لا تزال سيطرة قوات النظام السوري على مدينة تدمر، قيد الاستثمار السياسي من قبل حكام دمشق. في هذا السياق، سعى رئيسه، بشار الأسد إلى إعادة طرح نفسه كشريك في "محاربة الإرهاب"، محاولا تأكيد "استقلالية" قراره، ووضع مسافة مع الآخرين، بمن فيهم داعميه الروس.
في هذا الإطار، وجّه الأسد، أمس الأربعاء، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قدّر فيها "ترحيب بان باستعادة الجيش العربي السوري وحلفاء سورية لمدينة تدمر من أيدي إرهابيي تنظيم داعش"، حسبما أوردت وكالة "سانا" الرسمية. ودعا الأسد في رسالته إلى "بذل الجهود مع المنظمات والوكالات المعنية التابعة للمنظمة الدولية لتقديم الدعم للحكومة السورية في عملية إعادة ترميم مدينة تدمر الأثرية"، معتبراً أن "اللحظة الراهنة (أي بعد استعادة تدمر)، هي الأكثر مناسبة لتسريع الحرب الجماعية ضد الإرهاب". وجدّد استعداد نظامه لـ"التعاون مع جميع الجهود الهادفة إلى مكافحته". كل ذلك من أن ينسى الاعتراف بفضل "الدعم الروسي ودعم حزب الله وإيران"، مشيراً أنه "بعد تحرير تدمر، هناك حاجة للتوجه شرقاً إلى دير الزور وبدء التحرك باتجاه الرقة".
وبلغة الواثق من دوام حكمه لفترة طويلة مقبلة، تحدث الأسد عن "مرحلة ما بعد الحرب"، مشيراً إلى أن "سورية في عملية الإعمار ستعتمد بشكل أساسي على الدول الصديقة التي وقفت معها، وهي روسيا والصين وإيران". كما نقلت الوكالة عنه قوله إنه "لن يكون ممكناً إقامة فيدرالية في سورية، لأن البلاد صغيرة وشعبها لا يؤيد ذلك". واعتبر أن "أغلبية الأكراد السوريين يريدون العيش في سورية الموحّدة"، وذلك رداً على إعلان مجموعات كردية إقامة مناطق حكم ذاتي في الشمال السوري. وعلى وقع الزهو بـ"إنجاز تدمر" أيضاً، جدّد النظام تمسكه بإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المقرر في 13 أبريل/ نيسان المقبل. ونفت اللجنة القضائية العليا للانتخابات ما تداولته بعض وسائل الإعلام حول تأجيل انتخابات المجلس. وكانت بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، قد نقلت عن مصدر سوري رسمي قوله إن "الأسد قرر تأجيل الانتخابات إلى 7 مايو/ أيار المقبل".
من جهته، حذر رئيس "مجموعة عمل الاقتصاد السوري"، الشريك الأساسي لمجموعة "أصدقاء الشعب السوري"، المعنية بإعادة إعمار سورية، أسامة قاضي، في تصريحات صحافية أمس، من أن "الحكومة الانتقالية المقبلة في سورية، ستقع في إشكاليات قانونية في أية عقود يبرمها النظام حالياً مع الشركات الروسية والإيرانية". وكانت روسيا أعطت بدورها دفعاً للزخم الذي يشعر به الأسد، بعد استعادة تدمر، بالتأكيد على استبعاد الحديث عن مسألة رحيل الأسد كشرط لنجاح المفاوضات المقبلة في جنيف.
وفي هذا الصدد، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، إن "رحيل الأسد لا يمكن أن يكون شرطاً مسبقاً لمواصلة المفاوضات السورية في جنيف". كما نقلت وكالة "انترفاكس" الروسية عن ريابكوف قوله إن "موسكو وواشنطن تبحثان في خطوات تنسيقية ملموسة لتحرير مدينة الرقة السورية من داعش"، مع ما يعنيه ذلك من تكريس تحوّل استراتيجي في مواجهة التنظيم، الذي تُعتبر المدينة بمثابة "معقل أساسي له في سورية". أما عضو الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان أغا، فردّ على تصريحات المسؤول الروسي، معتبراً أن "مستقبل رئيس النظام بشار الأسد يجب أن يكون الموضوع الرئيسي لمحادثات جنيف، ودعوة موسكو لعدم مناقشة رحيله تهدف لتقويض المفاوضات".
ميدانياً، تسعى قوات النظام أيضاً إلى تكريس صورتها كقوة يعوّل عليها في محاربة تنظيم "داعش"، مشيرة إلى أنها "وجّهت ضربات لتنظيم داعش بريف السويداء". وقال مصدر عسكري رسمي إن "وحدة من الجيش وجّهت ضربات محكمة على تجمع آليات لتنظيم داعش، في منطقة بئر التنمية بريف السويداء الشرقي، ما أسفر عن تدمير 4 شاحنات محمّلة بالإرهابيين والأسلحة والذخيرة". وأوضح المصدر أنه "تنتشر في ريفي السويداء الشمالي والشرقي، مجموعات إرهابية تابعة لداعش، تقوم بنقل الأسلحة والذخيرة بين البادية السورية، الممتدة إلى تدمر والقريتين، وصولاً إلى الحدود العراقية".