استهداف قوات "يونيفيل": إسرائيل لا تريد شهوداً ولا 1701

12 أكتوبر 2024
جنود إسبان من "يونيفيل" قرب الخيام، 23 أغسطس 2024 (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- التوترات الإسرائيلية مع "يونيفيل": تعرضت مواقع "يونيفيل" لهجمات إسرائيلية متعمدة، مع دعوات إسرائيلية لتراجعها شمالاً، متجاوزة القرار 1701 الذي يهدف للحفاظ على السلام بعد عدوان 2006.

- التحديات التي تواجه "يونيفيل": منذ تأسيسها، تعرضت "يونيفيل" لهجمات وفقدت 335 عنصراً. تتعاون مع الجيش اللبناني لضمان منطقة خالية من الأسلحة غير المشروعة، لكن الاعتداءات الأخيرة تعقد مهمتها.

- التحركات الإسرائيلية المستقبلية: تشير الاعتداءات إلى نية إسرائيل تغيير قواعد القرار 1701، مما قد يؤدي إلى تراجع "يونيفيل" شمالاً أو مغادرتها، مما يثير قلقاً دولياً حول استقرار المنطقة.

في اليوم العاشر على إعلان توغلها البري في لبنان، هاجمت إسرائيل، أول من أمس الخميس، مواقع لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل"، في خطوة استولدت انتقادات غربية، خصوصاً من الدول المنخرطة في هذه القوة. ولم تكتفِ قوات الاحتلال بذلك، بل عمدت، أمس الجمعة، إلى استهداف موقع جديد للقوة الأممية، في محاولة لتكريس واقع مغاير عن مرحلة ما قبل بدء التوغل البري، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الحالي. ولم تكن عمليات استهداف "يونيفيل" غير مقصودة، بل متعمّدة، وفقاً لبيانات القوة الأممية، وهو ما لمح إليه بطريق غير مباشرة سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، مساء الخميس، بدعوة "يونيفيل" إلى نقل قواتها في جنوب لبنان لمسافة خمسة كيلومترات شمالاً من أجل "تجنب الخطر"، من دون تحديد ماهيته.

وفي كلام دانون نيات عدوانية إسرائيلية واضحة، لجهة مواصلة التوغل في الجنوب اللبناني، واستنباط سلطة أمنية إسرائيلية من دون المرور بقوات الأمم المتحدة، ولا بالجيش اللبناني، الذي تعرّض هو الآخر لاعتداءات إسرائيلية طاولت عناصره وبنيته التحتية. الواقع الأمني الذي تبحث عنه إسرائيل، بحجة "ضرب حزب الله في الجنوب اللبناني"، من أجل "إعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم"، يتجاوز القرار 1701، الذي وضع حداً للعدوان على لبنان في صيف 2006. ونصّ القرار في بنوده على انتشار القوات الأممية والجيش اللبناني في جنوب الليطاني، لكن التطورات اللاحقة، ومنها تسجيل 30 ألف خرق إسرائيلي للسيادة اللبنانية، براً وبحراً وجواً، بين عامي 2006 و2023، أي قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدت إلى عرقلة تطبيق القرار الأممي. وبعد السابع من أكتوبر، وتحديداً بدءاً من فتح حزب الله جبهة الإسناد لدعم غزة في الثامن من أكتوبر 2023، ارتفعت حدة المواجهات الحدودية بين الحزب والاحتلال، مع تراجع الدور الفعلي لـ"يونيفيل"، التي طالبت في بيانات عدة بوقف الاشتباكات.


