استعادت قوات النظام السوري، والمليشيات الموالية لها، المناطق التي سيطرت عليها فصائل معارضة يوم الجمعة الماضي، على أطراف بلدة حضر في ريف مدينة القنيطرة السورية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة. وأفادت مصادر متطابقة من طرفي النظام والمعارضة، أن "قوات النظام مدعومة بمليشيات ولجان شعبية، سيطرت على معظم المناطق التي تقدمت إليها فصائل المعارضة السورية، وأعادت فرض الحصار على بلدة بيت جن ومزرعتها في الغوطة الغربية بريف دمشق، وذلك بعد معارك عنيفة بين الجانبين تخللها قصف مدفعي مكثّف من جانب قوات النظام السوري على مواقع المعارضة، أسفرت عن سيطرة النظام على منطقة الدلافة على محور تل الوسيط، وتلة قرص النفل وتلة الهرة الواقعة شمال بلدة حضر".
وفي وقتٍ اتهمت مصادر إعلامية تابعة للنظام السوري، فصائل المعارضة بـ"التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي في هجومها لفك الحصار عن بلدة بيت جن"، قالت بعض مصادر المعارضة إن "المدفعية الإسرائيلية أسهمت في قصف مواقع المعارضة في المنطقة إلى جانب مدفعية النظام السوري". وكان المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، أعلن أن "الإسرائيليين ليسوا منخرطين لصالح أي طرف في العمليات العسكرية"، مشيراً إلى أنهم "مستعدون لمساندة بلدة حضر، ولن يسمحوا لفصائل المعارضة بالسيطرة على البلدة ذات الغالبية الدرزية".
وكانت فصائل المعارضة تمكنت فجر الجمعة، من كسر الحصار المفروض من النظام السوري على بلدة بيت جن ومزرعتها، عقب عملية عسكرية تحت مسمى "كسر القيود عن الحرمون"، سيطرت خلالها على حوالي ثلاثة كيلومترات غرب بلدة حضر، وهي المنطقة الوحيدة التي كان للنظام تماس مباشر معها من الجولان المحتل.
وقد أثار هذا الاختراق الذي قامت به المعارضة استنفاراً لدى بعض أوساط الطائفة الدرزية في السويداء جنوبي سورية وبعض بلدات محيط دمشق وجبل الشيخ، بعدما بثت أوساط النظام إشاعات بأن "جبهة النصرة سوف ترتكب مجازر في حضر" وقدمت تعزيزات من هذه المناطق لمساندة سكان بلدة حضر بتشجيع من سلطات النظام السوري التي سعت لإثارة النعرات الطائفية. وهو ما فعله الاحتلال الإسرائيلي أيضاً، من خلال إعلانه بأنه "لن يسمح بسيطرة المعارضة على بلدة حضر"، في محاولة لتسويق نفسه كحامٍ للطائفة الدرزية في المنطقة، خصوصاً مع اندفاع بعض المدنيين الدروز في الجولان المحتل نحو الشريط الحدودي، ودعوتهم لإسرائيل لحماية بلدة حضر.
وكانت المعارضة أطلقت معركة "لهيب الحرمون" في المنطقة ذاتها، نهاية العام الماضي، وحاولت اقتحام بلدتي حضر وحرفا، وتحديدًا السرية الثالثة شرقي حضر، إلا أن المعارك توقفت من دون أي تقدم. وبدأت عملية "كسر القيود عن الحرمون" بتفجير سيارة مفخخة على أطراف بلدة حضر، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من جنود النظام وعناصر المليشيات، فيما قتل خلال العملية عدد من عناصر المعارضة وعلى رأسهم صايل حسن العيط القائد العسكري للمعركة. وقالت مصادر محلية في القنيطرة لـ"العربي الجديد"، إن "عناصر ومستشارين من حزب الله يشاركون في المعركة إلى جانب قوات النظام".
ومع بدء العملية، دعت فصائل المعارضة من خلال بيان وقّعت عليه "غرفة عمليات جبل الشيخ"، و"جيش محمد"، أهالي بيت جن وحضر، إلى أن "يقفوا موقفاً بطولياً ومشرفاً ضد النظام ولسحب أبنائهم من اللجان التي تشارك النظام". وأكدت أنها "لن تستهدف حضر، ولا أهلها ولا ممتلكاتهم".
مع العلم أن بلدات بيت جن ومزارعها ومغر المير، أسيرة حصار من جانب النظام ومليشياته منذ أكثر من عام، بعدما دخلت البلدات في محيطها في اتفاق "مصالحة" مع النظام. وسعت قوات النظام منذ أكثر من شهر ونصف الشهر إلى اقتحام البلدة من خلال هجمات متتابعة ألقت خلالها مئات البراميل المتفجرة.
وبلدة حضر واقعة جنوب غربي بيت جن، حيث أطرافها الغربية هي الممر الوحيد المتبقي للمعارضة في أي محاولة منها لكسر الحصار عن بيت جن. وهو ما اضطر قوات المعارضة إلى الالتفاف غربي حضر، على سفوح جبل الشيخ الشرقية، في منطقة قارص النفل التي تقع بين حضر والسياج الحدودي الفاصل مع الجولان المحتل. وكان وفد المعارضة المفاوض في "أستانة 7" حاول إدخال منطقة بيت جن في اتفاقيات "خفض التصعيد"، بعدما زادت محاولات النظام أخيراً لاقتحامها، إلا أن الوفدين الروسي والإيراني اعترضا على ذلك.
وسبق لقوات النظام أن سيطرت منذ أكثر من عام على جميع بلدات الغوطة الغربية تباعاً، عدا بيت جن ومزرعتها. وكانت البداية مع مدينة داريا، التي استطاع النظام إفراغها من أهلها في 26 أغسطس/آب 2016، فخرج أكثر من خمسة آلاف شخص من المدينة، وقرابة 1200 منهم إلى إدلب، بينما توجهت الأغلبية نحو بلدة حرجلة في ريف دمشق، والخاضعة لسيطرة النظام. وتلا ذلك إخراج مقاتلي بلدتي قدسيا والهامة مع عائلاتهم باتجاه محافظة إدلب، ثم مقاتلي مدينة معضمية الشام مع عائلاتهم. وتواصل مسلسل التهجير الذي تسبقه عادة عمليات عسكرية مكثفة مع تشديد الحصار على تلك المناطق، ليشمل مخيم خان الشيح ومنطقتي زاكية وكناكر قبل نحو عام، ثم مدينة التل وصولاً إلى بلدة سعسع، جنوب غربي دمشق، والبعيدة عن العاصمة نحو 40 كيلومتراً. وبعد أكثر من شهر من المعارك، وصل قطار التهجير إلى بلدات وادي بردى، وسيطرت قوات النظام على بلدة بسّيمة أولًا ثم وصلت إلى عين الفيجة الاستراتيجية، التي تحتوي على نبع الفيجة وبقية بلدات الوادي التي يزيد عددها عن العشر.