يكشف المتحدث الرسمي باسم حزب الاستقلال المغربي عادل بنحمزة، أن انضمام حزبه إلى حكومة قد يقودها حزب العدالة والتنمية في ولاية ثانية، بعد الانتخابات النيابية المقررة في 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لن يتم إلا بشروط، منها اعتراف "العدالة والتنمية" بالأخطاء التي وقع فيها من قبل. ويؤكد القيادي في حزب الاستقلال المعارض، في حوار مع "العربي الجديد"، أن ظاهرة "الحزب الأغلبي" في المغرب "لم ولن تنجح، لأنها مناقضة للديمقراطية"، مشدداً على أن "حزبه لا يضع خطوطاً حمراء أمام التحالفات السياسية التي ستفضي إلى تشكيل الحكومة المقبلة". إلى نص الحوار:
يتوجّه حزب الاستقلال نحو الانتخابات التشريعية عازماً على تحقيق الصدارة من خلال تحضيراته للاستحقاقات المقبلة. ما الذي يمكن أن يَعد به حزبكم المواطنين المغاربة في حال ترؤسه الحكومة؟
يخوض حزب الاستقلال منذ ما يزيد عن سنة، نقاشاً داخلياً في ما يخص برنامجه الانتخابي، والذي تمت صياغته بعد سلسلة طويلة من الحوار مع فاعلين اقتصاديين واجتماعيين من خارج الحزب، وهو برنامج يرتكز أولاً على خبرة الحزب المزدوجة سواء في تسيير الشأن العام ورئاسته للحكومة، أو تجربته الطويلة في المعارضة، والتي تمتد لحوالي 40 عاماً. والحزب عندما يضع برنامجه الانتخابي فهو لا ينطلق من فراغ، بل من تراكمات نوعية وكمية، فنحن نُقدم للمشاركة بصفة أساسية هذه الخبرة والتجربة بمضامين وإجراءات وتدابير جديدة، وتكفي العودة لما حققه الحزب في 4 سنوات من رئاسته للحكومة ومقارنتها بما تم في ولاية الحكومة الحالية لكي يتضح الفرق.
ماذا تقصد تحديداً حول الحكومة الحالية؟
كل المؤشرات الأساسية تم تسجيل أرقام سلبية حولها، وعرفت تراجعاً عما جرى تحقيقه في الحكومة التي ترأسها حزب الاستقلال، فمعدل النمو تراجع من 5 في المائة عام 2011 إلى قرابة 1,2 في المائة سنة 2016، وارتفع معدل البطالة من 8,9 في المائة عام 2011 إلى 9,9 في المائة عام 2015، وتراجع معدل الاستثمار الوطني مقارنة مع الناتج الداخلي الخام من 36 في المائة عام 2011 إلى 29,6 في المائة عام 2016.
كما أن الحكومة الحالية فشلت في عدد من وعودها، فهي التزمت مثلاً برفع الدخل الفردي بنسبة 40 في المائة، بينما لم يرتفع سوى 8 في المائة، وكذلك الأمر بخصوص مكافحة الفساد وتحسين ترتيب المغرب على المستوى الدولي، إذ كان الالتزام هو جعل المغرب في المرتبة 40 بينما الترتيب الحالي للمغرب عالمياً هو 88.
لذلك حزب الاستقلال يلتزم أولاً بإعادة الوضع الاقتصادي إلى المنحى التصاعدي الذي كان عليه قبل خمس سنوات، ويلتزم بوضع المغرب ضمن نادي الدول الصاعدة بما يفرضه هذا الوضع من تحسين شامل لعدد كبير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، تتطلب نموذجاً جديداً للتنمية الاقتصادية، ينتقل من اقتصاد قائم أساساً على دعم الاستهلاك إلى اقتصاد تنافسي، يقوم على دعم الإنتاج والتصدير. ولذلك وضع حزب الاستقلال في برنامجه الانتخابي التزام تحقيق معدل نمو لا يشمل القطاع الزراعي، يبلغ 8 في المائة بمعدل نمو نقطة واحدة كل سنة، لأننا نعتبر أن إخراج القطاع الزراعي هو ما يسمح للمواطنين بالوقوف على حقيقة التدابير التي تقوم بها الحكومة بدل التخفي وراء القطاع الزراعي، سواء كانت السنة ماطرة أو كان الجفاف.
