أجرى "العربي الجديد" لقاءاتٍ مع مقاتلين في المعارضة السورية، كانوا في الغوطة الشرقية، بعد وصولهم إلى شمالي البلاد، ضمن عملية التهجير التي شملت القطاع الأوسط في الغوطة، الذي كان يسيطر عليه فصيل "فيلق الرحمن".
وشاركت كاميرا "العربي الجديد" في استقبال حافلات المهجرين عند نقطة قلعة المضيق في ريف حماة الشمالي، وأجرت لقاءاتٍ مع مقاتلين تحدّثوا عن الأيام الأخيرة التي سبقت التهجير.
الجثث ما زالت تحت الركام
وقال أحد المقاتلين: "كان هناك الكثير من المصابين والجرحى الذين رغم إصابتهم بقوا في الأقبية لمدّة أربعين يوماً تحت القصف".
وأضاف أن عدداً كبيراً من المدنيين ظلوا من دون طعام أو شراب، وانتشر داء الجرب بينهم بسبب عدم قدرتهم على مغادرة الأقبية للخروج إلى الاستحمام.
وقال أيضاً: "نحن لم نغادر الغوطة الشرقية بهدف الحصول على طعام أو شراب، ولكن هاجرنا لأن النظام حاربنا بأهالينا، ولم يحاربنا نحن على الجبهات ولم يهاجمنا بأي عسكري وجهاً لوجه، بل قام بإبادة الأبنية على رؤوس المدنيين، حيث كانت الصواريخ الارتجاجية تسقط على البناء السكني فتقوم بتدميره بشكلٍ كامل، وتحدث تحت حفرة كبيرة بعمق حوالي خمسة أمتار".
وأضاف: "قصفنا النظام بكل ما تعرفه البشرية من أنواع الأسلحة، بما في ذلك النابالم الحارق والكلور والصواريخ الباليستية والأسلحة الكيميائية، ولم تترك روسيا سلاحاً إلّا قصفتنا به".
وأوضح أن هناك الكثير من المدنيين الذين ما زالوا تحت الأنقاض، ولم يتمكّن أحد من إخراجهم بسبب كثافة القصف التي منعت المدنيين من المشي في الشوارع.
وتابع: "في طريقنا إلى التهجير قام مؤيدو النظام بالبصق علينا ورمي الأحذية أمامنا، ولكنّنا خرجنا بسلاحنا ولم نخرج مذلولين وسوف نعود إلى الغوطة قريباً".
35 يوماً من دون طعام
مُقاتلٌ آخر يُدعى "أحمد" استقبلته كاميرا "العربي الجديد" فور وصول حافلته إلى مناطق المعارضة السورية في شمالي سورية، قال: "بقي المدنيون مدّة 35 يوماً من دون طعام أو شراب أو أي رعاية، وكان الوضع مأساوياً للغاية إضافةً إلى صعوبات في الطريق".
وأضاف: "لم نتمكّن من سحب الجثث التي كانت مدفونة تحت الركام، لقد تركناها مدفونة بركام الغوطة وخرجنا لأنّنا لم نستطع فعل شيء".
وتابع: "بقينا صامدين رغم أنّ روسيا استخدمت كل ما تملك من أنواع الأسلحة وقامت بتجريبها فينا، واليوم نريد أن نجمع بعضنا بعضاً مرّة أخرى لاستعادة أرضنا لأن ما أخذ بالقوّة لا يمكن استرداده إلّا بالقوة".
وأشار إلى أن قوات النظام بعد دخولها قامت بعمليات نهب وسلب ضد المدنيين، قائلاً: "خرجت من الغوطة بلباسي الحالي".
عدم تكافؤ القوى
يوضّح مقاتل آخر، أن الذخيرة لم تكن كافية، بالمقابل فإن النظام ركّز على حرق الغوطة بأهلها، حيث عكف على استخدام الأسلحة الحارقة ضد المدنيين تحديداً.
وأوضح أنه تم استهداف المدنيين بشكل ممنهج، فلم يكن النظام يهاجم الجبهات التي كنا نتمركز عليها كما لم يهاجمنا على هذه الجبهات، بل أحرق أماكن تمركز المدنيين، حتّى طاولت الحرائق المدنيين والمباني والأشجار وحتّى الدواب.
وأوضح أنه قبل الخروج بأيام قام النظام بإلقاء غارة على مبنى سكني في سقبا قتل خلاله نحو 95 مدنياً، وقام قبلها بحرق ملجأ تحت الأرض بمادة "النابالم" الحارقة.
وكشف أن المدنيين الموالين للنظام قاموا بمضايقة واستفزاز المهجّرين خلال عملية خروجهم، أمّا عن خططه القادمة فأجاب: "نريد أن نؤمّن منازل للنساء والأطفال وسنعود للقتال".
60 غارة يومياً على حي واحد
مقاتل آخر قال لـ "العربي الجديد": "الغوطة مساحتها صغيرة، وما جرى أنّنا بقينا ثلاثين يوماً تحت القصف، وفي كل يوم كنّا نتلقّى 60 غارة على مكان وجودنا ولا أحد يستطيع الخروج من الأقبية".
وأضاف أن معظم الأقبية في حمورية ما زال فيها جثث لمدنيين، ولكن لم يقم أحد بانتشالها، أما عن خطط حياته القادمة فقال: "أنا كنت مقاتلاً في الغوطة وسوف أستمر بالقتال هنا".