يؤكد مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية ببيت الشرق في القدس المحتلة، خليل تفكجي، في مقابلة مع "العربي الجديد" أن "معركة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس كانت ولا تزال وستبقى معركة الحيز، والصراع مع الاحتلال يجري على كل سنتمتر مربّع في المدينة". ويشدد تفكجي، خلال المقابلة التي أجريت في الدوحة، على هامش مشاركته في ندوة عن القدس أقامها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يوم السبت الماضي، على أن "لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، بعداً دينياً، فبالنسبة إلى ترامب فإن الأمر يعجّل بمعركة نهاية الزمن وسيطرة اليهود على القدس وعودة السيد المسيح إلى الأرض". كما يرفض تفكجي التسليم بضياع القدس، مشيراً إلى أن "هناك 340 ألف فلسطيني لا يزالون في المدينة المقدسة، وهم شوك في حلق الاحتلال"، مطالباً الدول العربية والإسلامية بـ"تنفيذ وعود دعم القدس".
* كيف ترى دوافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل وقراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس؟
عدا عن إرضاء داعميه من الناخبين اليهود والمسيحيين الإنجيليين الذين وعدهم بنقل السفارة الأميركية إلى القدس خلال حملته الانتخابية، إلا أن هناك دوافع دينية وراء قرار ترامب، فالمسيحيون الإنجيليون يؤمنون بنبوءة "نهاية الزمن" التي تشير إلى سيطرة اليهود على القدس، ويؤمنون أيضاً بما يسمّى معركة "هرمجدون" للتعجيل حسب اعتقادهم بعودة المسيح.
هذا القرار يشكّل ضرباً لقرارات الأمم المتحدة، وضرباً لقرار الجمعية العامة رقم 181. وهو يهدد في حال تنفيذه بخلق مشاكل أقليات لا تحصى، خصوصاً في أوروبا، وتحديداً في بلجيكا وفرنسا وإسبانيا وغيرها. وأظن أن الاتحاد الأوروبي مضطر للضغط بشكل أو بآخر، لتجنّب امتداد تأثير مثل هذا القرار دولياً. كما ثمة ناحية سياسية في هذا القرار، فالإسرائيليون ضغطوا لإصداره لأنهم يرغبون في حسم قضية القدس، وحسم قضية اللاجئين لصالحهم، وهو ما نجحوا به حتى الآن على الأقل، في حال طُبّق القرار على الأرض ونُقلت السفارة الأميركية إلى القدس.
* كيف ترى الموقف العربي والفلسطيني من هذه القضية؟
الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه العرب وارتكبه الفلسطينيون، يكمن في أنه لا يوجد لدينا استراتيجية لحماية القدس. نحن طوال الأعوام الماضية كنا نوثّق تهويد المدينة وحسب. صحيح أن إسرائيل سيطرت على الأرض وصادرتها واحتلت منازل الفلسطينيين، لكن وجود نحو 340 ألف فلسطيني في مدينة القدس سيظل شوكة في حلقهم. فعلى الرغم من كل إجراءات الاحتلال بحق الفلسطينيين في المدينة، إلا أنهم نموا سكانياً وأصبحوا اليوم يشكلون نحو 38 في المائة من عدد سكان المدينة.
نسبة الأراضي التي يملكها الفلسطينيون في القدس 13 في المائة، في حين أن ما نسبته 87 في المائة من مساحة المدينة بشطريها، استولت عليه إسرائيل، من خلال اعتبارها أراضي خضراء، أو للمصلحة العامة، أو أراضي مصادرة. واليوم هناك في القدس الشرقية المحتلة، أكثر من 58 ألف وحدة سكنية استيطانية.
