تكن لتُعرف دونه.
ويُجمع مراقبون وخبراء في شأن الأسرى والإضرابات، على أن هذا الإضراب وإن انتهى عملياً، لكن تبعاته على حركة "فتح" والقيادة الفلسطينية والشعب لن تنتهي في القريب العاجل، بل ستبقى محطاته وتحدياته ونقاط التناقض والتنافر الذي كشفها، محل حديث المراقبين والحركة الأسيرة لفترة طويلة. ووفق ما تسرّب من تفاصيل الاتفاق، فقد حقق الأسرى إنجازات مهمة، أبرزها السماح بزيارة ثانية لأهالي الأسرى خلال الشهر الواحد. وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى عيسى قراقع لشبكة "الجزيرة"، إن التفاهمات أفضت إلى موافقة مبدئية من الاحتلال على السماح بزيارة الأقارب من الدرجة الثانية وأحفاد الأسرى، إلى جانب تحسين العلاج الطبي ودراسة مطالب كإغلاق مستشفى الرملة وإنهاء العزل الانفرادي وإعادة التعليم. وكشف عن تشكيل لجنة من إدارة السجون الإسرائيلية وقيادات إضراب الأسرى لبحث القضايا التي لم يتم الاتفاق عليها، خلال شهر، ومن ضمنها مطلب تركيب هاتف عمومي يضمن التواصل بين الأسير وعائلته.
وعلى الرغم من أن اللجنة الوطنية لإسناد الأسرى التي أعلنت في مؤتمر صحافي ظهر أمس السبت، عن انتهاء الإضراب، على لسان عضو مركزية "فتح" ومفوض التعبئة والتنظيم جمال محيسن، والذي تلا بيان اللجنة، موجّهاً الشكر للرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلا أن محطات الإضراب في أيامها الأربعين، شهدت انتقادات حادة للقيادة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني، واتهامات مباشرة بالتقصير في ما يخص قضية الأسرى المضربين.
وبينما كانت هيئة الشؤون المدنية برئاسة حسين الشيخ، وقادة الأجهزة الأمنية، الاستخبارات ماجد فرج، والوقائي زياد هب الريح، قد دخلوا في حوار مع الاحتلال قبل انطلاق الإضراب، لمناشدته الاستجابة للمطالب، واستمرت حواراتهم مع مختلف المستويات الإسرائيلية، حكومية واستخبارات (شاباك) طيلة أيام الإضراب، إلا أن خبراء يعتبرون أن تدخلهم أضرّ بالإضراب ولم ينفعه. وحسب المتابعين، فإن حوار السلطة مع مختلف المستويات الرسمية للاحتلال تسبّب بإطالة أمد الإضراب بالدرجة الأولى، وجاء بهدف تهميش مروان البرغوثي وقيادة الإضراب، وعكس عدم رغبة السلطة في دعم الإضراب الذي لم تتوافق عليه حركة "فتح" داخل المعتقلات، ولم توافق عليه قيادة الحركة في الخارج.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، أحمد جميل عزم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال حاول ترويج دور السلطة في التوصل لاتفاق ينهي الإضراب بشكل كبير، ليس حباً بالسلطة الفلسطينية ولكن حتى لا يظهر أن هذا الإنجاز جاء عبر الأسرى.
وتكشف التفاصيل التي حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر معنية، أن مصلحة السجون جمعت قيادة الإضراب في سجن عسقلان، من الساعة الخامسة من بعد عصر الخميس، واستمر الحوار حتى ساعات الفجر الأولى، وكان مروان البرغوثي متشدداً في بعض النقاط، وأبدى صلابة في تأكيد استمرارية إضرابه وزملاءه من "فتح" و"الجبهة الشعبية" و"حماس" حتى الشهادة، وبعد التشاور مع قيادة الإضراب التي وافقت ووافق البرغوثي تم التوصل للاتفاق. وتضيف المصادر: "طُلب من أحد أسرى فتح المقربين من البرغوثي الاتصال بوزير هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ وإبلاغه بأنه تم التوصل لاتفاق بموافقة قيادة الأسرى ومنهم البرغوثي". واعتبر عزم، المطّلع على "حملة إطلاق سراح مروان البرغوثي" عن كثب، ما حدث انتصاراً للمضربين، قائلاً: "في النهاية قرر الاحتلال التراجع عن بعض قراراته، وبدأ "الشاباك" يفاوض بدل الأمن، والتراجع الثاني بالجلوس مع البرغوثي على الرغم من رفضهم منذ البداية".
