أنهى رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، أمس الأحد، زيارته لليبيا بلقائه الأطراف الرئيسية التي استهدفها مؤتمر باليرمو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، دون أن تأتي زيارته بنتائج ملموسة، سوى مواصلة بلاده الاتصال برئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، واللواء المتقاعد، خليفة حفتر.
وأكد مصدر دبلوماسي رفيع من طرابلس أن "القادة الأربعة الذين التقاهم كونتي لا يزالون متمسكين بمواقفهم السابقة ولم يتمكن من إحداث اختراق في جدار الأزمة المستعصية"، مشيرا إلى أن الأربعة يدعمون خطة المبعوث الأممي، غسان سلامة، بشأن عقد ملتقى وطني جامع وانتخابات.
وقال المصدر في حديث لـ"العربي الجديد" إن "المشكل يكمن في تفاصيل الذهاب إلى الانتخابات وفقا للدستور أو وفقا لقانون انتخابي مؤقت، كما تكمن في مسألة المؤسسة العسكرية برفض حفتر المطلق لوجود شركاء له في قيادة المؤسسة العسكرية"، مؤكدا أن كونتي رجع كما جاء لليبيا دون تقدم في المشاورات بين القادة الأربعة بل على العكس فقد بدت الهوة كبيرة بين صالح وحفتر بسبب إصرار الأول على إنفاذ التصويت على مشروع الدستور كأساس للانتخابات ورفض الثاني لذلك.
ويرى الناشط السياسي من بنغازي، جمال الأسود، أن الأزمة باتت منحصرة في شرق البلاد. وقال الأسود في حديثه لـ"العربي الجديد" إن "مواقف عقيلة بدت أكثر جهرا وعلانية، فما كان يخفيه من رفضه لحفتر أصبح يسعى له علنا اليوم من خلال محاولات إقصائه من خلال الانتخابات التي يرى أنها ستطيح بالسراج أيضا". وأشار إلى أن الأزمة في تزايد بعدما تحولت الانتخابات من حل إلى مشكلة.
وتابع الأسود أن أطرافا جديدة دخلت على الخط للوصول لحل شرق البلاد الذي طالما كان يمثل حفتر كذراع عسكرية ومجلس النواب كواجهة سياسية، مرجحا أن حفتر فقد الكثير من الثقة من قبل حلفائه الدوليين بسبب كثرة تغيير مواقفه بتأثيرات الضغوط التي يواجهها داخليا. وقال "في بنغازي وهي عاصمة حكم حفتر، طرأت في الآونة الأخيرة خلافات كبيرة استدعت تدخل وزير الداخلية بشرق ليبيا وهو شخصية مقربة من حفتر، للإعلان عن حالة الطوارئ لثلاثة أشهر ولا يمكن تصديق أنها من أجل الرصاص العشوائي أو سرقات السيارات كما جاء في إعلان الطوارئ، لكن الحقيقة أن معارضة مسلحة بدأت في الظهور في بنغازي وأن حفتر بدأ يفقد مدن شرق ليبيا والقبائل هناك واحدة تلو الأخرى". وبين أن الضغوط الداخلية أربكت مواقف حفتر مؤخرا حتى انه لم يعد يُفهم موقفه من إيطاليا وفرنسا، الخصمين المتنافسين على الملف الليبي.
وفيما يؤكد الأسود أن زيارة كونتي فشلت تماما في إحداث تقارب بين أبرز شخصيتين وهما السراج وحفتر، ترى الصحافية الليبية المقيمة في إيطاليا، نجاح الترهوني، أن الأمر خلاف ذلك فإيطاليا تعلم جيدا أنه لا يمكن تقريب وجهات النظر ولم تتعدّ زيارة كونتي كونها استمرارا لمحاولات قطع طريق وتأثيرات باريس على الملف الليبي.
وقالت الترهوني "يجب أن تعلم أن المواقف الإيطالية الداخلية ليست موحدة بشأن الأزمة الليبية وكونتي يعاني أزمات داخلية وتوجب عليه القيام بالزيارة لإظهار إدارته بأنها قادرة على إقصاء فرنسا وحشد مكاسب خاصة به".
وبشأن أهم ملامح الزيارة، قالت الترهوني لـ"العربي الجديد" إنه "يمكن أن تكون زيارة كونتي للتخفيف من غلو المواقف سيما لدى حفتر المتحفز للتقدم عسكريا باتجاه الغرب وما محاولته التقدم باتجاه السدادة المتاخمة لمصراته الأسبوع الماضي إلا دليل على هذا، كما أن مواقف خالد المشري بدت أكثر عدائية لحفتر من خلال تصريحات تلفزيونية أعقبت زيارة كونتي أمس، فهو يؤكد أن القوى العسكرية بغرب ليبيا ترفض حفتر وأنه لا يمكنه التقدم غربا".
وبينت أن حدوث أي مواجهة ليست في مصلحة إيطاليا بالدرجة الأولى التي ترى أن مؤتمرها في باليرمو آخر المؤتمرات وعلى أساس نتائجه تعمل الخطة الأممية حاليا.
وتابعت بالقول "إيطاليا تحمل رسالة المجتمع الدولي، ومجملها وتفاصيلها تجميد الأوضاع في ليبيا على ما هي عليه إلى حين انعقاد ملتقى وطني جامع يتكفل بإنتاج أطراف ووجوه جديدة ستغير من واجهة المشهد وسينتج عن لقائها ما يشكل ملامح مرحلة جديدة قد تتجاوز الوجوه الحالية أو على الأقل أغلبها".
وأكدت أن الملتقى الوطني الجامع هو "العلامة الفاصلة التي ستوقف المرحلة الماضية وتبدأ المرحلة الجديدة التي يعول عليها المجتمع الدولي من خلال جهود البعثة الأممية لتُبرز وجوها جديدة حول توافق أكثر لم تتمكن الاتفاقات والمؤتمرات الدولية من إنجازه"، لكنها أشارت بالقول أيضا إلى أن "أشخاصا مثل حفتر يمكن أن يستمر وجودهم عامل تهديد لأي مستقبل كونه غير معني بالانتخابات كالأجسام السياسية الأخرى التي قد تطيح بها نتائج الانتخابات، ما يعني ضرورة أن تعمل البعثة الأممية على صياغة شيء يجبره على التخلي عن أهدافه العسكرية على الأقل إن رغب المجتمع الدولي في توليته منصبا لاحتوائه".