بعد 13 سنة على آخر مواجهة مع الاحتلال، لم يعد كافياً لـ"حزب الله" اللبناني، المنحاز مبكراً إلى نظام بشار الأسد ضد ثورة السوريين، تجميد مؤشر السنوات عند صيف 2006، لإثبات أن "كل شيء بخير". الوقائع السورية والعربية منذ 8 أعوام، وإنكار المسؤولية عن سفك الدم السوري، بتسويق "مواجهة المؤامرة"، واتهام كل معارضي الأسد بـ"المتآمرين العملاء"، وشطب لوحة أعلام دول الربيع العربي ومفردة "ثورة"، أو "صحوة إسلامية"، كما صوّرتها طهران، وغيرها من المواقف، لا تستطيع حجب الحصاد المر لهذا الحزب. مبكراً، حذرت قوى وشخصيات عربية، من ضرب الفكرة السامية للمقاومة، عند أجيال عربية، لمصلحة تجميع متعدد الجنسيات لمليشيات بإمرة وبوصلة طهران بتسمية "محور المقاومة". فكتفاً إلى كتف مع هؤلاء، وبحجة "الدفاع عن المراقد"، اعتبر "حزب الله" في أدبياته وماكينته الإعلامية، مطلب السوريين بالحرية والكرامة مجرد "مؤامرة على نظام مقاوم". أضاف إليه منطقاً عجيباً، بالافتراض جازماً أن السوريين ثاروا "لقطع طريق إمداد المقاومة"، ولاستهداف "مراقد". لكأن أهل داريا، مثلاً، كان هدفهم ضرب مقام السيدة سكينة، فاستحقوا المذابح والتدمير.
في السياق، فإن مصائب كثيرة ساهم فيها الحزب منذ 2013 تصيب مكانته في الشارعين السوري والعربي، أو أغلبهما. فيكفي التمعّن بتهمة "العمالة لإسرائيل"، التي طاولت حتى رفاق سلاح الأمس، بداية مع حركة "حماس"، مع ما أثير من بروباغندا تبريرية لتهجير أهل القصير بريف حمص بداية، وهو ما طُبّق في بقية مناطق الحراك، الذي سأل عنه متهكماً الأمين العام للحزب، حسن نصر الله: أين هو الشارع السوري لنقف معه؟ متجاهلاً تنكيل حليفه الأسد، بتظاهرات واعتصامات، من حماة وحمص وريف دمشق إلى حوران.
بالطبع كثيرون قادرون على عرض الواقع بما يرضي غرور مؤيدي الاستبداد. لكن، لا يمكن لعاقل أن يتجاهل فوارق القيمة والمكانة، بين يوليو/تموز 2006، وما بعد دخول مستنقع سورية. فالتشويه الذاتي في حصر دور "المقاومة" بـ"حماية مراقد"، والدفاع عن الأسد، باعتباره "طريق القدس"، ساهم أكثر في تراكم التراجع. لا يقتصر ذلك على "حزب الله"، فـ"التكويعة" جرفت في طريقها شخصيات وقوى أخرى، كتلك التي صارت في تنظيراتها الحرية والعدالة الاجتماعية مجرد "مؤامرة وفوضى"، أو القوى تائهة البوصلة بين إسلاميتها وعروبتها وطهران وأنقرة.
من أهم مآزق ما بعد "تموز 2006"، في معسكر تمجيد "عاصفة السوخوي"، تجاهله أن لا فرق بين احتلال واحتلال، بتحوّل القصف الصهيوني إلى عمل يومي و"منسق"، تنافساً على التحكّم بحاكم قصر المهاجرين. أضف إليه اعتبار أن لا أحد مقاوم في الشام سوى النظام وحاشيته. وفوق ذلك، فخطاب "قادرون على محو إسرائيل خلال دقائق" لا يمكنه أن يثبت أن "كل شيء على ما يرام"، فالمأزق الوجودي الذي جرّ "حزب الله" نفسه إليه أكبر من التمويه عليه.