من جهته، قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، في حديث لـ"العربي الجديد"، على هامش المؤتمر الصحافي الذي عُقد أمس، إنه "على الرغم من شح المعلومات حول بنود اتفاق تعليق الإضراب، لكن بحسب معرفتنا بخطة الإضراب التي سار عليها الأسرى فهو لم ينته إلا بمفاوضات مباشرة مع قادة الإضراب وعلى رأسهم الأسير مروان البرغوثي". ولفت فارس إلى أنه كان هناك تفاهم إسرائيلي حول معظم المطالب وهو ما أبلغ به رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الشاباك" قبل يومين، لكن التطور الذي حصل أمس الجمعة، هو أن هذه المطالب مكفولة من الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو. أما رئيس مركز "أحرار" لدراسات شؤون الأسرى وحقوق الإنسان، فؤاد الخفش، فاعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن "تدخّل السلطة الفلسطينية في الإضراب أدى إلى تراخي الأمن الداخلي الإسرائيلي مع الأسرى المضربين وأطال في عمر الإضراب أكثر، فضلاً عن أن المسؤولين الفلسطينيين فتحوا أكثر من مستوى للحوار مع جهات عدة ومنها الشاباك".
اقــرأ أيضاً
وتلقّت القيادة الفلسطينية في الأيام الأربعين الماضية كمّاً هائلاً من الانتقادات من كل المستويات، وكان قرار فدوى زوجة مروان البرغوثي بالاعتصام قرب ضريح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ذروة هذه الانتقادات، إذ دخلت إلى مقر الضريح بهدوء ومن دون أن تعلن عن نيّتها لأنها "لو أعلنت رغبتي بالدخول والاعتصام لما سمحوا لي"، كما قالت لـ"العربي الجديد" سابقاً. ومنع الأمن مئات الأمهات وأهالي الأسرى من الانضمام إليها، فيما تم تحويل محيط مقر الرئاسة في رام الله إلى ثكنة عسكرية. واشتعلت الانتقادات أكثر مع ظهور العشرات من عناصر الأمن بالزي المدني وهم يمنعون أهالي الأسرى من الوصول إلى مقر الرئاسة، وظهر مقطع فيديو لأحد رجال الأمن بالزي المدني وهو يواسي أم أسير قائلاً لها "ما إلنا غير الدعاء لله".
عجز القيادة الفلسطينية الذي كان يزداد يومياً، قابله تصاعد الانتقادات حتى من داخل حركة "فتح"، وانتشرت مشاهد منع الأهالي من الوصول للمقاطعة والمتظاهرين من الوصول إلى منطقة التماس عند مستوطنة بيت إيل شمال رام الله. ولعل حديث عباس في افتتاح المجلس الثوري يوم الخميس الماضي في اليوم 39 للإضراب يظهر ضعف السلطة، حين قال: "وسّطنا جميع العالم... وآخر هذه الوساطات اليوم المبعوث الأميركي جيسون غرينبلات، ذهب إلى الحكومة الإسرائيلية ولم يأتنا حتى الآن بجواب، أملنا ضعيف أن يأتي لنا بجواب".
