ويفتح هذا الموقف الباب على أزمة دستورية كبيرة، بالإضافة إلى الأزمة السياسية المستفحلة أصلاً، ومن المفترض أن يؤدي الأمر إلى جمود في العمل الحكومي وعدم إجازة الوزراء الجدد، وبدء مرحلة أزمة عميقة قبل عام من الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. الشاهد كان على علم بذلك، فاستبق موقف الرئاسة لدى إعلانه عن التعديل، بالتأكيد على أنه "قام بالتعديل الوزاري وتحمّل مسؤولياته فيه وفقاً للصلاحيات الممنوحة له دستورياً".
ولكن هناك مأزقاً دستورياً حقيقياً كشفت عنه الأزمة الجديدة، فواضعو الدستور لم ينتبهوا بما فيه الكفاية إلى هذه الثغرات والمطبات التي يمكن أن تعطل المؤسسات، واكتفوا بالإشارة إلى أن "الخلافات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يمكن أن تحال إلى المحكمة الدستورية"، غير الموجودة حالياً. وكان يفترض أن يكون تأليف المحكمة الدستورية على رأس جدول أعمال البرلمان في دورته الحالية التي انطلقت مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويعدّ تكريس المحكمة الدستورية التي نصّ عليها دستور عام 2014، أكبر تحدّ أمام البرلمان التونسي الذي عجز في دورات متتالية عن انتخاب أربعة قضاة يختارهم البرلمان، حتى يتسنى للرئيس الباجي قائد السبسي، والمجلس الأعلى للقضاء تعيين بقية الأعضاء (أربعة يعيّنهم الرئيس وأربعة آخرين يعيّنهم المجلس الأعلى للقضاء)، وإنهاء الفراغ القانوني الذي يثير قلقاً في الأوساط السياسية في البلاد. لكن ذلك لم يحصل بسبب الأزمة السياسية المستمرة.
ودأب العرف الدستوري منذ عام 2014، غداة تولي السبسي رئاسة الجمهورية، على أن يطلب التعديل الحكومي من البرلمان، مشاركة مع رئيس الحكومة، سواء الحبيب الصيد أو الشاهد، لكن الأخير تجاوز هذا الأمر، وقام بالتعديل بمفرده. أما خبراء القانون الدستوري فاعتبروا أن "لا مانع أمام رئيس الحكومة من التوجه مباشرة إلى البرلمان طلباً للثقة لوزرائه الجدد، حسب الفصل 92 من الدستور، الذي يخوّل له تعيين الوزراء وحذف الحقائب الوزارية أو استحداث وزارات جديدة وجعلها من صميم اختصاصه، فيما يقيّده الفصل 89 باستشارة رئيس البلاد لتعيين وزيري الخارجية (على اعتبار أن رئيس الجمهورية هو المسؤول الأول عن السياسة الخارجية) والدفاع (على اعتبار أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة). بالتالي فإن التعديل الجزئي سليم، لأن الشاهد لم يغير وزارتي السيادة المتعلقتين بالسبسي".
وعلى الرغم من أن السبسي لا يمكنه منع الشاهد من التوجه مباشرة إلى البرلمان لنيل الثقة، إلا أن هناك مرحلتين مهمتين. الأولى، هي معركة كسب ثقة 109 نواب لتمرير التعديل، في حين تتلخّص الثانية في إمكانية تعطيل المرحلة الأخيرة من عمر التعديل الوزاري وهي أداء اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية للوزراء الجدد، وإصدار الأمر الرئاسي لتسميتهم بشكل رسمي ونشر قرار تعيينهم بالرائد الرسمي (الجريدة الرسمية). ففي المرحلة الثانية، هناك شروط أكيدة في مباشرة المهام لدى عدد كبير من المهن، مرتبطة بأداء اليمين، مثل القضاة والمحامين والأطباء.
ويرد في الدستور أن "الحكومة تعرض موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه. وعند نيل الحكومة ثقة المجلس يتولّى رئيس الجمهورية فوراً تسمية رئيس الحكومة وأعضائها". وبناء على كل هذا يمكن للرئيس أن يعطّل تسمية الوزراء ورفض أداء اليمين أمامه. ولكن ثمن هذه الخطوة سيكون باهظاً على الرئيس، وسيكون محرجاً أمام الرأي العام، لأن السبسي سيظهر وكأنه "يعطل مصالح التونسيين الذين يعيشون على وقع أزمة اجتماعية واقتصادية مستفحلة". مع ذلك، فإن السبسي أربك الشاهد وحلفاءه بخطوة رفض التعديل، وأكد مستشاروه أنه "لم يطلب استشارة أحد".
وقالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن "الشاهد عرض فكرة التعديل على الرئيس عندما التقاه يوم الاثنين، ولكن الرئيس عبّر عن رفضه، غير أن الأمر لم يمنع الشاهد من إرسال قائمة التعديل، ويبدو أن اسم وزير العدل الذي تضمنته القائمة كان مختلفاً عن التعديل الأخير".
وقال الأمين العام للتيار الديمقراطي المعارض، غازي الشواشي، إنه "لو صحّ خبر تغيير الشاهد لقائمة الوزراء التي يقترحها في التعديل الوزاري بعد عرضها على رئيس الدولة، فستكون بمثابة السقطة الأخلاقية إلى جانب كونها مخالفة دستورية".
من جهته، أكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، في حديثٍ لإذاعة "موزاييك"، أن "منظمته لا علم لها بالتركيبة الجديدة ولم يتم التشاور معها حولها"، قائلاً: "سمعت الأسماء في وسائل الإعلام مثلكم". وأضاف أن "تونس لا تستحق ما يحدث. تستحق أفضل من هذا. العناد في أوضاع مماثلة يؤدي إلى مزيد تأزيم الوضع"، مردفاً "كل يتحمل مسؤولية خياراته وأي مسؤول مطالب بالنتيجة".
ولم يتوقع أحد في تونس وصول الأزمة إلى هذا المدى وأن تصل المعركة بين السبسي والنهضة إلى هذه الدرجة من المواجهة، التي تستبيح كل الأسلحة بما فيها ضرب مصالح التونسيين. ويعتبر مراقبون أن المعركة ليست بين الشاهد والسبسي، بل بين رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي والسبسي، وأن الطوق حول النهضة سيضيق وصولاً للقبول برحيل الشاهد.