أسدل الستار على قضية اغتيال القيادي في "كتائب عز الدين القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، مازن فقهاء. وأغلق الملف الاستخباري مؤقتاً، في إطار جولة من جولات حرب الأدمغة بين المقاومة وأجهزة أمن غزة من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى. وفي المؤتمر الصحافي لإعلان تفاصيل الاغتيال، لم تترك وزارة الداخلية في غزة فرصة للتنويه بقدرات الأجهزة الأمنية، خصوصاً جهاز الأمن الداخلي (المسؤول المباشر عن ملف العملاء والتخابر)، في الوصول إلى القاتل المباشر ومساعديه الاثنين. وأعلن، أمس الثلاثاء، وكيل وزارة الداخلية في غزة، توفيق أبو نعيم، اكتمال كشف خيوط جريمة اغتيال فقهاء، باعتقال القاتل المباشر واثنين من مساعديه، فيما هرب المتهم الرابع إلى الأراضي المحتلة، مشيراً، في الوقت ذاته، إلى اعتقال 45 عميلاً لإسرائيل، اعترفوا بعمليات اغتيال ورصد سابقة للاحتلال خلال الحروب الثلاث على قطاع غزة.
ومن خلال الفيديو الذي بثته وزارة الداخلية، وتضمن مشاهد حقيقية لعملية الرصد والمتابعة للشهيد فقهاء، يظهر أنّ الاحتلال الإسرائيلي حاول التلاعب بالعملية، عبر إسناد تنفيذها إلى عنصر معروف بانتمائه إلى الفكر السلفي "الجهادي"، في محاولة لإلصاق التهمة بهذه الجماعات، وإظهار الحدث وكأنه تصفية داخلية، أو خلافات فلسطينية-فلسطينية ليس للاحتلال يد بها. ورغم "أهمية" الإنجاز الذي حدث في كشف خيوط جريمة هزّت غزة، بعد أنّ غابت مثيلاتها سنوات طويلة عن القطاع، إلا أنّ الأهم بالنسبة إلى المختصين وبعض الخبراء، هو أنّ بعض التفاصيل تظهر وكأنّ القاتل انكشف بشكل غير مباشر، من خلال فضول قاد أحد المتخابرين لتتبعه وانتظاره.
ورغم أنّ "الجريمة" ظلت من دون انكشاف لمدة 45 يوماً، أُغلقت فيها غزة بشكل شبه كامل، فإنّ الوصول إلى المنفذين الحقيقيين يعد تقدماً هاماً في مسار حرب الأدمغة بين المقاومة وأجهزة الأمن من جهة، والاحتلال من الجهة الأخرى، في ظل انكشاف غزة وانفتاح إسرائيل عليها وسعيها الدائم لتكوين شبكات عملاء نائمة وعاملة للتخابر معها. ويقول المحلل السياسي، تيسير محيسن، لـ"العربي الجديد"، إنّ ما تبقى الآن هو تقديم المتهمين إلى المحاكمة، وتنفيذ الحكم الذي سيصدر بحقهم، غير أنه يشير، من واقع ما عرض، إلى أن الجهد الذي قامت به الأجهزة الأمنية ليس عبقرياً، وأي فريق أمني بسيط يمكن أنّ يحصل على هذه النتيجة، وأكثر منها بكثير. ويوضح أنّه، من خلال ما أعلن من تفاصيل عن عملية الاغتيال، فإن إسرائيل كانت تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأمور، وذلك عبر إخفاء شخصيات، واستخدام القاتل المباشر تحديداً، وهو شخص متمرس كان ضليعاً في عمليات القتل سابقاً، وبالتالي لا تحتاج إسرائيل إلى تدريبه واستدعائه. كما أرادت إسرائيل أنّ تخلط الأوراق داخلياً في بنية الإسلاميين، عبر تعمد أن يكون القاتل المباشر هو المنفذ للعملية، وكانت تريد أن تقول، إنّ ما جرى هو عمل داخلي، وفق محيسن، الذي يلفت إلى أنّ تفاصيل عملية اغتيال فقهاء، تكشف عن حلقة أوسع من العملاء كانت إسرائيل حريصة على ألا يتم كشفهم.
ورغم إشادته بإجراءات الأمن في غزة، إلا أنّ محيسن يلفت إلى أنّ عملية الاغتيال قادت إلى اعتقال عدد كبير من المشتبه بهم، ونتيجة للتحقيقات، فقد حصل الأمن على اعترافات بارتباطهم بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية، منوهاً إلى أنّه لو لم تحدث جريمة اغتيال فقهاء لما قام الأمن بمثل هذه الحملة، ولما كشف هذا العدد الكبير من المتعاونين. ويشدد على أنّ نتائج التحقيقات تدعو إلى أنّ تكون أجهزة الأمن في غزة، ومعها فصائل المقاومة، في حالة حرب أمنية حقيقية متواصلة ضد عملاء إسرائيل، فالاحتلال لن يتوقف عن تجنيد عملاء بطرق شتى، وهناك خلايا نائمة كثيرة، وأفراد كثر مرتبطون به، وغير مفعلين، وفي لحظة ما يمكن تفعيلهم لتنفيذ عمليات معينة، ما يستدعي القيام، بشكل متواصل، بعمل أمني واستخباري ضد العملاء والمتخابرين. وينوه محيسن إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي هو المتهم الأول والأخير في عملية اغتيال فقهاء، وعليه أنّ ينتظر رد حركة "حماس" في أي لحظة، وبطرق مختلفة على جريمته، وهذا أيضاً يضع "كتائب القسام" أمام مهمة صعبة للغاية، في البحث عن كيفية توجيه ضربة موجعة للاحتلال، بحجم ضربة اغتيال فقهاء.