وفي تصريح آخر قبل بدء جلسة اللجنة المركزية للحركة يوم الأربعاء الماضي، قال عباس: "العالم كله يعرف أن مطالب الأسرى إنسانية، ولا يوجد لدى إسرائيل أي مبرر لرفضها، خصوصاً أن هذه المطالب كانت موجودة في الماضي، وإسرائيل تحاول أن تعاقب أسرانا، وتعاقبنا، برفضها هذه المطالب الإنسانية، ونحن صابرون وصامدون حتى نحصل على حل يرضي الجميع". تصريح عباس نزع الإضراب من سياقه السياسي الحقيقي ليجعله إنسانياً، وأصر في الوقت نفسه على حل يرضي الجميع في مساواة بين الأسير الفلسطيني الذي يُعتقل بسبب مقاومته وتعرض للتعذيب والعزل في زنازين لسنوات وكل أشكال امتهان الكرامة، وبين السجّان الإسرائيلي.
ونشر عناصر ونشطاء في حركة "فتح" صوراً لعرفات وهو يزور خيم الأسرى ويسلّم على أمهاتهم، مع انتقاد واضح لعباس الذي لم يزر أي خيمة طيلة الأيام الأربعين للإضراب، بينما سافر في فترة الإضراب إلى عدة دول منها الأردن ثلاث مرات، إذ بدأ في 23 إبريل/نيسان بزيارة إلى دولة الكويت ثم إلى مصر، فالأردن، والولايات المتحدة الأميركية، والأردن، وروسيا، والهند، وسلطنة عُمان، والبحر الميت في الأردن، وانتهت في 20 مايو/أيار حيث شارك في القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض. وإلى جانب انتقاد القيادة الذي بدا ضعفها واضحاً في الإضراب، انعكست انتقادات أخرى لا تقل أهمية حول التناقض الفتحاوي الداخلي، والذي بدأ قبل الإضراب، إذ رفض ممثلو معتقلات من حركة "فتح" المشاركة في الإضراب منذ اليوم الأول وهم معتقل "ريمون" و"النقب" و"مجدو"، وبعد أيام من الإضراب انضم المئات من أسرى هذه المعتقلات إلى الإضراب بقرار فردي.
وكان من اللافت قرار مفوض التعبئة والتنظيم جمال المحيسن، والذي أعلن عنه قدورة فارس بضرورة التزام أسرى "فتح" بالإضراب وتحت طائلة المسؤولية، إذ تم سحب هذا القرار بعد أقل من نصف ساعة بضغط من ممثلي هذه السجون المذكورة، وأكد أحدهم لـ"العربي الجديد" أن "البرغوثي لم يستشرهم في الإضراب ولم ينسق معهم بشكل مسبق، على الرغم من أنها هيئات تنظيمية منتخبة، ولا يجوز أن يتم إملاء القرارات عليها بهذا الشكل، وإبلاغها بها لينفذوا دون نقاش". هذا الشرخ الفتحاوي ازداد في الأيام الماضية أكثر وأكثر، إذ كانت إدارة مصلحة السجون تصر على فتح حوارات عبثية وغير مجدية مع بعض قيادات الأسرى الفتحاويين المضربين وغير المضربين، وإيهام غير المضربين بأن هناك حواراً جدياً مع الأسرى المضربين، بهدف سرقة الوقت من جهة، وإجهاض أي محاولة لهم للتصعيد.
وحمل أحد عمداء الأسرى الفتحاويين فخري البرغوثي، على ما سماه تآمراً على المضربين وإطالة فترة إضرابهم. البرغوثي الذي أمضى 34 عاماً متواصلة في المعتقلات الإسرائيلية، قال لـ"العربي الجديد": "ورقة التوت سقطت ولم يبق شيء يغطي عوراتهم، التآمر على قضية الأسرى وإضرابهم كان من كثير ناس، من فوق ومن كل الجوانب، لأنه لو لم يكن هناك تآمر لما استمر الإضراب أربعين يوماً".
