ووصل الـ24 مفاوضاً عن الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائها، إلى استوكهولم في الـ48 ساعة الماضية، وسط تحضيرات فنية وإجراءات أمنية وصفتها مصادر يمنية قريبة من المفاوضين لـ"العربي الجديد"، بأنها على درجة عالية من الترتيب والإعداد، من قبل الفريق الأممي والسلطات السويدية التي تستضيف المشاورات، بعد أن كثفت جهودها الدبلوماسية التي تدعم العودة باليمن إلى المسار السياسي منذ شهور.
ومن المتوقع أن يشهد اليوم الأول من المشاورات في استوكهولم جلسة افتتاحية، إذ يلقي المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، كلمة يكشف فيها عن أجندة المفاوضات وتطلعاته للاتفاق خلالها، بالإضافة إلى كلمات رؤساء الوفود، عن الحكومة خالد اليماني، وعن الحوثيين محمد عبدالسلام وعن حزب المؤتمر الشعبي العام، بشقه الخاضع لسلطة الجماعة، جلال الرويشان، وذلك بحضور دبلوماسي كبير على مستوى البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى اليمن.
وتعد مشاورات السويد الأولى من نوعها منذ أكثر من عامين، إذ اكتمل وصول أعضاء الوفدين إليها، في أجواء إيجابية نسبياً سبقها تراجع وتيرة العمليات العسكرية منذ أيام، وفي ظل اهتمام دولي غير مسبوق، خصوصاً بعد جريمة تصفية الإعلامي السعودي جمال خاشقجي.
وبدت معالم الاهتمام الدولي في الحديدة الشهر الماضي، عندما أدت الضغوط إلى تجميد العمليات العسكرية فيها، ومن خلال جملة التصريحات والمواقف الدولية الصادرة بشأن اليمن، بما في ذلك، الموقفان الأميركي والبريطاني، واللذان شددا على أنه آن الأوان لتضع الحرب أوزارها بعد ما يقرب من أربعة أعوام على تصعيد الحرب.
وتمثل محادثات السويد، في السياق، اختباراً لجدية المواقف المعلنة، ولجهود المبعوث الدولي مارتن غريفيث، الذي فشل في جمع الطرفين على طاولة مفاوضات في جنيف مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، غير أنه سعى إلى تدارك الموقف هذه المرة، من خلال الحضور إلى صنعاء بصفة شخصية لمرافقة وفد الحوثيين على متن طائرة كويتية، حملت على متنها، أيضاً دبلوماسيين وأعضاء في الهيئة الاستشارية للمبعوث الأممي.
وكانت الكويت التي أرسلت طائرة تقل الوفد الحوثي من صنعاء، آخر محطة التقى فيها وفدا طرفي المفاوضات في أغسطس/آب 2016، وهو الشهر الذي انتهت فيه أطول جولة مشاورات رعاها المبعوث السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وانتهت بخيبة أمل، اقتضت مرور ما يزيد عن عامين، قبل الالتقاء على طاولة مفاوضات جديدة في استوكهولم.
ووفقاً لمصادر مطلعة مقربة من الوفد الحكومي المفاوض، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن المشاورات ستبحث بصورة أساسية ملفات "بناء الثقة"، والتي يأتي في مقدمتها الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، بعدما توصل الطرفان إلى اتفاق بالإفراج المتبادل عن جميع الأسرى والموقوفين، عبر آلية يتم الاتفاق على تفاصيلها خلال مشاورات السويد، ويحتجز الحوثيون في السياق، العدد الأكبر من المعتقلين من معارضيهم ومن المتهمين بتأييد الحكومة الشرعية، منذ سنوات.
بالإضافة إلى ذلك، يأتي الملف الإنساني والمرتبط بتأمين وصول المساعدات إلى مختلف المناطق، بما في ذلك، مطالبات الحوثيين بإعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات المدنية وما يتعلق بالوضع في ميناء الحديدة، الذي عرض الحوثيون منح الأمم المتحدة دوراً رئيسياً بإدارته، في مقابل رفض الحكومة اليمنية، ومطالبتها بأن يتم تسليم الميناء والمدينة إلى القوات الحكومية. ومن شأن الاتفاق حول الحديدة أو عدمه، أن يكون له الأثر المحوري والمباشر في إنجاح المفاوضات أو إفشالها، بوصف الحديدة الاختبار الأهم للمفاوضات ولنوايا الطرفين من خلال المفاوضات.
