استمع إلى الملخص
- **ضغوط داخلية على القرار الفرنسي**: القرار جاء نتيجة لضغوط داخلية من نواب وشخصيات سياسية فرنسية، واستباقاً لتسليم مقاليد الحكومة لليسار.
- **تداعيات الاعتراف الفرنسي**: الاعتراف الفرنسي يعزز موقف المغرب دولياً ويدعم خطته للحكم الذاتي، مما قد يسرع عملية إيجاد تسوية سياسية للنزاع.
فجّر إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب لقضية الصحراء واعتبارها أنه "الأساس الوحيد" للتوصل إلى تسوية للنزاع، أزمة كبيرة بين الجزائر وباريس، إذ سحبت الأولى سريعاً سفيرها من باريس سعيد موسي، وقررت أن يتولى مسؤولية التمثيل الدبلوماسي الجزائري في فرنسا قائم بالأعمال. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد كتب في رسالة إلى العاهل المغربي محمد السادس، أمس الأول الثلاثاء، أن "حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية"، مضيفاً: "بالنسبة إلى فرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية". وتابع: "دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت".
أحسن خلاص: انحياز فرنسا للمغرب سيجعلها تخسر جانباً مهماً تتضمنه العلاقة مع الجزائر
وفيما ردت وزارة الخارجية الجزائرية سريعاً بإعلان سحب السفير من باريس، والتحذير من "عواقب قد تنجم عنها"، تبدو العلاقات الجزائرية الفرنسية في أعقد ظروفها. فللمرة الأولى تقرر الجزائر سحب سفيرها من باريس وتخفيض تمثيلها الدبلوماسي، مع توقعات بأن يلي ذلك سلسلة قرارات أخرى تخصّ تجميد بعض الاتفاقيات السياسية، كإعلان الجزائر الموقّع بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في أغسطس/ آب 2022، بالتداعيات نفسها التي سرت خلال أزمة مماثلة بين الجزائر وإسبانيا للسبب نفسه في مارس/ آذار 2022. ويعتقد مراقبون أن الجزائر ستستخدم في السياق آلية حرمان الشركات الفرنسية السوق التجارية والخدمية الجزائرية للضغط.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الجزائري، أحسن خلاص، لـ"العربي الجديد"، إن "الموقف الفرنسي قديم وعُبِّر عنه في مناسبات عدة، لكن اللافت للانتباه هو هذه المراسلة الدبلوماسية التي وجهت إلى الجزائر لإبلاغها بالقرار قبل أيام من إعلانه من قبل الملك المغربي، وهذا يقودنا إلى سؤال يرتبط من ناحية بالتوقيت السياسي، وعن الدوافع والحسابات التي دفعت الفرنسيين إلى طرح هذا القرار في هذا التوقيت وفي الوقت الذي كانت فيه الجزائر وباريس تجريان ترتيبات مبكرة لزيارة تبون لباريس التي كانت مقررة بين نهاية سبتمبر/ أيلول وبداية أكتوبر/تشرين الأول المقبلين". وأضاف: "إذا أخذنا بالتجربة في سير العلاقات الجزائرية الفرنسية، فمن المنتظر أن يعقب هذا الموقف فتور في العلاقات قد يدوم شهوراً أو أكثر، من دون أن يؤدي إلى التفريط بالمصالح الحيوية المشتركة. وأعتقد أن فرنسا حاولت أن تكون على مسافة واحدة بين الجزائر والمغرب، لكنها في النهاية، ولضغوط داخلية، فضّلت الانحياز إلى المغرب ما سيجعلها تخسر جانباً مهماً تتضمنه العلاقة مع الجزائر".
لكن الباحث في قضايا الهجرة والعلاقات الجزائرية الفرنسية في باريس فيصل أزغدارن، فسر في تصريح لـ"العربي الجديد" تطور الموقف الفرنسي السلبي بالنسبة إلى الجزائر "بوجود حسابات في الداخل الفرنسي، نتيجة لتأثيرات الصراع السياسي القائم في فرنسا". وقال: "أعتقد أنها مقاربة متصلة بالسياسة الداخلية الفرنسية، المعطى الأول، هو تلك الرسالة التي وقّعها 93 نائباً وشخصية سياسية وبعثوا بها قبل فترة إلى ماكرون للقيام بتطبيع شامل وسريع مع المغرب، ووراء هؤلاء اليمين المتشدد، ما يعني أن هناك ضغطاً سياسياً كبيراً على ماكرون دفعه إلى حسم الموقف والانحياز إلى الطرح المغربي". وتابع: "بالنسبة إلى المعطى الثاني، قرار فرنسا إجراء استباقي للرئاسة الفرنسية قبل تسليم مقاليد الحكومة لليسار (الجبهة الشعبية الجديدة)، المعروف عنه ميله لأطروحة تصفية الاستعمار".