يقول حزب الاستقلال إنه إذا ما ترأس الحكومة، أو شارك فيها، سيعمل على إصلاح الأخطاء الموجودة. برأيك ما هي أبرز الملفات التي تعتبرون في الحزب أن الحكومة فشلت فيها خلال الأعوام الخمسة الماضية؟
لعل توفير فرص عمل يُعدّ أبرز ملف فشلت فيه الحكومة الحالية، فمعدلات البطالة في كل أنحاء العالم تُعد المؤشر الأول والأخير على نجاح أو فشل أية حكومات، لأن ثمار التنمية الاقتصادية إن تحققت يجب أن تنعكس على فرص العمل، فالواقع والأرقام تقول إن الحكومة الحالية حققت أسوء حصيلة في هذا الملف خلال ما يزيد عن 40 سنة، بل إن المغرب عام 2012 لم يتجاوز 1000 فرصة عمل صافٍ، وهو ما لم يعرفه المغرب في تاريخه.
وعندما يكون وضع البطالة على هذا النحو، فهذا يفسر معدلات النمو الضعيفة التي عرفتها بلادنا، وهي نتيجة طبيعية لغياب الرؤية الاقتصادية لدى الحكومة، وهذا الأمر كان سبباً مباشراً في مغادرة حزب الاستقلال للحكومة الحالية التي ركزت كثيرا على الميزانية العامة، واختصرت الوضعية الاقتصادية للبلاد في ميزانيتها، وتخلت عن القطاعات الإنتاجية والموجّهة للتصدير، فاستمر الخلل البنيوي في الميزان التجاري. كما أن الحكومة لم تستثمر عدم الاستقرار الذي عرفته وتعرفه بلدان منافسة للمغرب في عدد من القطاعات كتونس ومصر وتركيا، بل لم تستفد أيضا من التراجع الكبير في السوق الدولية لأسعار المواد الأولية وخصوصاً البترول والغاز، وتم الاكتفاء بوقف الدعم من دون إصلاح حقيقي يستطيع أن يجنب بلدنا هزات في المستقبل.
حزبا "العدالة والتنمية" و"التقدّم والاشتراكية" يشتكيان من "التحكّم". وحزب الاستقلال يشير إلى ما يسميه "الحزب المعلوم"، والمقصود حزب الأصالة والمعاصرة. هل هذا يعني أن حزب الاستقلال يعتبر "الأصالة والمعاصرة" خطاً أحمر لا يمكنه التحالف معه في الانتخابات التشريعية؟
نحن نتكلم بوضوح عن الحزب الأغلبي، وليس "الحزب المعلوم"، والذي كان يُوصف سابقاً بالحزب السري. على كل هذه ليست ظاهرة جديدة على بلادنا، فمنذ أول انتخابات تشريعية في بداية الستينات كانت هناك إرادة لتمييع التعددية الحزبية، والتحكم القبلي في مخرجات العمليات الانتخابية.
وظاهرة الحزب الأغلبي لم تنجح ولن تنجح مطلقاً في بلادنا، لأنها مخالفة ومناقضة لما تقتضيه الديمقراطية، ولهذا بالذات كانت معركتنا ولا تزال هي مع نزاهة الانتخابات وتنافسيتها، لهذا فحزب الأصالة والمعاصرة ما هو إلا عنوان جديدة لظاهرة قديمة. وأتوقع أن يصبح هذا الحزب عادياً على غرار باقي الأحزاب التي خُلقت للقيام بأدوار مماثلة، وهي اليوم أحزاب عادية. لهذا ليس لدينا خط أحمر إذا أصبحنا في رئاسة الحكومة تجاه أي حزب، ما لم نقرر ترك العمل السياسي المؤسساتي، لأن بلادنا في ظرف لا تحتاج إلى مزيد من التوتر، بل إلى تكريس الاختيار الديمقراطي، وهذا هو الطريق الوحيد الذي سيحفظ لبلادنا استقرارها وقدرتها على مواجهة مختلف التحديات.