ولفت إلى أن "التنظيمات لم تساند بكل ثقلها ولم تقف مع الأسرى بكل معنى الكلمة، لو كان هناك احتفال أو مناسبة تجد القوى السياسية تجمع كافة عناصرها وتنزل إلى الشارع من أجل أن تُظهر للناس أن لديها قوة بشرية، ولكن عند حصول إضراب يمس كل فئات شعبنا، إذ إن كل القوى السياسية داخل السجون وخارجها كانت مضربة، فلم تكن (التنظيمات) على قدر المسؤولية في هذا الجانب، وعلى مستوى الأسرى وإضرابهم، إذاً فهي لا تقدر على حل أي مشكلة أخرى مع الاحتلال". وأضاف: "أعتقد أن الأسرى حققوا نسبة 80 في المائة من مطالبهم، وسيحققون بقية مطالبهم، ويكفي أنهم لم يقبلوا الذل خلال أربعين يوماً، ولم يقبلوا أن يخضعوا لأي فئة من الفئات الضالة".
وشدد البرغوثي الذي أمضى 40 يوماً في خيمة التضامن مع الأسرى على أنه خلال هذه الأيام لم يشعر بأن أي تنظيم سياسي قدّم أفضل ما عنده لخدمة الأسرى المضربين، مضيفاً: "أنا ابن حركة فتح ولكن أنا ابن الشعب الفلسطيني وليس أي فصيل، في الماضي اعتُقلت على خلفية انتمائي لفتح، وحينها كانت هناك أحزاب، ونحن نأمل الآن من تنظيماتها أن تعود لمواقعها التي كانت فيها، وألا تلهث وراء أوسلو والحلول الجزئية، وخلف حفنة دولارات لتخديرنا"، متابعاً: "نحن لدينا هدف في القضية الفلسطينية وهو أن نعيد كرامتنا، منذ اتفاق أوسلو حتى اليوم ضاعت الحركات وضاع الشعب الفلسطيني، وعلينا أن نعمل على إعادة الشعب الفلسطيني للسكة الصحيحة والهدف الصحيح".
وبينما كانت هيئة الشؤون المدنية برئاسة حسين الشيخ، وقادة الأجهزة الأمنية، الاستخبارات ماجد فرج، والوقائي زياد هب الريح، قد دخلوا في حوار مع الاحتلال قبل انطلاق الإضراب، لمناشدته الاستجابة للمطالب، واستمرت حواراتهم مع مختلف المستويات الإسرائيلية، حكومية واستخبارات (شاباك) طيلة أيام الإضراب، إلا أن خبراء يعتبرون أن تدخلهم أضرّ بالإضراب ولم ينفعه. وحسب المتابعين، فإن حوار السلطة مع مختلف المستويات الرسمية للاحتلال تسبّب بإطالة أمد الإضراب بالدرجة الأولى، وجاء بهدف تهميش مروان البرغوثي وقيادة الإضراب، وعكس عدم رغبة السلطة في دعم الإضراب الذي لم تتوافق عليه حركة "فتح" داخل المعتقلات، ولم توافق عليه قيادة الحركة في الخارج.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، أحمد جميل عزم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال حاول ترويج دور السلطة في التوصل لاتفاق ينهي الإضراب بشكل كبير، ليس حباً بالسلطة الفلسطينية ولكن حتى لا يظهر أن هذا الإنجاز جاء عبر الأسرى.
وتكشف التفاصيل التي حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر معنية، أن مصلحة السجون جمعت قيادة الإضراب في سجن عسقلان، من الساعة الخامسة من بعد عصر الخميس، واستمر الحوار حتى ساعات الفجر الأولى، وكان مروان البرغوثي متشدداً في بعض النقاط، وأبدى صلابة في تأكيد استمرارية إضرابه وزملاءه من "فتح" و"الجبهة الشعبية" و"حماس" حتى الشهادة، وبعد التشاور مع قيادة الإضراب التي وافقت ووافق البرغوثي تم التوصل للاتفاق. وتضيف المصادر: "طُلب من أحد أسرى فتح المقربين من البرغوثي الاتصال بوزير هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ وإبلاغه بأنه تم التوصل لاتفاق بموافقة قيادة الأسرى ومنهم البرغوثي". واعتبر عزم، المطّلع على "حملة إطلاق سراح مروان البرغوثي" عن كثب، ما حدث انتصاراً للمضربين، قائلاً: "في النهاية قرر الاحتلال التراجع عن بعض قراراته، وبدأ "الشاباك" يفاوض بدل الأمن، والتراجع الثاني بالجلوس مع البرغوثي على الرغم من رفضهم منذ البداية".