أوحى هاغاري كأن الاحتلال ساعٍ لعملية طويلة الأمد في جنوب لبنان

التعرّض لـ"يونيفيل"

وعلى الرغم من محدودية دورها، غير أن القوة الأممية تعرضت لهجمات عدة، قبل الاعتداءات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، فقد سقطت قذائف إسرائيلية قرب مقراتها في الناقورة ومروحين وراميا، في أشهر أكتوبر ونوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2023. كما تعرّضت "يونيفيل" لاعتداءات من مؤيدين لحزب الله، بعد الثامن من أكتوبر، في شقرا خصوصاً. ولم تكن الاعتداءات على قوات الأمم المتحدة جديدة من نوعها، فقد سبق أنها تعرّض للاعتداءات من مختلف الأطراف، منذ تشكيلها في جنوب لبنان في عام 1978، وفقدت 335 عنصراً من أفرادها حتى 31 مايو/أيار الماضي، وفقاً للموقع الإلكتروني لـ"يونيفيل". ومع أن معظم الاعتداءات عليها في الداخل اللبناني، حصلت عن طريق مؤيدين لحزب الله، لكن "يونيفيل" تحظى بدعم رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، وهو رئيس حركة أمل، حليفة الحزب.

وعلى الرغم من اندماج هذه القوات مع المجتمعات اللبنانية المضيفة، غير أن النقاش حول أدوارها في الجنوب اللبناني، ازداد سخونة بعد عدوان 2006. ووفق القرار 1701، تم رفع عديد قوات "يونيفيل" إلى 15 ألفاً، بعدما كان ألفي جندي، كما نصّ القرار على رفع تعاونها مع الجيش اللبناني. لاحقاً انخفض عدد الجنود الأمميين إلى نحو 10058 جندياً من 50 دولة، حسبما أفاد الموقع الإلكتروني لـ"يونيفيل"، من بينهم 850 جندياً عاملاً في القوة البحرية. الكتيبة الكبرى هي إندونيسيا بـ1231 جندياً، وتليها إيطاليا بـ1068 جندياً. كما تضمّ "يونيفيل" وحدات هندية ونيبالية وفرنسية وغانية وماليزية وإسبانية وصينية وازنة، مؤلفة من مئات الجنود. ويقع مقر الكتيبة الفرنسية في دير كيفا ـ صور، والكتيبة الإيطالية في شمع ـ صور (في القطاع الغربي)، والكتيبة الإندونيسية في عدشيت القصير ـ مرجعيون، والكتيبة الإسبانية في السهل بين بلدتي بلاط وإبل السقي في مرجعيون (في القطاع الشرقي).

مع ذلك، فإن صلاحيات هذه القوة تبقى محدودة، ذلك لأن "الحفاظ على بيئة آمنة ومستقرة في المنطقة يقع أولاً وقبل كل شيء على عاتق القوات المسلحة اللبنانية (الجيش اللبناني). وقوة اليونيفيل تساعد وتدعم القوات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك الجهود التي تبذلها لضمان أن تكون المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والخط الأزرق (الخط الذي رسمته الأمم المتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000) خالية من الأسلحة غير المشروعة وعدم استخدامها في أي نشاط عدائي". أما "في حال توفر معلومات محددة بشأن حركة أسلحة أو معدات غير مرخص بها، تقوم القوات المسلحة اللبنانية باتخاذ الإجراء اللازم. ولكن في الحالات التي تكون فيها القوات المسلحة اللبنانية ليست في وضع يسمح لها بذلك، تقوم يونيفيل بكل الإجراءات اللازمة لتنفيذ مهمتها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701"، حسبما جاء في الموقع الإلكتروني للقوة الأممية.

ولـ"يونيفيل" السلطة والقدرة على الرد بقوة على أي عمل عدائي، لأن قواعد اشتباك القوة الأممية تتيح لها أن ترد على النحو المناسب. وفي هذا الصدد، لدى قادة "يونيفيل" السلطة التي تخولهم التصرف بقوة. ونصّت هذه القواعد على أنه "خلال تنفيذهم لمهمتهم، بإمكان كافة أفراد قوة يونيفيل ممارسة الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس". وتعني هذه القواعد أن للقوة الأممية شرعية في الرد بالنار على أي استهداف لها، سواء من الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، أو سابقاً، خلال الاعتداءات التي حصلت ضد عناصر وأفراد من هذه القوة.

