تحضيرات الاستفتاء التركي في العاصمة: المعارضة تتظلّم والموالاة تهاجم

أنقرة

باسم دباغ

avata
باسم دباغ
12 ابريل 2017
0E4DA1E5-7B7C-43FC-9E86-18293F5D3F22
+ الخط -
لا يبدو أن العاصمة التركية أنقرة تودّ تجاوز مكانتها كقلب الجمهورية التركية ومدينة البيروقراط والطلبة. جولة سريعة في المدينة التي تُسمّى مفتاح الأناضول، تكفي ليعرف الزائر أنه لا مكان فيها إلا للجمهورية التركية الكمالية أياً كان نظام إدارتها، إذ يبقى فيها للرئيس المؤسس، الهيبة التي لا يمكن تجاوزها، والرئيس المؤسس هو طبعاً مصطفى كمال أتاتورك، والذي لا تكاد ساحة أو ركن يخلو من تمثال له. هذه المدينة تُظهر الصورة الأوروبية لتركيا، إذ نُظم جزء كبير منها بعد إعلانها عاصمة للجمهورية، بموجب مخطط المهندس المدني الألماني هيرمان جانسين. وتنتشر في ضفتي أوتوستراد أتاتورك (أتاتورك بولفاري) الأبنية المهيبة والعالية المبنية على الطراز النيوكلاسيكي، وكذلك معظم مؤسسات الدولة الغربية الحديثة، ابتداء بالبرلمان وغالبية الوزارات والمحاكم، وانتهاءً بدار الأوبرا، إذ صمّم عدداً كبيراً من أبنيتها الرسمية المهندس المعماري النمساوي كليمينس هولتزمايستر.

على الرغم من ذلك، يبدو أن أنقرة بدأت تأخذ صورة حكامها المستمرين منذ 15 عاماً، أي حزب "العدالة والتنمية"، ليتحوّل "مولانا بولفاري" أي أوتوستراد مولانا جلال الدين الرومي إلى أحد أهم وأكبر الشوارع في المدينة، بالأبنية العالية المصممة على صورة المدن الحديثة.
لا تبدو الحملات حول الاستفتاء على التعديلات الدستورية حامية الوطيس، بل باردة تماماً كطقس المدينة، في ساحة "قزل أي ميلي إراداة"، أي ساحة الهلال الأحمر والإرادة الوطنية، الاسم الذي أضيف إلى الساحة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/تموز الماضي، كما للكثير من الأماكن والشوارع والساحات في البلاد في ذكرى أول إفشال لانقلاب عسكري في تاريخ الجمهورية التركية.

على جانبي الساحة تتنافس الحملات، وتتوزّع الصور الكبيرة لرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية في معظم أركان المدينة، سواء على الأبنية الكبيرة أو في لوحات الإعلانات، بينما تغيب حملة "الشعب الجمهوري" عن كل لوحات الإعلانات الرسمية. على جانبي ساحة "قزل أي" تتنافس حملتا "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، ليظهر الفارق بين ميزانيتيهما واضحاً. تتكوّن حملة "العدالة والتنمية" من حافلة كبيرة لا تتوقف عن بث أغاني الحملة وبعض أغاني الحملات الانتخابية السابقة وكذلك أحد المارشات العثمانية، إضافة إلى حافلتين صغيرتين وخيمة كبيرة، لا تكتفي بتوزيع "بروشورات" صغيرة فحسب ولكن أيضاً توزع على الناس جريدة كاملة تشرح التعديلات الدستورية بالتفاصيل. تؤمن الساحة ثلاث سيارات للشرطة، فيما يعبر طفل الشارع الفاصل بين الحملتين، لينتقل من الرقص والغناء على أغنية حملة "العدالة والتنمية" إلى غناء "مارش إزمير"، بينما يجتمع العشرات حول فرقة من الغجر وهي تغني "مارش إزمير".


