عوكر: السفارة الأميركية المختبئة خلف الغاز المسيل للدموع والتعزيزات الأمنية في لبنان
أما لقب الثكنة العسكرية مصدره الإجراءات الأمنية والنقاط العسكرية اللبنانية والأميركية الكبيرة وكاميرات المراقبة التي تلاحق زائر المنطقة بدءاً من بلدة أنطلياس والضبية باتجاه الشمال، أي نحو عوكر.
وقد عادت المنطقة إلى واجهة الأحداث السياسية والأمنية في لبنان، من بوابة فلسطين والقرار الأميركي الأخير بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، بعدما غابت عن الأحداث منذ الحرب السورية فعلياً وقبلها موجة الاغتيالات الأمنية منذ عام 2005.
وانتقلت السفارة الأميركية في لبنان من منطقة عين المريسة على شاطئ العاصمة بيروت، إلى البلدة الصغيرة الواقعة في قضاء المتن، شمالي العاصمة، بعد عملية التفجير الضخمة التي استهدفت المقر القديم عام 1983. وخلال عقدين تحول المقر الجديد إلى موقع هائل يمتد على كيلو مترات عدة بعيداً عن أعين المواطنين وفي موقع لا يقصده إلا زوار السفارة من طلبة سمات الدخول والزوار الكثر الذين وردت تفاصيل زياراتهم في وثائق "ويكيليكس" المُسرّبة.
وعزا مراقبون أمنيون وسياسيون زيادة مساحة السفارة في بيروت وجعلها أحد أكبر المقار الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط إلى الحالة الأمنية الهادئة دوماً في عوكر وحماية مئات عناصر الجيش والدرك للسفارة، إلى جانب التسهيلات اللوجستية التي تتلقاها السفارة في مطار بيروت المدني ومطار رياق العسكري في البقاع، وهو ما يمنح الدبلوماسيين الأميركيين أريحية في التنقل داخل لبنان ومنه وإليه.
وتتركز حول المقر عدة نقاط أمنية كبيرة للجيش ولقوى الأمن الداخلي، لتأمين محيط السفارة التي تورطت إداراتها المُختلفة بالحروب على امتداد المنطقة، من اليمن وسورية حالياً، والعراق وأفغانستان سابقاً، وهي حروب واكبها الرأي العام اللبناني والفلسطيني بالرفض والإنكار والاحتجاج في عوكر. وقابلتها القوى الأمنية بالقمع وبآلاف قنابل الغاز التي غطت الأفق وحجبت الأجزاء اليسيرة التي تظهر من مبنى السفارة من موقع الاعتصام.
وشكّل اليسار اللبناني بمُختلف تفرعاته وانتماءاته المحرّك الأكبر للتظاهرات في عوكر تاريخياً، وقصد أبناء الأحزاب اليسارية المنطقة، وكثيراً ما غصّت الشوارع الضيقة التي توصل إلى السفارة بعشرات الحافلات التي تقل مواطنين لبنانيين ولاجئين فلسطينيين إلى المنطقة ذات الأغلبية المسيحية.
ولم يُثر وجود هؤلاء "الغرباء" حفاوة أهل المنطقة، بل كانت الوقفات محط انتقاد من سكان عوكر الذين يستغربون حدة الاعتصامات وتحولها إلى اشتباكات مُتفاوتة العنف مع عناصر القوى الأمنية. ولعل تغريدة أمين سر "تكتل التغيير والإصلاح" النائب ابراهيم كنعان كانت الأكثر تعبيراً، اليوم الأحد، عن نظرة أهالي عوكر إلى المُتظاهرين.
وكتب كنعان إن "عوكر ليست غزة والقوى الأمنية اللبنانية ليست إسرائيلية، وممتلكات المواطنين الخاصة والعامة ليست مباحة للاعتداء عليها، فالتضامن والتظاهر لدعم القدس لا يعني استباحة القوانين اللبنانية".
عوكر ليست غزة والقوى الامنية اللبنانية ليست اسرائيلية وممتلكات المواطنين الخاصة والعامة ليست مباحة للاعتداء عليها فالتضامن والتظاهر لدعم القدس لا يعني استباحة القوانين اللبنانية #لبنان — Ibrahim Kanaan (@IbrahimKanaan) December 10, 2017 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
">
|
وساء كنعان والأهالي إضرام عدد من المُحتجين النار في مستوعبات النفايات في ساحة عوكر، لكن اللهجة نفسها صدرت في اعتصامات كانت أقل حدة وأكثر تنظيماً. وقد أسفر استخدام القوى الأمنية لمدافع المياه وقنابل الغاز عن سقوط 42 جريحا تمت معالجتهم من قبل الصليب الأحمر اللبناني في موقع الاعتصام، ونقل 7 حالات أخرى إلى المستشفيات.
وبلدة عوكر تقع تقريباً على بعد 12 كيلومتراً من مدخل بيروت الشمالي، وهي منطقة تعتبر راقية وتحيط بها بلدات يقطنها الأكثر ثراء في لبنان، مثل الرابية والربوة والبياضة والنقاش. وتبحث السفارة الأميركية عن مكان جديد لسفارتها في لبنان، لكن المعايير الأمنية المطلوبة لا تزال تصعّب المهمة.
وقد فشلت صفقات لشراء عقارات كبيرة جدا في السنوات الماضية لنقل السفارة من عوكر إلى منطقة جديدة، مثل الحدث والحازمية (شرقي العاصمة). ويدفع الهاجس الأمني الجانب الأميركي إلى عدم نقل سفارته إلى قلب العاصمة، ذلك أن زحمة بيروت والاكتظاظ السكاني فيها يحول دون توفير إجراءات الحماية المطلوبة.