* كيف يعمل الإسرائيليون للسيطرة على مدينة القدس، ما هي استراتيجيتهم؟
يعملون وفق استراتيجية ومشاريع محددة من أبرزها مشروع 2020، الذي يهدف إلى تقليص نسبة السكان العرب إلى 12 في المائة من المجموع العام للسكان مقابل 88 في المائة لليهود. وهو مشروع خصصت حكومة الاحتلال ملياراً ونصف المليار دولار لتحقيقه، وقارب تنفيذه على الانتهاء عبر التوسع الاستيطاني داخل حدود البلدية وخارجها وإقامة 58 ألف وحدة استيطانية، وإبعاد التجمعات السكانية العربية إلى خارج هذه الحدود. وهناك مشروع 5.800 لعام 2050، وهذا المشروع من أهم مشاريع اليمين الإسرائيلي تجاه مدينة القدس. يهدف المخطط إلى إقامة مطار دولي كبير في منطقة البقيعة القريبة من مدينة أريحا والبحر الميت، ولا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن المدينة، ويربط المنطقة بشبكة من القطارات، فضلاً عن إقامة مناطق صناعية وتجارية وفنادق، وتوسيع حدود بلدية القدس لتصل إلى أريحا شرقا وغوش عتصيون (بين الخليل وبيت لحم) جنوباً، وموديعين (اللطرون) غرباً، ويضمّ جميع الكتل والتجمعات الاستيطانية حول القدس لتصبح في نطاقها، ومساحة هذه الكتل تعادل 10 في المائة من الضفة الغربية.
* هل ضاعت القدس إذاً؟
لا لم تضع، فكما قلت هناك 340 ألف فلسطيني في القدس، سيظلون شوكاً في حلقهم.
واقع مؤسف، فالاحتلال يكاد يسيطر على كل شيء. ففي مجال الصحة بات هناك سيطرة شبه كاملة، وبعد أن كان مستشفى المقاصد أبرز المستشفيات في القدس، نراه اليوم يواجه خطر الإغلاق ويعاني أزمة مالية خانقة. أما في مجال التعليم، فنحن نرى انقضاض إسرائيل على مدارس المدينة ومحاولة فرض المنهاج الإسرائيلي عليها، مستغلة سيطرتها على 65 في المائة من المدارس، ومحاولتها مد نفوذها وهيمنتها على النسبة المتبقية من خلال الدعم المالي الذي تقدمه لها.
* وكيف نواجه استراتيجية الاحتلال فلسطينياً وعربياً؟
من خلال مشاريع الإسكان وترميم منازل الفلسطينيين، ودعم المؤسسات التعليمية والصحية والاقتصادية، بشكل مباشر وإعلان التوأمة معها من قبل المؤسسات العربية والإسلامية، هكذا نستطيع حماية القدس، على الأقل في المدى المنظور وحتى نستطيع التوصل الى حل معين. فمعركتنا مع الاحتلال في القدس على الحيّز، وصراعنا معه على كل سنتيمتر مربّع من الأرض. وإذا أردنا أن نقرن القول بالعمل، هناك مستوطن في مدينة القدس، يعرض مشروعاً استيطانياً مؤلفاً من 550 شفة للبيع بـ 250 مليون دولار، وعرضنا الموضوع على دول عربية عدة، ولم تتقدم أية دولة لدعمنا للشراء.
* ماذا عن أراضي الكنيسة الأرثوذكسية التي يجري بيعها من قبل البطريرك أو تأجيرها للاحتلال الإسرائيلي؟
هذه ليست قضية جديدة، جميع أراضي الكنيسة مسجلة باسم البطريرك ثيوفيلوس الثالث وهو يقوم ببيعها، ويستثمر أثمانها في اليونان.
* ماذا عن الرعاية الهاشمية في مدينة القدس؟ هل يستطيع الأردن حماية هذه الأراضي ومنع بيعها؟
الرعاية الهاشمية في مدينة القدس تقتصر على المسجد الأقصى، وما مساحته 44 دونماً فقط، ولا تشمل كنائس المدينة.
*سيرة
خليل تفكجي هو مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في بيت الشرق، وكان عضو الوفد الفلسطيني للمفاوضات خلال الفترة ما بين 1991-2001. كما يشغل منصب عضو لجنة البناء والتنظيم في محافظة القدس، وممثل فلسطين في الشعبة العربية للأسماء الجغرافية. له إصدارات عدة كان آخرها "خارطة فلسطين لما كانت عام 1948"، وكتاب "خارطة أحياء القدس والبلدة القديمة".