لقاء بوتين وترامب وجهاً لوجه اليوم: قراءة في التباسات القمة الروسية الأميركية
يقود الالتباس الذي يلف الحدث المتمثل بأول اجتماع رسمي على مستوى القمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، إلى أجواء ضبابية قد تنسحب على كامل مشهد العلاقات الدولية، الذي من المتوقع أن تظهر ملامحه الجديدة في قمة قادة دول "مجموعة العشرين"، التي تنعقد اليوم الجمعة وغداً السبت، في مدينة هامبورغ الألمانية.
وتضيف شخصية الرئيس الأميركي غير التقليدية ومسألة التدخل الإلكتروني لروسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية والتي تلقي بثقلها على أزمة ترامب الداخلية، مزيداً من الغموض على ما يمكن أن تسفر عنه القمة الأميركية الروسية، اليوم الجمعة، على هامش اجتماعات "مجموعة الـ20". ولأنها قمة ملتبسة، ستكون أيضاً مفتوحة على كافة الاحتمالات حتى في القضايا غير المدرجة على جدول الأعمال الذي لا يظهر أنه تم الاتفاق بعد على صيغته النهائية.
وتتضارب التوقعات الأميركية بشأن ما يمكن أن يسفر عنه اللقاء الرسمي الأول بين ترامب وبوتين في ظل توتر العلاقات الثنائية بين موسكو وواشنطن ووصولها إلى الحال الذي كانت عليه خلال الحرب الباردة في عهد الاتحاد السوفييتي. وما يزيد من ضبابية الموقف والتباساته أن ترامب يذهب إلى لقاء بوتين وهو مكبل بالتحركات التي يقوم بها "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (أف بي آي) والكونغرس في شأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وعلى الرغم من حديث ترامب أمس، عن هذا التدخل المحتمل، لكن لم يعرف ما إذا كان الرئيس الأميركي سيثير مع بوتين الاتهامات الموجهة لأجهزة الاستخبارات الروسية بالإشراف على عمليات القرصنة الإلكترونية التي تعرضت لها الولايات المتحدة خلال الانتخابات.
ولم يؤكد البيت الأبيض احتمال مبادرة ترامب إلى إثارة قضية التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية مع بوتين في لقاء هامبورغ، تلبيةً للمطالبات الصادرة عن أعضاء في الكونغرس من الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" للرئيس الأميركي باتخاذ موقف قوي وحاسم وإلزام الرئيس الروسي بوقف الاعتداءات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة والالتزام بعدم تكرارها في المستقبل. وسبب تريث الإدارة الأميركية في إعلان موقف واضح في هذا الصدد، يكمن ربما في أن أي سيناريو محتمل لنقاش مفترض بين الرئيسين حول تدخل الكرملين لمساعدة ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض سيكون حواراً ملتبساً ومستغرباً.
وتتصدر مسألة العقوبات الأميركية ضد روسيا قائمة الملفات التي سيتم بحثها بين ترامب وبوتين. ومن المرجح أن يبادر الأخير إلى إثارة مسألة العقوبات مع نظيره الأميركي، حتى وإنْ كان هامش المناورة أمام ترامب محدوداً جداً في هذه القضية، في وقت يتجه فيه الكونغرس إلى فرض عقوبات إضافية ضد روسيا، على خلفية تدخلها في الانتخابات الأميركية ورفضه الحاسم لرفع العقوبات السابقة التي فرضتها إدارة الرئيس باراك أوباما، بعد التدخل الروسي في أوكرانيا. وهذا يعني أن أي محاولة من قبل ترامب لتقديم تنازلات أميركية لبوتين في موضوع العقوبات ستقابل برد قوي من الكونغرس.
