التقى بوتين نظيره الأوزبكي، إسلام كريموف، وتباحثا في ملفات محددة وهي "الاتفاق بين الحكومتين حول تسوية المطالب والالتزامات المالية، والاتفاق حول الاتجاهات الرئيسية لتطوير التعاون الاقتصادي بين روسيا وأوزبكستان وتعميقه في الفترة الممتدة بين 2015 و2019، وتوقيع بروتوكول بين مؤسسات البلدين حول تبادل نتائج دراسات المواد المخدرة التي تمت مصادرتها من التداول غير المشروع، وكذلك تفعيل برنامج التعاون بين وزارتي الخارجية الروسية والأوزبكية لعام 2015".
ولفت يوري أوشاكوف، مساعد بوتين، في حديث لوكالة "ريا نوفوستي"، إلى أن "الرئيسين بحثا زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، علماً بأن روسيا ما زالت تحتفظ بالمرتبة الأولى بين شركاء أوزبكستان بنسبة تبلغ 27.5 في المائة".
مع العلم أن المسالة الاقتصادية، بالغة الأهمية للجانبين، فلجنة "التعاون الاقتصادي الحكومية الروسية الأوزبكية" عقدت اجتماعها السادس عشر في طشقند في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وشغل مصير العمالة الأوزبكية في روسيا الحيّز الأكبر من الاجتماع.
فوفقاً لمختلف الإحصاءات، يتراوح عدد العمال الأوزبك في روسيا بين ثلاثة ملايين وستة ملايين شخص، ويزداد عددهم باطراد، لكون عدد القادرين على العمل في أوزبكستان يُقدّر بحوالي 12 مليون إنسان. وتفتقر البلاد إلى فرص العمل، كما لا تحوي برامج لاستيعاب العمالة لديها، ولا منفذ عملياً لها من أجل تصريف طاقة الشباب، التي تخشى طشقند من انفجارها، إلا في روسيا، ولذلك يبدو مفهوماً الاهتمام الأوزبكي بقوننة عمل المهاجرين إلى روسيا. وهو ما تسعى إليه في اتصالاتها مع موسكو، الذي تدرك أهميته وحراجته.
وأما الورقة التي تملكها طشقند للتأثير في موقف روسيا منها، فتتمثل بموقعها الجغرافي، في الطريق إلى أفغانستان، في صورة مشابهة لأوكرانيا، التي تمرّ عبرها خطوط الغاز من روسيا إلى أوروبا. ولأوزبكستان من هذه الزاوية، أهمية بالنسبة لآسيا الوسطى عموماً، وليس فقط لروسيا. كما أجادت طشقند في حماية مصالحها الخاصة عبر تعدد علاقاتها مع الغرب الأطلسي ومع موسكو، ولم تنحاز إلى الموقف الروسي إلاّ مضطرة، أو وفق ميزان مصالح محدد.
وعرف كريموف طيلة أعوام ما بعد البيريسترويكا، كيفية الاستفادة من التناقضات بين المتصارعين الجيوسياسيين، روسيا والولايات المتحدة. فقد سبق أن مالت كفة طشقند نحو موسكو بعد عام 2005، كما هي الآن، بعد أن سحقت طشقند في حينه، حركة احتجاج في مايو/أيار 2005 في أنديجان، ووجدت نفسها في عزلة دولية، خصوصاً من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما دفعها إلى تحسين علاقاتها مع روسيا بصورة جوهرية.
وفي أعقاب ذلك، انضمت طشقند إلى "الاتحاد الأوراسي" وإلى منظمة "معاهدة الأمن الجماعي". ولم يمضِ عامان على العلاقة المتجددة، حتى بدأت طشقند بالابتعاد عن "أخواتها" في الدول السوفييتية السابقة. ففي العام 2007 بدأ الغرب يطبّع علاقاته معها، قبل عودة الأمور إلى مجاريها السابقة في 2009.
وفي خريف العام الحالي، انسحبت طشقند من المنظمة الأوراسية بحجة عدم فاعليتها، وحددت علاقاتها بدرجة كبيرة مع منظمة "معاهدة الأمن الجماعي"، حتى باتت شكلية. إلا أن التخوف من اضطرابات جديدة في البلاد أعاد طشقند إلى موسكو. وقد مهّد لهذه العودة بيان وزارة الخارجية الأوزبكية في 5 أغسطس/آب الماضي، الذي نفت فيه طشقند رسمياً، المعلومات المنشورة عن إمكانية إقامة قواعد عسكرية أميركية على أراضي أوزبكستان.
