وفي مقابلة مع المخرج الأميركي أوليفر ستون، نشرها الكرملين في 19 يوليو/ تموز الحالي، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قلقه من تطور الخلاف بين واشنطن وطهران، محدداً مخاوف بلاده بالقول: "نحن قلقون جداً من هذا الأمر، يمكن أن يزعزع ذلك استقرار الوضع حول إيران، وأن يؤثّر على بعض الدول التي تربطنا بها علاقات وثيقة للغاية، وقد يتسبب بموجات إضافية من اللاجئين بأعداد كبيرة، كما يمكن أن يتسبب في أضرار كبيرة في الاقتصاد العالمي وصناعة الطاقة العالمية".
وقبلها بأيام، حمّل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واشنطن المسؤولية عن "التبعات الكارثية المحتملة" لأي مواجهة، مشدداً في حوار مع صحيفة "أرغومنتي إي فاكتي" الروسية، على أنّ "الارتفاع الحالي لدرجة التوتر في المنطقة، يمثّل نتاجاً مباشراً للنهج المتشدد ضدّ إيران، والذي تتبعه واشنطن مع بعض حلفائها... الولايات المتحدة تستعرض عضلاتها، وهي تشنّ حملة لتشويه صورة طهران، وتتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بكل الذنوب". وحذّر لافروف من أنّ "شرارة واحدة فقط، قد تكون كافية لاشتعال الأوضاع". وأكّد أنّ روسيا تتخذ "إجراءات لحلحلة التوتر"، كاشفاً أنّ موسكو "تدفع بصورة نشطة للمضي في مفهوم ضمان الأمن الجماعي في منطقة الخليج، بما يضمن حلّ الخلافات على مراحل، ووضع إجراءات لتعزيز الثقة والمراقبة"، إضافة إلى "المحافظة على الاتفاقات متعددة الأطراف الخاصة بتسوية الوضع حول البرنامج النووي الإيراني".
علاقات شراكة لا ترقى إلى المستوى الاستراتيجي
وفي السنوات الأخيرة، بدأت إيران تشغل مكاناً بارزاً في علاقات روسيا الخارجية، وتتكثف اللقاءات الثنائية بين قادة البلدين على مستويات عدة. وتدعم موسكو طهران في كثير من القضايا. في المقابل، فإنّ خبراء كثر يرفضون وصف علاقات البلدين بأنها وصلت إلى درجة التحالف أو الشراكة الاستراتيجية، نظراً لكثير من القضايا التي تكدر صفو العلاقة بينهما. وعلى الرغم من أنّ تدخل روسيا العسكري في سورية جاء، حسب أوساط في موسكو، بعد طلب إيراني، فإنّ أجندة البلدين تصل إلى حدّ التضارب هناك. وتشير تقارير إلى تنافس خفي وعلني بين القوتين الرئيستين الداعمتين للنظام السوري للفوز بأكبر مكاسب سياسية واقتصادية. كذلك، تعدّ علاقة روسيا المميزة مع إسرائيل نقطة خلافية تزعج إيران، خصوصاً مع استمرار استهداف تل أبيب للمواقع الإيرانية في سورية من دون ردّ روسي حاسم.
اقتصادياً، تتواصل العلاقات بين البلدين، لكنها لم تتطور كثيراً على الرغم من الاجتماعات المتكررة على مستوى الوزارات المعنية ورجال الأعمال والشركات. وفي عام 2018، بلغ حجم التبادل التجاري بين موسكو وطهران نحو 1.7 مليار دولار، أي أقل من واحد في المائة فقط من تجارة روسيا الخارجية. ولم تفلح آليات استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري، وبرنامج "النفط مقابل البضائع" في رفعه، في وقت لعبت تركيا والصين فيه الدور الأكبر في التخفيف من تأثير العقوبات الغربية على إيران.
وعلى الرغم من الدعم السياسي من قبل موسكو، لا تتشجّع الشركات الروسية للدخول في السوق الإيرانية. ومع أنّ انسحاب شركات الطاقة العالمية من إيران يشكّل فرصة للشركات الروسية لاستغلال حقول النفط والغاز الضخمة، فقد انسحبت شركة "زاروبيج نفت" الروسية من إيران خشية العقوبات الأميركية. وأخيراً، فإنّ خشية إيران من أن تستغلّ روسيا خروجها من سوق النفط بسبب العقوبات، لزيادة مبيعاتها وأخذ حصتها، إضافة إلى عدم رضا طهران عن الاتفاق الموقع بين روسيا والسعودية لخفض إنتاج النفط، تعقّد العلاقات بين بلدين يعتمدان أساساً على صادرات النفط والغاز.
دعم سياسي ومنع مواجهة شاملة في المنطقة
في اتصال مع "العربي الجديد"، أوضح الخبير في الشؤون الدولية، سيرغي فيلاتوف، أنّ "روسيا لا تريد بالمطلق تصعيد الأوضاع بالقرب من حدودها الجنوبية"، مضيفاً "إيران جارتنا، وروسيا تنطلق من علاقات حسن الجوار وعدم وقوع جيرانها في مشكلات في مجال الأمن. وفي حال وقوع قلاقل، فإننا سوف نعاني من عدم الاستقرار في حدودنا الجنوبية، كما هو الحال في جورجيا وأوكرانيا". واتهم فيلاتوف، الذي يعمل في جامعة موسكو للعلاقات الدولية، الغرب بـ"السعي إلى إحاطة روسيا بمناطق غير مستقرة". وقال "روسيا ستدعم إيران دبلوماسياً في مجلس الأمن الدولي، ولنا علاقات اقتصادية متشعبة مع طهران تخرق الحصار الأميركي المفروض عليها، كما نتعاون مع إيران في تسوية الأزمة السورية، ونزودها كما تركيا والسعودية وقطر، بأسلحة دفاعية"، محذراً من أنّ "أي مغامرة أميركية بشن حرب على إيران، لن تكون سهلة كما كان الحال في حرب العراق". ورجّح المتحدّث نفسه أن "تردّ إيران باستهداف القواعد العسكرية الأميركية بالصواريخ في المنطقة كلها، وأن تضرب حلفاء واشنطن في الخليج وكذلك إسرائيل".
