الكارثة الإنسانية التي يعيشها غالبية اليمنيين منذ سنوات، ليست عنواناً عابراً في التطورات، بل هي الحقيقة الأقسى التي يعيشها الملايين ليلاً نهاراً، غير أن المعلومات التي تتكشف من حين إلى آخر، بشأن تجارة المساعدات أو شبهات الفساد بتوزيع المعونات الإغاثية، تمثل فصلاً آخر من الاستغلال، يتطلب وقفة جادّة. في المبدأ، يعيش ثلثي اليمنيين الذين يبلغ عددهم 30 مليون إنسان في أوضاع إنسانية صعبة منذ سنوات، ولا يروق لهم أن يكونوا "مجرد مستحقي معونات" في تصريحات المسؤولين الدوليين. غير أن الحرب جاءت لتحوّل حياتهم إلى جحيم، بين ملايين فقدوا مصادر رزقهم، وآخرين لم يتأثروا بارتفاع الأسعار وتراجع فرص الحصول على معيشة، في ظل الاقتصاد الذي يقف على حافة الانهيار.
ولا جدال في أن المسؤولية تقع على جميع الأطراف الفاعلة بالأزمة في اليمن، محلياً وإقليمياً، من الحوثيين والحكومة الشرعية والتحالف، وصولاً إلى مختلف الدول الفاعلة بصورة غير مباشرة، التي ترتفع أصواتها من حين لآخر، تجاه الأزمة الإنسانية في اليمن، إلا أن التحرك أحياناً ما يكون مرتبطاً بأجندة سياسية، لا ترقى إلى جهود تساعد على الحلّ الجذري والناجع للأزمة في البلاد.
ومع ذلك، فإن المؤسف في السياق أن الأزمة الإنسانية ذاتها، تحوّلت إلى ما يشبه تجارة لنافذين في الداخل وفي المنظمات، إلى جانب محاولة بعض الأطراف جعلها ورقة سياسية، لا تراعي أزمة المواطن اليمني الذي يعيش في أصعب الظروف المادّية والصحية. ومنذ أشهر، كان موضوع "سرقة المساعدات الإنسانية" حديث عدد كبير من وسائل الإعلام، بعد توجيه برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، اتهامات مباشرة للسلطات التابعة للحوثيين بالتلاعب بتوزيع المساعدات، واعتبر ذلك سلوكاً إجرامياً يجب أن يتوقف.
في الأيام الأخيرة، امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بعناوين القوائم التي تم تداولها عن أسماء منظمات محلية ودولية تسلمت مبالغ كبيرة، وصلت إلى ما يزيد عن 2.6 مليار دولار خلال عام 2018، وعلى الرغم من أن بعض المنظمات التي وردت في القوائم لها أنشطة إغاثية وتنموية معروفة، إلا أن أخرى تحولت إلى موقع المتهم في ظل عدم اتباع أي منها، المعايير القانونية للشفافية بالكشف عن المبالغ التي تسلمتها والآلية المتبعة في صرفها.
الوضع الإنساني في اليمن لا يحتمل الخوض في مزيد من التفاصيل، ولنا أن نتخيل فقط حياة مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين لم يتسلموا مرتّباتهم منذ ما يزيد عن عامين، وهؤلاء يعيلون ملايين آخرين من أفراد أسرهم، وهو ما يعني أن مجاعة اليمنيين يجب ألا تتحول لورقة رابحة في أيدي فساد منظمات أو حكومات أو نافذين، بل إن على الأمم المتحدة باعتبارها البوابة التي تصرف منها غالبية أموال المانحين، أن تعمل على آلية مختلفة تؤدي لاستفادة اليمنيين وتخفيف الأزمة الإنسانية بآليات واضحة لا تقبل الشك، ولو من خلال مشاريع تنموية على نحوٍ يحسّن الوضع الاقتصادي والإنساني عموماً، ولا يقتصر على تقديم السلال الغذائية وغيرها من الأساليب التي أثبتت محدودية فاعليتها في معالجة الأزمة.