مرت ثلاثة أيام على اجتماعات مؤتمر جنيف حول سورية بنسخته الخامسة، ولا يزال الجميع، من ساسة وإعلاميين ومستشارين سواء من المعارضة أو من النظام، مقتنعين بأن لا شيء حقيقياً يمكن توقعه من هذه الجولة، لكن لا أحد يجرؤ على تحمل التبعات السياسية للانسحاب. هكذا يمكن تلخيص كل ما يجري في الجولة الثانية من مفاوضات جنيف 5 حتى الآن في يومها الثالث الذي لم يحمل جديداً فعلياً، على الرغم من أن يوم السبت كان حافلاً بالاجتماعات التي وصل عددها إلى خمسة في مقر الأمم المتحدة، بدأت ظهراً بين المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مع وفد النظام ورئيسه بشار الجعفري، ثم بين دي ميستورا ووفد المعارضة بعد الظهر، قبل أن يلتقي الدبلوماسي السويدي الإيطالي بوفدي منصتي القاهرة وموسكو، قبل أن تنتقل اللقاءات إلى فندق روايال مانوتيل، بين وفد الهيئة العليا للتفاوض وسفراء دول "أصدقاء سورية"، من دون أن تتغير الصورة التي لا تزال مستقرة عند سعي وفد النظام إلى التهرب من استحقاق التفاوض، وتمسك المعارضة ببنود الانتقال السياسي كحلّ لإرهاب النظام والمجموعات التكفيرية.
وعلى حد تعبير رئيس وفد المعارضة نصر الحريري، فإنّ المكاسب العسكرية التي يحققها الجيش الحر "أثبتت للنظام وداعميه بأنه لن يكون هناك حل عسكري"، معتبراً، في مؤتمر صحافي عقده مساء السبت، أن المجازر التي ارتكبها النظام في الساعات الماضية "ناتجة عن مخاوف (رئيس النظام بشار) الأسد من الحل السياسي"، لأنه يدرك أن "أي خطوة باتجاه الحل السياسي ستعني نهايته". وعن اللقاء الثاني مع دي ميستورا في هذه الجولة، فإنه "ناقش العديد من النقاط الخاصة بالانتقال السياسي" على حد تعبير الحريري.
يبدو المبعوث الأممي الحلقة الأضعف في هذه الجولة من المفاوضات، فيما تستمر الشائعات حول أن مجلس الأمن لن يمدد ولاية دي ميستورا. ويقول دبلوماسي عربي لـ"العربي الجديد" إن "هناك الكثير من الحديث حول التمديد أو عدمه، لكن لم يتم تقرير أي شيء بعد، لأن قبل عدم التمديد لدي ميستورا، يجب الاتفاق على عدد من المرشحين لخلافته". ويتابع أن "دي ميستورا يحاول التمديد لولايته، لسببين، الأول أنه يعلم بأن الحل في سورية يبدو قريباً، لأن الدول الفاعلة في الأزمة السورية ستضطر للجلوس معاً بعد الانتهاء من داعش لتجنب الحرب المباشرة، ودي ميستورا يمنّي نفسه بالبقاء أملاً في التوصل لحل قد يرشحه للحصول على جائزة نوبل"، وفق تقدير الدبلوماسي العربي. أما السبب الثاني فيتمثل، وفق المصدر نفسه، بأن "دبلوماسياً في سنّ دي ميستورا (70 عاماً) لا بد أنه سيتقاعد إن لم يتم التمديد له، فلم يعد هناك مجال لترفعه في الدبلوماسية الدولية أكثر من ذلك سوى الحصول على منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وهذا أمر بات بعيداً عن دي ميستورا"، وفق تعبيره. وعلى الرغم من آمال دي ميستورا بالتمديد له منتصف الشهر المقبل، أي عند انتهاء ولايته رسمياً، فإنّ سيناريوهات استبداله عادت لترتفع حظوظها، مع دخول مرشح جديد لخلافته، هو رئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك سابقاً، حارث سيلاجيتش، إلى جانب المرشحة أيضاً، ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، سيغريد كاغ، مع أن بعضهم لا يزال يطرح اسم المبعوث السابق إلى اليمن، المغربي جمال بنعمر، في حلبة التخمينات حول خلافة دي ميستورا. ويلبي المرشحون نظرياً جميعهم المعايير التي يبحث عنها غوتيريس للمهمة السورية، إذ إن بنعمر وسيلاجيتش من دولتين مسلمتين "غير حساستين" في الملف السوري، بالإضافة إلى أنهما، مثل كاغ، يتقنان اللغة العربية، وهو ما يصرّ الأمين العام الجديد على توفره عند خليفة دي ميستورا. من هذا المنطلق، وصلت القناعة بأن دي ميستورا لن يتم التمديد له منتصف الشهر المقبل، إلى أعضاء من الوفد المفاوض الذين تحدث بعضهم عن "وصية" ينوي دي ميستورا تركها لوفدي النظام والمعارضة عند نهاية هذه الجولة المقررة في 31 من الشهر الحالي على شاكلة 4 وثائق سياسية.