وحضّ الخبير الروسي بلدان الخليج على أن "تفكّر جيداً قبل أن تدعم أي هجوم أميركي على إيران، لأنّ أي حرب يمكن أن تلحق الأذى بشعوب هذه البلدان". وأشار فيلاتوف إلى أنّ "المهمة الكبرى لروسيا هي إرساء نظام عدم انتشار الأسلحة النووية، لأنه عاجلاً أم آجلاً يمكن أن ينتهي الأمر إلى نشوب حرب بالأسلحة الذرية في المنطقة بين إيران وإسرائيل، وهو ما تسعى روسيا لتجنبه"، مؤكداً أنّ بلاده "تدعم الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015، بغضّ النظر عن موقف الولايات المتحدة التي خرجت من هذا الاتفاق الدولي".
واستبعد فيلاتوف أن تؤثّر علاقات روسيا الجيدة مع إسرائيل على علاقاتها مع إيران، ورأى أنّ "روسيا تجمعها علاقات صداقة مع الجميع، وهو ما يجعل تأثيرها أقوى في المنطقة، وهي مهتمة بوصول القوى الأساسية في المنطقة إلى تفاهمات لحل الخلافات في ما بينها". ونفى وجود أي خلافات مع إيران حول سورية، وخلص إلى أنّ "الغرب يسعى إلى إثارة خلافات بين موسكو وطهران، ولكنّ هذا لن يحدث".
من جانبه، أشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو الحكومية، أندريه مانويلو، إلى أنّ "موقف روسيا من الصراع بين إيران والغرب متحفظ جداً، ويهدف إلى عدم جرها في شكل مباشر أو غير مباشر للمشاركة في النزاع"، لافتاً في اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أنّ الغرب وإيران "لا يسعيان حتى الآن إلى صراع مفتوح... ولنتذكّر كيف ألغى ترامب الضربات الجوية التي كانت مقررة ضدّ طهران" الشهر الماضي. وأوضح أنّ "التصعيد اللفظي الحالي من دون الانتقال إلى حرب حقيقية، يخدم قيادتي الولايات المتحدة وإيران؛ فترامب يربح نقاطاً في حملته الانتخابية عبر رسم صورة بأنه رجل قوي، وفي الوقت ذاته يراهن على تغيير شروط الاتفاق النووي. في المقابل، تسعى إيران إلى توظيف الصخب الحاصل، من أجل تحييد نظر شعبها عن الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، وارتفاع الأسعار، وتراجع مستوى الحياة، بالتركيز على أنّ العدو الخارجي هو المسبب لكل المصائب"، معتبراً أنّ "الجانبين مستعدان لمواصلة هذه المسرحية من دون تجاوز الحدود نحو عملية عسكرية".
وفي الوقت نفسه، شدد مانويلو على أنّ "روسيا لن تسمح بتوجيه ضربة مدمرة لإيران"، ورجح أن "يعمل الغرب على إشعال الأوضاع الداخلية في الأخيرة ضمن سيناريو الثورات الملونة".
وبشأن امتلاك إيران للسلاح النووي، أشار الخبير الروسي إلى أنّ "موقف موسكو واضح في منع انتشار الأسلحة النووية. وفي حال انتاج إيران هذه الأسلحة، فإنّ روسيا ستطالب بإجراءات للحدّ منها وضبط ترسانة طهران النووية". وأوضح مانويلو أنه "في حال تحوّلت إيران نتيجة حرب مع الولايات المتحدة إلى أفغانستان ثانية أو مثل سورية، فهذا سيمثّل ضربة قوية لروسيا والأمن العالمي. فضرب إيران سيتسبّب في انهيار كل منظومة الأمن الجماعي في المنطقة، وسيجلب كوارث لجميع البلدان المجاورة لإيران وكذلك للولايات المتحدة ذاتها". ومع عدم ترجيحه تطور الخلاف بين الطرفين إلى مواجهة عسكرية شاملة، أعرب الخبير الروسي عن ثقته بأنه "في حال حصول أي تصعيد للصراع بين الطرفين، فإنّ موسكو ستدعم إيران فقط في سعيها لحل سلمي للصراع، وفقط عبر الوسائل الدبلوماسية في ساحة الأمم المتحدة ومنظماتها".
ضمان الأمن الجماعي في الخليج بمشاركة روسيا
ومع تحذيرها من تطور خطير للأوضاع في الخليج، أعادت روسيا منذ أيام طرح تصوراتها لنزع فتيل الحرب في المنطقة. وحسب وزارة الخارجية الروسية، أطلع نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف بعض الدبلوماسيين على "أفكار أولية تتطلب مناقشة ودراسة إضافية"، تهدف على المدى البعيد إلى "إنشاء منظمة للأمن والتعاون بالخليج تضم الدول الإقليمية وروسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، وغيرها من الأطراف الدولية المعنية بصفة مراقبين أو أعضاء منتسبين". وشددت الخارجية الروسية على "ضرورة إطلاق حوار تدريجي حول تقليص الوجود العسكري الأجنبي بالمنطقة، ووضع تدابير مشتركة لبناء الثقة بين دول الخليج ودول أخرى، مع إحراز تقدم في إنشاء هيكل نظام أمن خليجي".