ومن الواضح أن لروسيا دوراً كبيراً في جعل كريموف يمتنع عن هذه القمة الأميركية. وقد بات واضحاً بعد ذلك، أن طشقند ستخسر الرعاية الغربية الأميركية والأوروبية. ولتعويض الخسارة الغربية، اتجه كريموف بداية إلى بكين، قبل أن تأتي الخطوة التالية الجدّية، عبر مشاركته في قمة منظمة "شنغهاي" في دوشانبي، عاصمة طاجيكستان، في سبتمبر/أيلول الماضي، وأدلى بتصريح مثير للجدل، إلا أنه يصبّ في مصلحة روسيا بخصوص موقفها من الأزمة الأوكرانية.
وجاء ذلك، من طبيعة قلق كريموف من أحداث مشابهة قد تشهدها بلاده. وفي تفسير ذلك، اعتبر الخبير الأوزبكي أجدر كورتوف، في حديث لموقع "روسيانسكز.إينفو"، أن "موقف كريموف ينبع من اعتباره أن أوزبكستان تنذر بأزمة مشابهة للأزمة الأوكرانية، والاحتجاجات يُمكن أن تندلع، إذا وُجدت الظروف الملائمة لها، بما في ذلك الظروف السياسية الخارجية".
إلا أن القيادة الأوزبكية تلفت الأنظار إلى خطر آخر، تاركة همّ الداخل ربما لمباحثات سرية مع موسكو. فالخطر الأكبر الذي يهدد أمن أوزبكستان يأتي من أفغانستان، وهو خطر مشترك يهدد روسيا أيضاً، سواء من ناحية انتشار المقاتلين الإسلاميين أم من زاوية الاتجار بالمخدرات.
وعبّر كريموف في اجتماع "منظمة شنغهاي" عن قلقه من الوضع الأفغاني، موّجهاً اهتمام الرؤساء إلى زيادة نشاط المقاتلين هناك بعد انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي. واعتبر أن "المقاتلين سيعملون على زعزعة استقرار الإقليم".
وعلى هامش تلك القمة، عُقد لقاء بين بوتين وكريموف، في 11 سبتمبر الماضي، ونقلت حينها وكالة "ريا نوفوستي" عن كريموف قوله إن "هناك أسئلة أرغب في طرحها لتلمّس ملامح ما، لأن روسيا بصراحة بالنسبة لنا شريك استراتيجي. وأنا أرى أن مغزى الشراكة الاستراتيجية يكمن قبل كل شيء في التشاور بدرجة أكبر، للحصول على إجابات عن الأسئلة وليس السجود لأنك فقدت نقاط الاهتداء". ولم يذكر كريموف، وفقاً للوكالة إياها، عن أي أسئلة ينتظر إجابات، من شركائه الروس. إنما يتوقع أن تكون القيادة الروسية فهمت تلميحاته.
وعكست زيارة بوتين، الأربعاء، حاجة طشقند إلى دعم روسي للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ومواجهة خطر استخدام المقاتلين لنشر الفوضى في المنطقة، كما عكست حاجة كريموف إلى الاستقرار داخل أوزبكستان نفسها، خصوصاً أن البلاد مقبلة على انتخابات برلمانية في 21 ديسمبر/كانون الأول الحالي، تليها انتخابات رئاسية في مارس/آذار 2015.
يشار هنا إلى أن كريموف (76 عاماً) يُمسك بكرسي الرئاسة منذ العام 1989، وقد اطمأن إلى استقرار عرشه بعد سحق المعارضة في 2005. وفي السياق، نقل موقع "روسيانسكز إينفو" عن الباحث السياسي أركادي دوبنوف، قوله إن "الرأي السائد في أوساط النخب الأوزبكية الحاكمة، يشير إلى أن كريموف لن يرشح نفسه لخوض الانتخابات الرئاسية، ولكنه سيضمن لنفسه المحافظة على مواقع سلطته".