ثلاث مراحل تتضمنها خريطة طريق أممية جديدة أعلن عنها المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة أمس الأربعاء، في كلمته أمام أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تشير إلى الدخول في فترة انتقالية رابعة إلى حين الوصول لانتخابات وفق مشروع الدستور، بعد إقراره من قبل الشعب خلال السنة القادمة.
وبحسب سلامة فإن هذه المراحل هي:
- تعديل الاتفاق السياسي، وتبدأ هذه المرحلة من الأسبوع المقبل لوضع صياغة للتعديلات.
- عقد مؤتمر وطني تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بهدف فتح الباب أمام أولئك الذين تم استبعادهم، وأولئك الذين همشوا أنفسهم، وتلك الأطراف التي تحجم عن الانضمام إلى العملية السياسية، يتم خلالها تحديد واختيار أعضاء المؤسسات التنفيذية التي أُعيد تشكيلها في البدء على أساس توافقي.
- البدء بانتخابات برلمانية ورئاسية على أساس الدستور بعد إقراره، والذي سيعمل مجلس النواب على إصدار قانون استفتاء بشأنه، بعد العمل على تعديله بالتنسيق مع هيئة صياغة الدستور.
وحتى اللحظة لم يعلن أي من طرفي الأزمة في البلاد، وهما مجلسا النواب والدولة عن موقفهما من الخريطة.
وعلى الصعيد الشخصي، رحب عضو مجلس النواب بطبرق عيسى العريبي بخريطة سلامة، معتبرا خلال تصريح صحافي أن "الموافقة عليها في مجلس النواب مرهون بنجاح لجنتي الحوار عن مجلسي النواب والدولة في تعديل الاتفاق السياسي.
ويبدو أن إعلان سلامة جاء لسد الخلل الذي اعترى نصوص اتفاق الصخيرات، الذي عجزت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن تمريره، رغم مضي سنتين على توقيعه، فالإعلان عن عقد الأمم المتحدة لمؤتمر يضم كل الأطياف الليبية، ولا سيما المهمشة منها، يبدو أنه جاء لإتاحة الفرصة وفسح مكان لمؤيدي النظام السابق المهجرين خارج البلاد منذ سقوط النظام.
كما أن إهمال معالجة الوضع الاقتصادي المتردي ضمن اتفاق الصخيرات، نبه إليه بعض قادة الدول، كالرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي دعا إلى ضرورة وضع حد للاقتصاد الموازي في البلاد، لإعادة إنعاش الاقتصاد مجددا، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، التي تحدثت عن المساعدات التي تقدمها دولتها لليبيا، مؤكدة أنها بصدد دعوة دول العالم لعقد مؤتمر لإعادة إعمار البلاد.
كثيرة هي الدواعي والأسباب لهذه الخريطة، ولكن أبرزها قناعة المجتمع الدولي بخطئه في ترك البلاد تعيش فوضى عارمة بعد تدخله العسكري للمساعدة في إطاحة نظام القذافي.
بينما يرى مراقبون للشأن الليبي أن إطالة أمد الصراع بين الأطراف في ليبيا كانت من أجل إيصالهم إلى قناعاتهم الحالية بعدم جدوى الاحتكام للسلاح، وأن البديل لرأب الصدع هي الحلول السياسية، ولعل أبرز مثال على ذلك تحول اللواء خليفة حفتر من طامح لحكم البلاد بالسلاح إلى رجل يفاوض من أجل الحصول على منصب باللين والسياسة، فمعسكر حفتر منذ أن تأسس بدا أنه هش، ولن يستطيع الاستمرار في الصمود، وسط الانقسامات الحالية فيه وتراجع الدعم الشعبي له.
كما أن ائتلاف فجر ليبيا الذي شكل طرفا مهما في الصراع المسلح مؤخرا تفكك بشكل كبير، وظهرت مكانه قوتان، الأولى في طرابلس تابعة لحكومة الوفاق، والأخرى في مصراته ومدن أخرى تؤيد حكومة الإنقاذ والمؤتمر.
ورغم هذه المعطيات الجديدة التي يبدو أنها مشجعة للبدء في مفاوضات سياسية جديدة تبدأ من تعديل الاتفاق السياسي وتنتهي بانتخابات على أساس دستور دائم، إلا أن عراقيل كثيرة لا تزال تعترض هذه الخريطة.
أهم هذه العراقيل، أن خريطة الطريق توجهت بخطابها إلى مجلسي النواب والدولة، وكأنهما كتلة موحّدة يمكنها تكوين قرار أو رأي موحد سريعا، بينما الأمر خلاف ذلك، فمجلس النواب على وجد التحديد يعاني انقسامات كبيرة تعرقله حتى عن التمكن من عقد جلساته العادية، فضلا عن الوصول إلى رأي موحد حول شكل التعديلات المطلوبة.
ووفق المرحلة الثانية للخريطة، فإن الأمم المتحدة ستشرف على مؤتمر وطني يجمع كل الأطياف الليبية، بما فيها المهمشون للبدء في اختيار رؤساء المناصب السيادية والمهمة، وأبرز هذه الاختيارات اختيار رئيس للحكومة الجديدة بناء على تعديلات الاتفاق السياسي، بعد إقرارها من قبل مجلس الدولة والنواب، بالإضافة لاختيار شاغلي المناصب السيادية في البنك المركزي ومؤسسة النفط.
ولا يبدو أن الوصول إلى توافق حول تسمية شاغلي هذه المناصب أمر ميسور، فعلى مدى عامين من عمر حكومة الوفاق كان أهم أسباب عرقلتها الصراع على شغل هذه المناصب، ولا سيما أن أطرافا أخرى، وصفها سلامة بـ"المهمشين"، ستنضم لطاولة التفاوض ضمن المؤتمر الوطني.
لكن السؤال الأكبر الذي راود كثيرا من متابعي سلامة وهو يتلو خريطة الطريق، هو أين سيكون حفتر، والذي لطالما شكل المسألة الخلافية الأبرز والأولى بين فرقاء ليبيا طيلة السنين الماضية، فلم تتحدث الخريطة عن المؤسسة العسكرية، سوى بالإشارة إلى ضرورة العمل على توحيدها، مهملة كون منصب حفتر هو الخلاف الأول الذي عرقل تطبيق الاتفاق السياسي منذ إقراره نهاية 2015، وكيف ستكون مواقف رافضيه من مسلحي طرابلس ومصراته ومدن غيرها إذا ما اختير قائداً عاما للجيش كما يطمح.
وبالرغم من كون الخريطة سبيلا جديدا لتطبيق اتفاق الصخيرات، إلا أن أيا من الدول الأوروبية أو الإقليمية المعنية بالشأن الليبي لم تبدِ مواقفها، كما لم تعلن الأطراف الأساسية في ليبيا عن مواقفها الرسمية.