هناك من يؤاخذ حزبكم على أنه اتخذ موقفاً غامضاً في الفترة الأخيرة، لا هو اصطف صراحة مع أحزاب المعارضة، ولا هو من مساندي الأغلبية الحكومية. كيف تقيّمون موقع حزب الاستقلال قبيل تنظيم الانتخابات البرلمانية؟
حزب الاستقلال واضح وواقعي في الوقت نفسه، نحن عبّرنا عن موقفنا تجاه الحكومة بتواجدنا في المعارضة. وهو الموقع الذي اخترناه منذ قرارنا الانسحاب من حكومة عبد الإله بنكيران لأسباب كثيرة ومتعددة شرحناها في مذكرتين أطلعنا الرأي العام على مضمونهما. وأداؤنا داخل البرلمان يوضح أننا مارسنا معارضة واضحة، بل في كثير من القضايا والمواضيع المصيرية والمهمة كنا الصوت الوحيد للمعارضة، والذي يشكّل قوة اقتراح ويقدّم بدائل حقيقية لما تقدّمه الحكومة، ويمكنكم مراجعة مواقفنا من قوانين التقاعد إذ كنا الحزب الوحيد الذي قدّم تعديلات وتشبث بها إلى آخر لحظة. وكذلك الأمر بخصوص مشاركة الجالية المغربية في الخارج في الحياة السياسية في إطار المواطنة الكاملة، والأمر نفسه بالنسبة للمطالبة بهيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، هذا من دون الحديث عن قوانين المالية التي تشكل الأداة الأهم لتنفيذ السياسات العامة للحكومة، لهذا أجد الأمر غريباً عندما يتحدث البعض عن غموض في موقع حزب الاستقلال.
ما هي الأحزاب السياسية التي يجد حزب الاستقلال أنها قريبة منه، ويمكنه التحالف معها في الانتخابات التشريعية المقبلة؟
كما تعلم، جرت مياه كثيرة تحت جسر الأحزاب المغربية، وحزب الاستقلال كان دائماً مقتنعاً بالعمل المشترك للأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية، والتي حملت لسنوات عبء بناء نظام ديمقراطي في بلادنا، وهذه القناعة لا زالت مستمرة إلى اليوم. هذا لا يعني أننا غير منفتحين على الأحزاب الأخرى، لأن التاريخ يشهد أن الحزب كان دائماً مرناً في اللحظات التي تكون فيها بلادنا تواجه خطراً أو تحدياً معينا، وعشنا هذه التجربة بعد انتخابات 1977 و1997. لكن ذلك لا يغير من قناعات الحزب تجاه ما يجب أن تكون عليه الحياة السياسية في بلادنا، وموقع مختلف المؤسسات في الدولة.
استقبل حزب الاستقلال قبل خوض غمار الانتخابات شخصيات من أحزاب أخرى على غرار وزير السياحة لحسن حداد المنتمي إلى حزب الحركة الشعبية، كما أن وجوهاً أخرى غادرته إلى هيئات مختلفة. كيف يقرأ حزبكم ظاهرة الترحال السياسي وضوابطه؟
يجب التذكير أن قوانين منع الترحال السياسي تمت المصادقة عليها في عهد الحكومة التي قادها الأمين العام لحزب الاستقلال، وأن الحزب على مدى سنوات طويلة كان واحداً من الأصوات التي طالبت بوضع حد لتلك الظاهرة التي أساءت طويلاً للحقل السياسي في بلادنا ولمخرجات العمليات الانتخابية، بما كان يشكل من تلاعب بإرادة الناخبين. والحالة التي تحدثت عنها تتعلق بثابت أساسي يتعلق بحق الانتماء السياسي. المشكلة كانت هي عندما يغير المرء انتماءه السياسي بعد انتخابه مباشرة، أما حالة لحسن الحداد فمختلفة، إذ سيتوجه الرجل إلى الناخبين بانتمائه الجديد، والناخبون هم من يملكون في النهاية تقدير تغيير حداد لانتمائه السياسي.
من جهة أخرى، هناك صعوبات بدأ يطرحها نمط الاقتراع وفق اللوائح المغلقة الذي تعتمده بلادنا، فعدد من حالات تغيير الانتماء السياسي لا يرتبط في الواقع باختيارات أو قناعات جديدة أو مراجعات بل فقط بطموحات شخصية.
إذا ترأس حزب العدالة والتنمية الحكومة المقبلة، هل ترون دوافع انسحاب حزبكم من النسخة الأولى من الحكومة لا زالت قائمة أم انتفت، بمعنى هل يقبل "الاستقلال" الانضمام إلى حكومة يقودها بنكيران؟
هذا الأمر سابق لأوانه، لكن بكل تأكيد عند الحديث عن المشاركة في حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية فاستحضار أسباب انسحابنا من الحكومة سيكون حاضراً بكل وضوح، لهذا أتوقع أن تكون المفاوضات مع حزب العدالة والتنمية صعبة على الطرفين معاً. وما قد يجعل هذه المفاوضات ميسرة هو اعتراف حزب العدالة والتنمية بالأخطاء التي وقع فيها، والتزامه بالتراجع عنها بصيغ يمكن أن تكون موضوع اتفاق، غير ذلك لا أتوقع إمكانية أن نكون في حكومة واحدة.