تقود غول (54 عاماً) حملة "العدالة والتنمية" في المنطقة، خصوصاً أنها قائدة التنظيم النسائي التابع للحزب في الحي، يشاركها عدد من الفتيات والنسوة وبعض الشبان أيضاً. وعن أسباب دعمها الحملة، تقول لـ"العربي الجديد": "أنا أعمل في التنظيم النسائي منذ 14 عاماً، وأعرف تماماً أين كنا وأين بتنا، كانت مدننا خراباً وباتت أفضل من أهم المدن الأوروبية"، مضيفة: "انظر إلى حال الاقتصاد، أو بدل ذلك، انظر إلى حال المرأة التركية بعد قدوم حزبنا للحكم، باتت النساء متساويات وحرائر في العمل والدراسة، وكل ذلك في عهد الحكومة المستقرة، وكي لا نعود إلى الوراء لا بد لنا أن ننهي احتمالية عودة الحكومات الائتلافية الضعيفة".

على الجهة الأخرى من الساحة، تتربّع حملة حزب "الشعب الجمهوري"، حافلة صغيرة يكاد لا يُسمع منها صوت "مارش إزمير" الذي يمجّد أتاتورك، بعد أن جرى اعتماده أغنية للحملة، وخيمة واحدة، يجتمع فيها عدد من الناشطين والمتطوعين، يجلس قربها بائع أعلام الجمهورية التي طُبعت عليها صورة أتاتورك وهو يرتدي القبعة العسكرية العثمانية. لا يوزع ناشطو حملة "الشعب الجمهوري" سوى ورقة واحدة صغيرة طُبعت عليها صورة لطفلة تقول "لأجل مستقبلي لا". على الرصيف يقوم علي جاكر (76 عاماً) المتقاعد من سلك الأمن بإيقاف الشباب وإعطائهم الورقة، بينما يشرح لهم سبب ضرورة التصويت بلا. يقول جاكر لـ"العربي الجديد": "كان على رجل في عمري أن يلتزم منزله ويستريح، ولكن لخطورة التعديلات الدستورية على مستقبل أحفادي كان لا بد أن أنزل للشارع"، مضيفاً: "كيف أمكث في المنزل بينما تسلب هذه التعديلات استقلالية القضاء، وتضع في يد الرئيس صلاحيات لا يمكن استيعابها". ورداً على سؤال ماذا لو أن الرئيس المقبل جاء من "الشعب الجمهوري"، يرد جاكر: "هذا أمر مرفوض (التعديلات) كائناً من كان الرئيس".

ويرى مراقبون أن "الشعب الجمهوري" تعمّد القيام بحملة هادئة تظهره بمظهر المظلوم لجذب المزيد من الرافضين للتعديلات، متجنباً الكثير من الأخطاء السابقة، ويأتي على رأسها إثارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ إن قيادات "الشعب الجمهوري" تعلم تماماً أنه لا أحد يقوى على مواجهة خطبه. مقابل ذلك، تغيب حملة حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) عن العاصمة التركية، مكتفية بتنظيم فعاليات لا يحضرها سوى المئات وغالبيتهم من اليسار التركي، لتختفي بعد ذلك في منصات تجمعها مع النقابات اليسارية التركية، في تعبير واضحٍ عن النكبة التي أصابت الحزب بعد عودة الاشتباكات بين الدولة التركية و"العمال الكردستاني"، وما تلاها من فقدانه مشروعيته وانهيار مشروع تتريك الحركة القومية الكردية، إثر فشل قيادات الحزب في كسر قبضة قنديل الحديدية. كذلك يكاد لا يلمح الزائر لأنقرة حملة حزب "الحركة القومية" في المدينة.


ذات صلة

الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
عبد الله النبهان يعرض بطاقته كلاجئ سوري شرعي (العربي الجديد)

مجتمع

تنفذ السلطات التركية حملة واسعة في ولاية غازي عنتاب (جنوب)، وتوقف نقاط تفتيش ودوريات كل من تشتبه في أنه سوري حتى لو امتلك أوراقاً نظامية تمهيداً لترحيله.
الصورة
الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني، يونيو 2024 (عدنان الإمام)

مجتمع

يُناشد الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني السلطات التركية لإعادته إلى عائلته في إسطنبول، إذ لا معيل لهم سواه، بعد أن تقطّعت به السبل بعد ترحيله إلى إدلب..
الصورة

سياسة

أثار اعتقال اللاعب الإسرئيلي ساغيف يحزقيل في تركيا أمس، ردود فعل غاضبة في إسرائيل، دفعت وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت لاتهام تركيا بأنها ذراع لحركة حماس.
المساهمون