وفي الأساس، فإن مسألة تعديل مهمة "يونيفيل"، تُطرح للنقاش في كل صيف، قبل موعد التجديد السنوي لمهمتها في جنوب لبنان، في أواخر شهر أغسطس/آب من كل عام. وفي السنوات الأخيرة تمت مناقشة بند يُتيح للقوة الأممية القيام بدوريات مستقلة عن الجيش اللبناني، وكان مدعوماً بشكل خاص من الولايات المتحدة، لكن الحكومة اللبنانية رفضته. مع العلم أن وحدات "يونيفيل" تقوم يومياً بأكثر من 400 دورية بما في ذلك الدوريات الليلية، وذلك بالمشاركة والتنسيق مع الجيش اللبناني. وطالبت إسرائيل مراراً بتعديل مهمة "يونيفيل"، وتحديداً الانخراط الميداني في سياق سحب أسلحة حزب الله في جنوب الليطاني. وعلى الرغم من انتقاد دول عدة، وخصوصاً فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وأيرلندا وبريطانيا والولايات المتحدة الاعتداءات الإسرائيلية على "يونيفيل"، غير أنها لم تقدّم، أقله حتى مساء أمس الجمعة، حلولاً جدّية لمواجهة هذه الاعتداءات.


دعت إسرائيل "يونيفيل" للتراجع 5 كيلومترات شمالاً

توجس من مسارات نتنياهو

غير أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة أظهرت أن هناك مساراً ما تنوي حكومة بنيامين نتنياهو السير به، بغضّ النظر عن القدرة على تطبيقه. في السياق، بدت مواقف مسؤولين إسرائيليين، من وزير الخارجية يسرائيل كاتس، إلى وزير الأمن يوآف غالانت، واضحة لجهة إبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه. وهو ما يعني عملياً القضاء على الحزب، بحسب مفهوم الاحتلال. وما يعزز النيات الإسرائيلية هو بثّ المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، شريطاً من ثلاث دقائق و41 ثانية، تجوّل فيها في محيط منزل مهدم بما وصفه "قرية شيعية لبنانية" من دون تسمية القرية، مظهراً أسلحة وذخائر قال إنها "لعناصر من حزب الله". وتحدث هاغاري عن عزم الاحتلال تفتيش المنازل منزلاً منزلاً، بما أوحى وكأن الاحتلال ساعٍ لعملية طويلة الأمد في جنوب لبنان، ما يستلزم في السياق تغيير قواعد القرار 1701، وبالتالي إبعاد "يونيفيل" عن المواقع الحدودية. ويعني ذلك أن التوغل البري الإسرائيلي نسف القرار 1701، رغم مطالبة لبنان الرسمي بتطبيقه.

في ظلّ هذا الواقع، لم يعد مستبعداً تطبيق تحذيرات دانون، ومباشرة "يونيفيل" في مرحلة ما، سحب قواتها خمسة كيلومترات شمالاً، وحتى أن سحب قطعها البحرية، إلى شمال نهر الأولي بات مطروحاً، على قاعدة طلب الاحتلال من رواد وصيادين في السابع من أكتوبر الحالي، مغادرة الشاطئ الممتد من الناقورة إلى نهر الأولي، وهو بطول 60 كيلومتراً. ومع أنه من المبكر توقع الخطوات الإسرائيلية المقبلة بما يتعلق بـ"يونيفيل"، غير أن مسار الأمور في الأيام الحالية يشرع الأبواب أمام تراجع القوة الأممية إلى بيروت في مرحلة ما من المستقبل، ثم مغادرة لبنان. وهو أمر لم يكن وارداً التفكير فيه في الأشهر الأخيرة، بل على العكس، شكّلت "يونيفيل" في بعض المواقع مظلة حماية دولية للبنان الرسمي، وإن كانت مكبّلة اليدين حيال مواجهة العدوان الإسرائيلي، غير أنه مع زيادة احتمالات مغادرتها الجنوب أولاً ولبنان ثانياً، يستعد الاحتلال لحقبة يتفرّغ فيها للبنان.

المساهمون