من جهته، قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، في حديث لـ"العربي الجديد"، على هامش المؤتمر الصحافي الذي عُقد أمس، إنه "على الرغم من شح المعلومات حول بنود اتفاق تعليق الإضراب، لكن بحسب معرفتنا بخطة الإضراب التي سار عليها الأسرى فهو لم ينته إلا بمفاوضات مباشرة مع قادة الإضراب وعلى رأسهم الأسير مروان البرغوثي". ولفت فارس إلى أنه كان هناك تفاهم إسرائيلي حول معظم المطالب وهو ما أبلغ به رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الشاباك" قبل يومين، لكن التطور الذي حصل أمس الجمعة، هو أن هذه المطالب مكفولة من الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو. أما رئيس مركز "أحرار" لدراسات شؤون الأسرى وحقوق الإنسان، فؤاد الخفش، فاعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن "تدخّل السلطة الفلسطينية في الإضراب أدى إلى تراخي الأمن الداخلي الإسرائيلي مع الأسرى المضربين وأطال في عمر الإضراب أكثر، فضلاً عن أن المسؤولين الفلسطينيين فتحوا أكثر من مستوى للحوار مع جهات عدة ومنها الشاباك".
وتلقّت القيادة الفلسطينية في الأيام الأربعين الماضية كمّاً هائلاً من الانتقادات من كل المستويات، وكان قرار فدوى زوجة مروان البرغوثي بالاعتصام قرب ضريح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ذروة هذه الانتقادات، إذ دخلت إلى مقر الضريح بهدوء ومن دون أن تعلن عن نيّتها لأنها "لو أعلنت رغبتي بالدخول والاعتصام لما سمحوا لي"، كما قالت لـ"العربي الجديد" سابقاً. ومنع الأمن مئات الأمهات وأهالي الأسرى من الانضمام إليها، فيما تم تحويل محيط مقر الرئاسة في رام الله إلى ثكنة عسكرية. واشتعلت الانتقادات أكثر مع ظهور العشرات من عناصر الأمن بالزي المدني وهم يمنعون أهالي الأسرى من الوصول إلى مقر الرئاسة، وظهر مقطع فيديو لأحد رجال الأمن بالزي المدني وهو يواسي أم أسير قائلاً لها "ما إلنا غير الدعاء لله".
وفي تصريح آخر قبل بدء جلسة اللجنة المركزية للحركة يوم الأربعاء الماضي، قال عباس: "العالم كله يعرف أن مطالب الأسرى إنسانية، ولا يوجد لدى إسرائيل أي مبرر لرفضها، خصوصاً أن هذه المطالب كانت موجودة في الماضي، وإسرائيل تحاول أن تعاقب أسرانا، وتعاقبنا، برفضها هذه المطالب الإنسانية، ونحن صابرون وصامدون حتى نحصل على حل يرضي الجميع". تصريح عباس نزع الإضراب من سياقه السياسي الحقيقي ليجعله إنسانياً، وأصر في الوقت نفسه على حل يرضي الجميع في مساواة بين الأسير الفلسطيني الذي يُعتقل بسبب مقاومته وتعرض للتعذيب والعزل في زنازين لسنوات وكل أشكال امتهان الكرامة، وبين السجّان الإسرائيلي.
