تستمرّ التحرّكات الشعبية في
لبنان، احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية والتي باتت تتأجج يومياً على مسمعِ المسؤولين السياسيين والماليين والمصرفيين، المتهمين بتنفيذ سياساتِ تفقير الشعب وتجويعهِ وإدخالهِ في مرحلةِ الموتِ البطيء، في وقتٍ لم تؤد كثرة
الحوارات والجلسات إلى رسم خارطة الحلّ أو البدء بتنفيذ إصلاحات جذرية.
وقطع عددٌ من المحتجين، صباح اليوم الجمعة، أوتوستراد الجية (محافظة جبل لبنان) عند مفرق برجا بالاتجاهين بالعوائق والشاحنات، قبل أن يتمكّن الجيش اللبناني من فتح الطريق بالقوّة، حيث حصل إشكال بين العناصر والمعتصمين بهدف إبعادهم وتأمين حركة السير للمواطنين الذين علقوا بزحمة سير خانقة لساعات طويلة.
كما سجّلَ قطعٌ للطرقات في عددٍ من المناطق الشمالية والجنوبية والبقاعية، في ظلّ انتشار أمني للعمل على فتحها. وجاء ذلك احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار الذي لامس اليوم الـ7200 ليرة لبنانية، وابتعاده بأشواطٍ عن سعر الصرف الرسمي الثابت على 1507 ليرات، والأسعار التي حددها مصرف لبنان لدولارات المودعين، وتلك التي تعلنها نقابة الصرافين، والتي لا تتجاوز الـ4000 ليرة. وانعكس ذلك بشكل كارثي على أسعار السلع والمواد الغذائية ومختلف أنواع البضائع في شتّى القطاعات، وأدى الى تدهور العملة الوطنية وانعدام القدرة الشرائية عند اللبنانيين.
في السياق، اعتصم عددٌ من الناشطين، اليوم الجمعة، أمام وزارة الشؤون الاجتماعية في بيروت، واقتحم البعض منهم المبنى حيث رددوا هتافات تندد بالسياسات التي أفقرت الشعب اللبناني ولا تزال تزيد من جوعه. وتطرق الناشطون إلى صور نشرتها وكالة "فرانس برس" لثلاجات عائلات لبنانية خاوية أحدثت ضجة واسعة على الصعيدين المحلي والدولي.
ودعا المعتصمون الجهات المسؤولة والعاملة في الوزارة، إلى زيارة منازل اللبنانيين ومعاينة ثلاجاتهم ووضعهم المعيشي الخطر، وتحمّل مسؤولياتهم في الوقوف إلى جانب الشعب بدل وضع سياسات تساهم في تفقيره. وسجل حصول إشكال بين المحتجين والعناصر الأمنية عند إخراج الشبان بالقوة من المبنى، ما أدى إلى سقوط جريحين في صفوف الناشطين، وفق ما أفادت "مجموعة شباب المصرف" المدنية.
كذلك، اعتصمَ عدد من الناشطين أمام قصر العدل في بعلبك (شرق) للمطالبة بقضاء حرّ ومستقل وعادل قادر على محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة وسط انتشار أمني كثيف. وطالب المحتجون بإطلاق سراح أحد الناشطين حماية للحريات التي يكفلها الدستور.
وفي الإطار نفسه، تنفذ وقفات احتجاجية أمام عددٍ من الدوائر القضائية والأمنية في لبنان، رفضاً للممارسات القمعية والاعتقالات التعسفية بحق الناشطين الذين "يتحرّكون من وجعهم وفقرهم والحالة التي وصلت إليها البلاد وكل ردة فعل من قبلهم ليست إلا نتيجة أفعال السلطة السياسية التي أودت بالوطن الى الانهيار ونهبت مال الدولة اللبنانية وحقوق الشعب"، وفق القائمين على تلك الوقفات.
وعلى وقع التحركات، أكد الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الجمعة، في لقاءاتٍ له بالقصر الجمهوري في بعبدا، أنّ "الوضع الحالي قد زاد من نسبة العوز وأرهق كاهل اللبنانيين، لكن همنا الأول يكمن الآن في تحقيق الاكتفاء الغذائي للشعب اللبناني الى جانب الأمن". ورأى أنّ "التظاهرات التي حصلت في البداية كانت عملاً ديمقراطياً يُظهر حاجات الشعب أمام الحكم. إلا أنه دخلت عليه لاحقاً عناصر غريبة عن الوطن ولا ترتدي الطباع اللبنانية الهادئة فاستفاضت بالشغب، مرتدية طابع الفرق المتخصصة بالإرهاب"، على حد قوله.
وأضاف، "عملنا يتكامل مع ما يقوم به جميع الخيرين في لبنان، لا سيما لجهة المساعدة على تدعيم مقومات العيش الكريم والدفاع عن الإنسان كي يبقى قادراً على تناول لقمة العيش والاستمرار في العمل"، مشدداً على أنّ "علينا القيام بهذا الواجب، وسنقوم به من ضمن قدرات الدولة التي باتت محدودة للغاية الآن"، كما قال.