الشاهد في الأمر أن وقتاً طويلاً صارت تقضيه الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها، لحلحلة مشكلات ليس للحوثيين دور مباشر فيها، بل كثير منها من صنع أطراف في التحالف أو أطراف داخل الشرعية، فيما يتشكل واقع جديد بمنأى عنها في مناطق سيطرة الحوثي ذات الكثافة السكانية الأعلى في البلاد: تجييش للمدارس، وتغيير للمناهج، وتطييف للخطاب الديني، ومسارات حوثية أخرى تمشي على قدم وساق.
في هذه الأيام، تصطبغ العاصمة صنعاء وأغلب المدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، باللون الأخضر، كعلامة احتفاء بذكرى المولد النبوي، هذه المناسبة التي تحولت إلى موسم للتحشيد والتعبئة، مصحوبة بفرض الإتاوات والتبرعات، وفي الثاني عشر من ربيع الأول تقام احتفاليات خطابية وفنية يخرج منها الحوثيون بمجندين جدد لجبهات القتال، كثير منهم من الأطفال. يبدو أن الحوثي لديه إحساس سليم بقيمة الوقت، قياساً بما هو عليه الحال لدى الحكومة اليمنية والتحالف. هذا الإحساس لا يصبّ، مع الأسف، إلا في ميدان الموت، لا في سبيل السلام، أو العمل على الحد من سيل الإجراءات التعسفية في مناطق سيطرته، التي تبدأ برواتب الموظفين، ولا تنتهي بأخذ المساعدات المخصصة للمحتاجين.
وأخيراً، باتت الأصوات المحذرة من هذا التنميط الحوثي تتعالى يومياً، وصارت المشكلة الأخطر في نظرها، ليس انقلاب الحوثي واستيلاءه على السلطة بقوة السلاح منذ خمس سنوات، بل هذا التجريف المتنامي لهوية المجتمع اليمني والقضاء على قيم التسامح والتعايش التي ظلّ يتميز بها اليمن، على الرغم من التنوع الكبير بين مكوناته كافة.