ونشر عناصر ونشطاء في حركة "فتح" صوراً لعرفات وهو يزور خيم الأسرى ويسلّم على أمهاتهم، مع انتقاد واضح لعباس الذي لم يزر أي خيمة طيلة الأيام الأربعين للإضراب، بينما سافر في فترة الإضراب إلى عدة دول منها الأردن ثلاث مرات، إذ بدأ في 23 إبريل/نيسان بزيارة إلى دولة الكويت ثم إلى مصر، فالأردن، والولايات المتحدة الأميركية، والأردن، وروسيا، والهند، وسلطنة عُمان، والبحر الميت في الأردن، وانتهت في 20 مايو/أيار حيث شارك في القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض. وإلى جانب انتقاد القيادة الذي بدا ضعفها واضحاً في الإضراب، انعكست انتقادات أخرى لا تقل أهمية حول التناقض الفتحاوي الداخلي، والذي بدأ قبل الإضراب، إذ رفض ممثلو معتقلات من حركة "فتح" المشاركة في الإضراب منذ اليوم الأول وهم معتقل "ريمون" و"النقب" و"مجدو"، وبعد أيام من الإضراب انضم المئات من أسرى هذه المعتقلات إلى الإضراب بقرار فردي.
وكان من اللافت قرار مفوض التعبئة والتنظيم جمال المحيسن، والذي أعلن عنه قدورة فارس بضرورة التزام أسرى "فتح" بالإضراب وتحت طائلة المسؤولية، إذ تم سحب هذا القرار بعد أقل من نصف ساعة بضغط من ممثلي هذه السجون المذكورة، وأكد أحدهم لـ"العربي الجديد" أن "البرغوثي لم يستشرهم في الإضراب ولم ينسق معهم بشكل مسبق، على الرغم من أنها هيئات تنظيمية منتخبة، ولا يجوز أن يتم إملاء القرارات عليها بهذا الشكل، وإبلاغها بها لينفذوا دون نقاش". هذا الشرخ الفتحاوي ازداد في الأيام الماضية أكثر وأكثر، إذ كانت إدارة مصلحة السجون تصر على فتح حوارات عبثية وغير مجدية مع بعض قيادات الأسرى الفتحاويين المضربين وغير المضربين، وإيهام غير المضربين بأن هناك حواراً جدياً مع الأسرى المضربين، بهدف سرقة الوقت من جهة، وإجهاض أي محاولة لهم للتصعيد.
وحمل أحد عمداء الأسرى الفتحاويين فخري البرغوثي، على ما سماه تآمراً على المضربين وإطالة فترة إضرابهم. البرغوثي الذي أمضى 34 عاماً متواصلة في المعتقلات الإسرائيلية، قال لـ"العربي الجديد": "ورقة التوت سقطت ولم يبق شيء يغطي عوراتهم، التآمر على قضية الأسرى وإضرابهم كان من كثير ناس، من فوق ومن كل الجوانب، لأنه لو لم يكن هناك تآمر لما استمر الإضراب أربعين يوماً".
وشدد البرغوثي الذي أمضى 40 يوماً في خيمة التضامن مع الأسرى على أنه خلال هذه الأيام لم يشعر بأن أي تنظيم سياسي قدّم أفضل ما عنده لخدمة الأسرى المضربين، مضيفاً: "أنا ابن حركة فتح ولكن أنا ابن الشعب الفلسطيني وليس أي فصيل، في الماضي اعتُقلت على خلفية انتمائي لفتح، وحينها كانت هناك أحزاب، ونحن نأمل الآن من تنظيماتها أن تعود لمواقعها التي كانت فيها، وألا تلهث وراء أوسلو والحلول الجزئية، وخلف حفنة دولارات لتخديرنا"، متابعاً: "نحن لدينا هدف في القضية الفلسطينية وهو أن نعيد كرامتنا، منذ اتفاق أوسلو حتى اليوم ضاعت الحركات وضاع الشعب الفلسطيني، وعلينا أن نعمل على إعادة الشعب الفلسطيني للسكة الصحيحة والهدف الصحيح".