وخلال مناقشة موازنة وزارة الخارجية للعام 2019 في مقرّ البرلمان التركي في أنقرة، أشار جاووش أوغلو إلى أنّ بلاده "قادت المرحلة بشكل شفاف بخصوص مقتل خاشقجي، وفي البداية شكّلت مجموعة عمل مع السعودية، من دون التفكير في إحالة المسألة لمحكمة دولية، ولكن في هذه المرحلة ترى أنّ إجراء تحقيق دولي بات أمراً لا مفرّ منه، ومهما حصل، فإنّ تركيا ستقوم بما يلزم من أجل الكشف عن ملابسات الجريمة بجوانبها كافة". ولم يكتف الوزير التركي بذلك، بل هاجم السعودية في موضوع اليمن أيضاً، إذ قال "لا نرى أنّ سياسات المملكة العربية السعودية والإمارات، لمحاصرة الجميع في اليمن صحيحة، فالكثير من الناس يموتون من الجوع والأمراض، ونحن لن نبقى صامتين حيال ذلك".
وتتقاطع هذه التطورات مع معلومات من مصادر تركية تفيد بأنّ أنقرة حسمت موضوع التعاطي مع ملف خاشقجي، وهي بصدد مراجعة علاقاتها مع السعودية، وكذلك مراجعة التعاطي الإعلامي المهادن للرياض خلال السنوات السابقة، رغم الحملات الإعلامية السعودية ضد تركيا. وأضافت المصادر أنّه سيتم اعتماد خطاب إعلامي مختلف مع السعودية والملفات الضالعة بها. ولعلّ أول تجليات ذلك ظهر من خلال وصف وكالة "الأناضول" التركية الرسمية، للحكومة اليمنية بأنها مدعومة من قوات "التحالف"، بدلاً من استخدام مصطلح "الحكومة الشرعية".
وبحسب ما كشفت عنه المصادر التي تحدّثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ ما في جعبة تركيا يتضمّن إنشاء لجنة تحقيق خاصة في قضية مقتل خاشقجي، إما عبر طلب ذلك من خلال الأمم المتحدة، أو عبر مبادرة تجمع عدداً من الدول. ويأتي ذلك في وقت مُنحت فيه السعودية مهلة ليست طويلة من أجل التعاون في محاكمة مرتكبي جريمة القتل، قبيل الإقدام على خطوة الانتقال للميادين الدولية، كمجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية، لإجراء تحقيق دولي في القضية.
وأضافت المصادر أنّ التحذير التركي للسعودية يتضمّن إمّا تنفيذ الخطوات المطلوبة من جانب تركيا، والمتمثلة بمحاكمة المتورطين الـ18 بشكل جدي وملموس، أو أنّ أنقرة ستعمل على تشكيل لجنة تحقيق دولية خاصة تجري تحقيقاً جدياً وحقيقياً لا صورياً.
ولفتت المصادر إلى أنّ الخطوة التركية كانت تستهدف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولكنّ ذلك اصطدم بموقف أميركي ثابت في هذا الشأن، فاتجه الموقف التركي بالتالي إلى أفضل طريقة للخروج من الموضوع، وذلك عبر المطالبة بمحاكمة حقيقية لفريق الاغتيال المكون من 18 شخصاً، ومن بينهم مقربون من محمد بن سلمان، هذا فضلاً عن مطالب أخرى.
ومن المطالب التركية إضافة لمحاكمة المتورطين، التعهّد بوقف جميع الأنشطة المعادية لتركيا، وأن ينال الفاعلون جزاءهم، وأن يتم رفع الحصار عن قطر، ومن دون هذه الخطوات، فإنّ تركيا لن تتراجع خطوة عن اللجوء إلى الميادين الدولية لمحاكمة المتورطين.
وشدّدت المصادر على أن تركيا تصرّ على موضوع معاقبة الفاعلين، كي لا تظهر بشكل من يوفّر الغطاء للسعودية، وبالتالي تكون هدفاً من المجتمع الدولي، وتفقد اعتبارها، بعدما قادت المرحلة بكل حساسية ونجاح. وبالتالي، فإنّ التنازل عن خطوة محاسبة الفاعلين ستضعف موقف تركيا وتصريحات مسؤوليها، وتخيب آمال أطراف كثيرة كانت تعوّل على أن لا تبقى الجريمة طي السر والكتمان، أو تبقى لغزاً لا يمكن حله إطلاقا.