ويقول مصدر معارض لـ"العربي الجديد"، رفض الكشف عن اسمه، إن "الأميركيين غائبون، ولم تتبلور لديهم رؤية بعد، وينتظرون الانتهاء من المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". ويضيف أنه في ظل "غياب رؤية واضحة لواشنطن لن يكون هناك حل، وكل ما نفعله هنا هو الإبقاء على زخم المفاوضات"، على حد تعبيره.
يجلس مراسلو الإذاعات والمحطات التلفزيونية السورية الموالية للنظام منعزلين وحدهم. لا يتحدثون مع باقي الصحافيين حتى أولئك الآتين من محطات تابعة لحلفاء النظام كروسيا وإيران. ويظهرون حالة عالية من العدائية، حتى في طرح الأسئلة خلال المؤتمرات الصحافية، خصوصاً في ما يتعلق بالأسئلة التي يتم توجيهها للمبعوث الأممي وللهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السورية. وإذْ لا يكفون عن تكرار الحديث عن "مكافحة الإرهاب"، كشريط لا ينتهي، يقف مراسل قناة "سما الشام" التابعة لابن خال رئيس النظام السوري، رجل الأعمال رامي مخلوف، ويبدأ بالحديث عن الطائفية. ويسأل رئيس وفد "الهيئة العليا للمفاوضات"، نصر الحريري، عن أسباب غياب الأقليات في مناطق سيطرة المعارضة. ويوجه سؤاله بطريقة "تشبيحية" غير معهودة في أروقة الأمم المتحدة، متناسياً أن مناطق المعارضة تكاد تخلو من سكانها بسبب القصف المدفعي والجوي العنيف الذي يمارسه النظام وحلفاؤه بشدة. أما مراسلة "الإخبارية" السورية، فتوجه أسئلتها بتوتر شديد للمبعوث الدولي وكأنها في معركة وليست في مؤتمر صحافي.
بموازاة ذلك، يستمر أداء رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، بالتدهور على المستوى الدبلوماسي، معتمداً على خطاب "تشبيحي" متوتر جداً. ويصوّر العالم وكأنه مجموعة من الأعداء الإرهابيين أو الداعمين للإرهاب، متمادياً في خطاب مفصول تماماً عن السياسة والعلاقات الدولية. ويتحدث عن جمهوريات ودول تمتلك تاريخاً في العمل الديمقراطي وحقوق الإنسان وكأنها تشبه نظام الأسد. هكذا، تصبح الجمهورية الفرنسية، في أدبيات الجعفري، النظام الفرنسي. ويصف المملكة المتحدة بالنظام البريطاني، والولايات المتحدة الأميركية بالنظام الأميركي، موزعاً تهم الطائفية والإرهاب على الجميع. يتعلق الأمر بأداء "طفولي" يقوم على فكرة أن إنكار التهمة يبدأ بقذفها على الآخرين. وأكثر من ذلك، يخرج الجعفري عن أعراف الدبلوماسية الدولية، ويوجه خطاباً حاداً بحق دي ميستورا الذي لم يوفر فرصة لتحسين العلاقة مع النظام السوري. ويؤكد أن دي ميستورا تجاوز التكليف الممنوح له وأن النظام سيتولى إعادته إلى التكليف كلما تجاوزه مرة أخرى.
على الجانب الآخر، لا يبدو أن وفد "الهيئة العليا للمفاوضات" تمكن من استغلال التقدم الميداني الكبير التي حققته المعارضة المسلحة على الأرض. وبدلاً من المبادرة بالهجوم السياسي المبني على التقدم العسكري، انهمك الوفد بموقف دفاعي ضد تهمة الإرهاب التي ألقاها الجعفري. ويقول مصدر معارض ضمن الوفد لـ"العربي الجديد" إن المؤتمر الصحافي الذي أجراه الحريري يوم الجمعة، لم يكن موفقاً. ويضيف أن المعارضة بدت "في موقف يحاول رد تهم الجعفري الخاصة بالإرهاب على الرغم من أن تصريحات الجعفري لم تكن تستحق أكثر من السخرية منها ببضع جمل"، وفق تعبير المصدر السوري المعارض.