وإلى جانب ملفي الأسرى والحديدة، تتناول مفاوضات السويد المقترحات الاقتصادية بشأن وضع البنك المركزي اليمني، إذ تقترح الأمم المتحدة صيغة بشأن توحيد عمل المصرف ودفع مرتبات موظفي القطاع العام في مختلف محافظات البلاد، بعد انقطاع مرتباتهم منذ أكثر من عامين. وتشترط الحكومة على الحوثيين تسليم الإيرادات إلى المركز الرئيسي للمصرف المركزي في عدن، حتى تتكفل بصرف مرتبات العاملين في مختلف مناطق البلاد، بما فيها الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
واستبق مدير مكتب الرئيس اليمني، عبد الله العليمي، وهو أحد أعضاء الوفد المفاوض، وصول الفريق إلى السويد أمس بالقول عبر تويتر إن المحادثات تمثل "فرصة حقيقية للسلام"، فيما لم يتضح ما إذا كان الطرفان المتحاربان سيجريان محادثات مباشرة أم أن غريفيث سيقوم بجولات مكوكية بين الجانبين.
وتقول المحللة في "مجموعة الأزمات الدولية" إليزابيث ديكنسون، لوكالة فرانس برس: "لدينا الآن فرصة متاحة، ربما الأفضل منذ شهور، للبدء أخيراً في محادثات سلام". وتضيف: "خطر المجاعة أثار اهتماماً دولياً"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن السؤال يبقى حول ما إذا ستكون الضغوط الدولية كافية لدفع الحوثيين والحكومة لخوض المفاوضات "بشكل جدي".
من جهته، يؤكد المتخصص في سياسات الخليج نيل باتريك أن المرحلة الحالية هي "الوقت الأكثر ملاءمة لإنهاء القتال الدائر. ويشدد على أن "مقتل جمال خاشقجي منح الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فرصة لتحاولا دفع السعوديين ليكونوا أكثر جدية حول ما يمكن أن يشكل نهاية مؤاتية للقتال بالنسبة إليهم ولحلفائهم اليمنيين".
وأبلغت الولايات المتحدة، أول من أمس، مجلس الأمن الدولي أنه ينبغي تأجيل مشروع قرار يدعو إلى هدنة في اليمن إلى حين إجراء محادثات السلام التي رحبت بها. وقالت المتحدّثة باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة هيذر ناورت: "ليست لدينا أوهام، ونحن نعلم أنّ هذه العمليّة لن تكون سهلة، لكنّنا نرحّب بهذه الخطوة الأولى الضروريّة والحيويّة"، ودعت الأطراف المتحاربين إلى الانخراط فيها "بشكل كامل وصادق" و"وقف أيّ أعمال عدائية جارية"..
بدوره، يرى الخبير في شؤون اليمن فرانك ميرمييه، من مركز "سي أن آر أس" للأبحاث السياسية في فرنسا، أن الضغوط على السعودية بعد مقتل خاشقجي قد تكون "عبّدت الطريق" أمام تنظيم محادثات السلام و"أدت إلى هدنة مؤقتة" في المعارك الدائرة في مدينة الحديدة في غرب اليمن. لكنه يشير، رغم ذلك، إلى أن الضغوط قد لا تكون كافية "لإجبار السعودية على وقف الأعمال القتالية من دون تحقيق مكاسب عسكرية كبيرة على الأرض".
إلى ذلك، يقول المحلل اليمني بليغ المخلافي، المؤيد للحكومة، والذي يحضر المحادثات كمستشار فني، لوكالة أسوشييتد برس: "لا أتوقع الكثير من هذه الجولة ... ربما سيكون هناك المزيد من تبادل السجناء أو بعض التقدم في الاقتصاد، لكنني لا أعتقد أن الحوثيين سيغادرون مدينة الحديدة سلماً. يعتقدون أن لديهم ورقة قوية هناك".