وتفرض الأزمة الكورية الشمالية نفسها بقوة على جدول المحادثات بين ترامب وبوتين في ظل تصعيد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، إثر إجراء بيونغ يانغ تجربة إطلاق صاروخ جديد عابر للقارات بإمكانه الوصول إلى الأراضي الأميركية. وقد عكس البيان المشترك لبوتين ونظيره الصيني، شي جين بينغ، بعد اجتماعهما في موسكو أخيراً، ودعوتهما إلى تجميد برنامج التسلح الكوري الشمالي، أجواء اتفاق بين مواقف كل من واشنطن وموسكو وبكين على ضرورة تخفيف حدة التوتر في المنطقة وممارسة ضغوط على كوريا الشمالية من أجل إيجاد حل نهائي للمسألة الكورية. وهذا الموقف الروسي الصيني يتقاطع مع تصريحات ترامب، أمس الخميس، في وارسو، والتي انتقد فيها تصرفات كوريا الشمالية ودعا المجتمع الدولي إلى ضمان أن تلقى بيونغ يانغ "عواقب" عدوانيتها، محذراً من أنه يدرس اتخاذ رد "شديد" على هذه التصرفات. وقال ترامب "أدعو جميع الشعوب إلى مواجهة هذا التهديد العالمي والإظهار لكوريا الشمالية أن هناك عواقب لسلوكها السيئ للغاية". وأضاف "نحن ندرس أموراً شديدة جداً"، لكنه أضاف أن "هذا لا يعني أننا سننفذها"، وفق تعبيره.
وستكون المسألة السورية من أبرز القضايا المفترض أن يناقشها الرئيسان الأميركي والروسي في هامبورغ. وفي السياق، وجهت واشنطن رسالة واضحة إلى موسكو بشأن مصير بشار الأسد، مع قول وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، خلال لقاء خاص مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أخيراً، إن مستقبل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أصبح بيد الروس وأن واشنطن تقرّ بالدور الريادي لموسكو في الإشراف على الحل السياسي في سورية. كما أعلن تيلرسون، في بيان نشر يوم الأربعاء، أن "الولايات المتحدة مستعدة لدرس إمكان العمل مع روسيا على وضع آليات مشتركة تضمن الاستقرار بما في ذلك مناطق حظر جوي ومراقبين ميدانيين لوقف إطلاق النار وتنسيق إيصال المساعدات الإنسانية". وأضاف أنه "إذا عمل البلدان سوياً على إرساء الاستقرار على الأرض، فإن هذا الأمر سيساهم بإرساء دعائم للتقدم نحو اتفاق حول المستقبل السياسي لسورية"، وفق تعبير وزير الخارجية الأميركي.
وعلى الرغم من التحقيقات في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي تحاصر إدارة ترامب، والتي طاولته شخصياً بعد الاتهامات التي وجهت إليه بمحاولة عرقلة سير العدالة والتدخل لوقف التحقيقات إثر إقالته مدير الـ"أف بي آي"، جيمس كومي، إلا أن أداء هذه الإدارة في مواجهة النفوذ الروسي والإيراني في سورية اختلف كلياً عن استراتيجية إدارة أوباما وأعاد الاعتبار للدور العسكري الأميركي في رسم خريطة القوى على الأرض السورية وفرض شيء من التوازن العسكري في الميدان. لكن وجهة نظر المعارضين لترامب تعتقد ألا علاقة مباشرة للرئيس بموضوع القرارات العسكرية بتوجيه ضربات في سورية، وأن مسألة التصعيد العسكري مع الروس في سورية، كما مجمل السياسات العسكرية الأميركية في العالم، متروك أمرها لوزارة الدفاع وجنرالات الجيش الأميركي.
وفي مقابل الانتقادات الحادة التي تواجهها إدارة ترامب في ملف العلاقات مع روسيا، وفي ظل تخبط سياساتها الخارجية وأحياناً صدور مواقف متناقضة عن كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع، فإن البعض في واشنطن يراهن على المواصفات الشخصية للرئيس الأميركي وبراعته في عقد الصفقات من أجل التوصل إلى تفاهمات واسعة مع موسكو ومع القوى الدولية الأخرى لترتيب شؤون العالم وإعادة رسم العلاقات الدولية والسيطرة على بؤر التوتر في مناطق مختلفة، والتي باتت تشكل خطراً داهماً على الاستقرار الدولي. لكن بعض المسؤولين الأميركيين يتخوفون من خبرة الرئيس الروسي الذي سبق وعقد أربع قمم مماثلة مع رؤساء أميركيين، ومن إمكانية استغلاله عدم خبرة ترامب السياسية.
على مستوى العلاقة الشخصية بين الرئيسين الروسي والأميركي، لم يسبق لترامب وبوتين أن التقيا وجهاً لوجه، على الرغم من الغزل المتبادل بينهما خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية. كما يتوقف المراقبون عند تراجع ترامب عن لهجته الودية تجاه بوتين بعد وصوله إلى البيت الأبيض ومع تفاقم تداعيات التحقيقات الروسية. وعلى عكس التوقعات السائدة، لا يستبعد هؤلاء أن يكون ترامب من أكثر الرؤساء تشدداً مع الروس.