انطلاقاً من اليوم حتى 12 مايو/ أيار المقبل، لا يُتوقع أن يطغى في العالم موضوع على جهود إيجاد مخرج لأزمة الاتفاق النووي الموقع مع إيران، والذي يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمزيقه، تنفيذاً لوعد انتخابي قديم قطعه تجاه "صفقة فيينا" الموقعة في 14 يوليو/ تموز 2015. وزادت في الساعات الماضية جهود جماعية من أوروبا إلى روسيا فالصين، هادفة إلى الضغط على ترامب لإقناعه بعدم تنفيذ التهديد الذي أطلقه في آخر مرة مدد فيها التزام الولايات المتحدة ببنود الاتفاق وبتعليق العقوبات المفروضة من قبل أميركا على إيران، أي في 12 يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أرفق تمديد تعليق العقوبات بمهلة مائة يوم، تنتهي في 12 مايو المقبل، لكي يلبي أطراف الاتفاق (مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي زائد ألمانيا)، طلباته قبل أن يوقع على تمديد آخر لثلاثة أو لستة أشهر من عمر الاتفاق النووي. وطلبات ترامب غير محددة بشكل نهائي، إذ إنها تقول صراحة إنه يجب فرض عقوبات على برنامج إيران الصاروخي، لكنها تصبح غامضة حين تضع شرط "كبح النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط". لكن المعسكر الأوروبي الروسي الصيني، المتمسك بالاتفاق النووي، عاجز حتى اللحظة عن إقناع ترامب ببديل لإلغاء الاتفاق، وخصوصاً أن أركان هذا المعسكر يدركون تماماً أن قرارات ترامب غالباً ما تكون غير متوقعة، وأن الأخير مستعد لتغيير رأيه في أي وقت، بدليل الشواهد الكثيرة التي قال فيها الشيء وعكسه من دون أن يفصل بين القرارين أكثر من ساعات، بدءاً من الوضع السوري وصولاً إلى اتفاقية نافتا وميثاق التغير المناخي والقضية الكورية... وهذا من دون الحديث عن مواقفه الداخلية التي تتغير بشكل سريع وبلا مقدمات. وترامب ليس وحيداً في الرغبة بحرق الاتفاق النووي، إذ تحاول أطراف مثل إسرائيل والسعودية تشجيعه على الإسراع في إعلان وفاة اتفاقية فيينا.
وستكون أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة شاقة يدرك أنها غير مضمونة، حين يحاول، اليوم الثلاثاء، إقناع ترامب ببدائل عن إلغاء الاتفاق النووي وانسحاب أميركا منه، من دون أن يكون لماكرون بديل حقيقي ليطرحه على مضيفه الأميركي في أول زيارة دولة لرئيس أجنبي إلى الولايات المتحدة في عهد ترامب. وكان ماكرون يأمل أن يذهب حاملاً عرضاً أوروبياً ينص على "فرض عقوبات على فصائل مسلحة وقادة عسكريين إيرانيين" تقاتل إلى جانب النظام السوري، وأن يتم تحضير عقوبات تفرض فقط على برنامج الصواريخ الإيرانية العابرة للقارات، قبل أن تحبط كل من إيطاليا وبدعم من النمسا هذه الفكرة التي تقدمت بها كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا خلال الاجتماع الذي عقد في لوكسمبورغ الأسبوع الماضي لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي. وأمام العجز عن صياغة بديل لإلغاء الاتفاق النووي ولإبقائه على حاله، لم يبق أمام الأمم المتحدة، وأمام روسيا والصين، وهما الطرفان الرئيسيان في صفقة فيينا، إلا أن يناشدوا الجميع للإبقاء على بنود الاتفاق كما هي، وهي التي يقول ترامب إنها سمحت لإيران بمدّ نفوذها وتعزيزه نتيجة تحررها من العقوبات الاقتصادية، بما يهدد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ونص اتفاق 2015 على رفع العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي من قبل مجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي المقابل تعهدت طهران بالحد من أنشطتها النووية ووضعها تحت الرقابة الدولية. وينص الاتفاق أيضاً على أن بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية تسقط تدريجياً اعتباراً من 2025. ولم تتضمن الاتفاقية أي بند علني عن التمدد الإيراني في الشرق الأوسط، وهو ما يدعم الخطاب الإيراني في رفض أي مفاوضات لتعديل الاتفاق وتضمينه بنوداً لا علاقة لها بنصّه الأصلي.
كما نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن وزير الخارجية سيرغي لافروف قوله، أمس الاثنين، من بكين، إنه اتفق مع نظيره الصيني وانغ يي على أن تحاول موسكو وبكين التصدي لأي محاولة أميركية لتقويض الاتفاق النووي الإيراني. ونقلت الوكالة عن لافروف قوله بعد محادثات مع وانغ يي في بكين: "نعارض إعادة النظر في هذه الاتفاقات، ونعتبر أن محاولة إهدار سنوات من العمل الدولي، الذي نُفذ من خلال محادثات بين القوى الست الكبرى وإيران، ليعود لنقطة الصفر، سيكون أمراً سلبياً جداً". كذلك حثت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو، الأطراف المشاركة في الاتفاق النووي الإيراني على عدم التخلي عنه. وقالت ناكاميتسو في مؤتمر تنظمه الأمم المتحدة عن حظر الانتشار النووي: "نأمل أن يظل جميع المشاركين فيه ملتزمين بتنفيذه والإبقاء عليه على المدى الطويل".