تساؤلات عن مآل مسار نزاع الصحراء
على المقلب الآخر، تُطرح تساؤلات عن تأثير القرار الفرنسي في مآل نزاع الصحراء ومساره، وفي مواقع الأطراف المتنازعة، خصوصاً مع توالي الاعترافات بسيادة المغرب على الصحراء ودعم خطته للحكم الذاتي، في السنوات الأخيرة. وجاء الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء بعد تغيير في موقف إسبانيا، المستعمر السابق للصحراء، بعدما أعلن رئيس حكومتها بيدرو سانشيز، في 19 مارس/ آذار 2022، دعم الموقف المغربي للمرة الأولى، من خلال اعتباره مقترح الحكم الذاتي "الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل النزاع". وقبل ذلك، كان الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، قد قال في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي في يناير/ كانون الثاني 2022، إن ألمانيا "تعتبر أن مخطط الحكم الذاتي الذي قدم سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات صدقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل إلى اتفاق" لهذا النزاع. كذلك اعتبرت هولندا، في 11 مايو/ أيار 2022، أن مبادرة الحكم الذاتي "مساهمة جادة وذات صدقية" في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لإيجاد حل لقضية الصحراء. وأعلنت بلجيكا، في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، دعمها لمخطط الحكم الذاتي. وفضلاً عن الدعم الأوروبي، كان الاعتراف الأميركي بسيادة الرباط على الصحراء نهاية 2020، حافزاً لإعلان دول أفريقية عدة وأخرى اعترافها بمغربية الصحراء وفتح تمثيليات دبلوماسية في مدينتي العيون والداخلة.
سعيد الصديقي: الحل لا يمكن أن يتم بدون تغيير الجزائر لموقفها التقليدي
ورأى مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" المغربي، عبد الفتاح الفاتيحي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تأثير الاعتراف الفرنسي سيكون على واجهتين: أولاها تصحيح العلاقات المغربية الاستراتيجية والتاريخية مع فرنسا، وهو ما سيترتب عنه زيادة علاقات التعاون والشراكة بين البلدين، والثاني أنه سيؤسس لعملية تسريع المنتديات السياسية لإيجاد تسوية سياسية للنزاع حول الصحراء. وتابع: "نحن اليوم أمام مكسب اعتراف دولتين كبيرتين (الولايات المتحدة وفرنسا) تمتلكان حق الفيتو في مجلس الأمن الذي يملك سلطة اتخاذ قرارات حاسمة في ملف الصحراء، وبالتالي نحن أمام مكتسب سيكون له تأثير مباشر في باقي الكيانات والدول للاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وفي ضوء ما سبق، ننتظر تسريع عملية إيجاد تسوية سياسية للملف في أفق إصدار مجلس الأمن قراراً جديداً بخصوص الصحراء في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل".
بداية مسار جديد لحل الملف نهائياً
من جهته، اعتبر الباحث المغربي في تاريخ العلاقات الدولية بوبكر أونغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن دعم فرنسا لمغربية الصحراء "بداية مسار جديد في حل الملف بشكل نهائي من طريق مدخل الحكم الذاتي الذي اقترحته الرباط وتفاعل معه المجتمع الدولي بإيجابية". ولفت إلى أن "أهمية الاعتراف تتمثل بكون باريس عضواً أساسياً في مجلس الأمن، وبالتالي فهي منذ الآن لن تظل تلعب دور الداعم الخفي المستتر للمغرب، بل ستعلنه". وشرح أن موقف باريس الداعم للمغرب لم يأتِ صدفة، بل هو قرار مدروس تداوله صنّاع القرار الفرنسيون منذ أكثر من سنة.
أما رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية نبيل الأندلوسي، فقال إن الموقف الفرنسي "انتصار دبلوماسي للمملكة المغربية، واعتراف قانوني من الجانب الفرنسي بالسيادة المغربية، وأحد أهم الفصول الأخيرة لإنهاء هذا النزاع". ولفت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الاعتراف الفرنسي يأتي في سياق توافق دولي يتسع كل يوم لصالح الرؤية والحل المغربيين"، معتبراً أن هذا الاعتراف سيكون لبنة أساسية للمساهمة في حل نهائي للنزاع وسيقوي آليات إيجاد تسوية جدية له.
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية المغربي سعيد الصديقي، لـ"العربي الجديد"، إن "رسالة ماكرون تتضمن موقفاً فرنسياً متقدماً تجاه قضية الصحراء سيمثل دعماً قوياً للتصور المغربي لحل القضية، وسيعزز جهود المغرب الدولية لحشد مزيد من الاعتراف بسيادته على إقليم الصحراء وأيضاً دعم مشروعه للحكم الذاتي على الإقليم". لكنه رأى أنه رغم الأهمية الكبيرة للموقف الفرنسي الجديد بالنسبة إلى المغرب، إلا أنه قد لا يساعد على الأقل في المدى المنظور في حل قضية الصحراء، معتبراً أن "هذا الحل لا يمكن أن يتم دون تغيير الجزائر لموقفها التقليدي، على اعتبار أنها من الناحية العملية هي الطرف الأساسي الفعلي في هذا النزاع".