صار في وسع لبنان أن يفاخر بأنه أول بلد في المنطقة يتمكن من تنظيف أرضه من تنظيم "داعش" الإرهابي، ولكن لا يمكن اعتبار هذا النصر تاما في جميع المقاييس بعد أن تبين أن هناك صفقة بين "حزب الله" و"داعش"، سهّلت للأخير نقل عناصره في باصات مكيفة من الجرود اللبنانية نحو مدينة دير الزور بالاتفاق مع النظام السوري.
وتبدو صفقة "حزب الله" مع "داعش" غامضة، على غرار تلك التي عقدها قبل عدة أسابيع مع "جبهة النصرة" التي سمح لها، بالتنسيق مع النظام السوري، أن تنتقل إلى مدينة إدلب، التي باتت منذ شهرين تحت سيطرة النصرة بالكامل.
تبدو عملية السماح بانتقال أفواج الإرهابيين بحرية من لبنان إلى سورية فاقعة في الحالتين، ومع ذلك لم تصدر أية ردود فعل باستثناء الاحتجاج الذي جاء على لسان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الذي استنكر السماح لـ"داعش" بالانتقال إلى دير الزور كونها تقع بالقرب من الحدود العراقية، مما يهدد بتسلل "الدواعش" إلى الأراضي العراقية والمشاركة في حرب تصفية جيوب "داعش" الباقية في العراق في مناطق عدة، ومنها الحدود العراقية السورية القريبة من مدينة دير الزور.
ما كان العبادي سيحتج لو أن "دواعش" جرود لبنان ذهبوا إلى منطقة أخرى في سورية، ولذلك لم يكترث بمسألة انتقال "جبهة النصرة" إلى إدلب رغم أنها مصنفة إرهابية من طرف الولايات المتحدة وسائر الدول الغربية.
وفي جميع الأحوال أحسن العبادي عندما تحرك واحتج حيال ما يخص بلده الذي خسر الكثير في مواجهة هذا الوباء الذي استشرى على أرضه بقوة، واعتبر المسألة مقلقة وغير مقبولة، وقال إنه كان ينتظر القضاء على الإرهابيين وليس نقلهم من منطقة إلى منطقة، ولم يطل الأمر حتى تبين أن قلق العبادي في مكانه، حيث تسربت معلومات تقول إن بعض "الدواعش" الذين انتقلوا من القلمون وصلوا إلى العراق، ولم يستقروا في دير الزور، الأمر الذي أكده أكثر من مسؤول عراقي يوم أمس.
من حق العراق أن يبدي أكثر من استياء فهو خاض حربا بكل معنى الكلمة كي يقضي على فلول "داعش" التي احتلت مدنا كاملة مثل الموصل والأنبار وصلاح الدين، ووصلت في عام 2015 إلى حدود العاصمة بغداد، وفي الوقت الذي تقوم فيه القوات العراقية بتطهير آخر جيوب "داعش" في العياضية وتلعفر تجري مسرحية القلمون، ويخرج الرئيس اللبناني ميشيل عون على الإعلام ليعلن تحرير الأرض اللبنانية من "داعش"، وقال إن "لبنان انتصر على داعش وطرده من أرضه"، وهو يعلم أن التحرير لم يكن كاملا لأن صفقة حصلت من وراء ظهر الدولة اللبنانية بين "داعش" و"حزب الله" والنظام السوري، أتاحت لمجرمي "داعش" الخروج من لبنان بسلام.
منذ أن شاعت أخبار الصفقة والرأي العام العربي تحت وقع الصدمة، ويعجز الخبراء عن فك رموزها وسط حالة من الصمت الدولي والنأي بالنفس رغم الحرب العالمية منذ عامين من أجل محاربة "داعش" في العراق وسورية وليبيا ومصر وتونس وبعض بلدان أوروبا التي بث التنظيم الإرهابي الرعب والموت في شوارعها على مدار عامين.
مع اقتراب قافلة "داعش" الثانية من دير الزور، خرقت الولايات المتحدة جدار الصمت، وأعلنت أنها قامت بقصف جسر كي تحول دون وصولها إلى مدينة دير الزور لتلتحق بالقافلة الأولى التي وصلت إلى المدينة أمس في إطار اتفاق "حزب الله" "داعش" الذي بدأ تنفيذه يوم الاثنين الماضي. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تأخرت واشنطن عن إبداء رد فعل حتى يوم أمس، وهي كان في وسعها أن تقوم بتعطيل الاتفاق وتمنع تنفيذه؟
من المؤكد أن واشنطن لا تعدم الوسائل لتخريب اتفاق "حزب الله –داعش"، وبالتالي هي راضية، بشكل من الأشكال، عن خروج مسلحي "داعش" من لبنان، وما كانت لتتحرك وتهاجم القافلة لو لم ترتفع الأصوات العراقية منددة، وهناك من يقرأ الموقف الأميركي على أنه في إطار حسابات واشنطن لتجميع "الدواعش" في دير الزور بانتظار معركة القضاء عليهم، حيث من المنتظر في وقت قريب تنظيف دير الزور من "داعش".
وإذا كان يبدو التبرير الأميركي وجيها بالنسبة للبعض، فإن إفراج "حزب الله" عن "داعش" يبقى ملتبسا، تفوح منه رائحة التواطؤ.