بعد قرابة خمسة أشهر من منح الثقة لـ"حكومة التسوية" في العراق، كما اصطلح عليها سياسيا، برئاسة عادل عبد المهدي، وهي الحكومة العراقية السادسة منذ عام 2003، تجد اليوم نفسها أمام تحديات داخلية مختلفة، أبرزها انهيار الخدمات ونقمة الشارع، وخاصة بالجنوب والوسط، وارتدادات الصراع السياسي بين القوى والكتل المختلفة، في ظل افتقار رئيس الوزراء لكتلة سياسية يستند إليها، على خلاف كل الحكومات السابقة.
التردد وضعف القرارات، وعدم تحقيق نتائج ملموسة في الملفات الخدمية المنهارة بالبلاد، خاصة الصحة والتعليم والإسكان والبلديات، وقبل كل شيء ملف الفساد، وتفعيل دور القضاء العراقي في محاربته، والسيطرة على مؤشر الفقر والبطالة في البلاد، ليس أبرز الاتهامات التي تواجه عبد المهدي، بل تعدت إلى اتهام عدد من وزرائه في الارتباط بـ"البعث" أو حتى "داعش"، في ظل تعثر مستمر لإكمال التشكيلة الحكومية المتعثرة، حيث ما تزال وزارات الداخلية والدفاع والعدل والتربية بلا وزراء، وتدار بالوكالة من قبل رئيس الوزراء نفسه.
ووفقا لمصادر برلمانية في بغداد، فإن حراكا من كتل وقوى عدة تعمل حاليا على تقديم طلب لاستجواب عدد من وزراء عبد المهدي، أبرزهم الصحة والشباب والخارجية والصناعة، وهو ما قد يدفع كتلا أخرى إلى طلب استجواب وزراء آخرين ردا على استجواب وزراء يتبعون لها سياسيا.
وقال عضو في البرلمان العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن قسما من هذا الاستجواب "ابتزاز سياسي" لعبد المهدي للحصول على مكاسب منه، خاصة فيما يتعلق بتسمية الدرجات الخاصة التي تستعد الحكومة لاختيارهم، وهم وكلاء الوزراء والمدراء العامين والمستشارين ورؤساء الهيئات، وكذلك استعراض للقوة، متوقعا ألا يتم فعلا استجواب كل الوزراء، لكن في حال فشلت جولة المباحثات المرتقبة والأخيرة بين تحالفي "سائرون" و"الفتح" حول مرشح وزارة الداخلية "سنشهد عملية استعراض قوة داخل البرلمان، بين المعسكرين السياسيين".
فيما نقلت وكالة إخبارية محلية عراقية عن عضو البرلمان علي البديري قوله إن هناك حملة جمع تواقيع للإطاحة بأربعة وزراء خلال الفصل التشريعي الثاني، مشيرا إلى استكمال عدة ملفات لاستجواب وإقالة أولئك الوزراء.
وبحسب البديري، الذي ينتمي إلى التكتل الذي يقوده مقتدى الصدر، فإن "هناك رغبة لدى أعضاء مجلس النواب لتفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب من خلال استجواب وإقالة الوزراء الذين يثبت تقصيرهم بالعمل أو من خلال وجود ملفات سابقة متعلقة بالفساد تجاه البعض منهم، أو قانون المساءلة والعدالة"، في إشارة إلى القانون المتعلق بحظر حزب البعث.
وأضاف البديري أن "هناك بعض الأمور يتم التريث بسببها في المضي بخطوة الإقالة، ومنها على وجه الخصوص انتظار استكمال التشكيلة الوزارية لرئيس مجلس الوزراء كي لا يؤثر النقص الحاد في عدد الوزراء على عمل الحكومة، التي يسعى الجميع لدعمها لتحقيق منهاجها الحكومي وتقديم الخدمات.
وأكد أن "هناك فعليا خطوات يتم المضي بها داخل قبة البرلمان بشأن استجواب وإقالة الأربعة الوزراء بشأن ملفات عديدة، بعضها متعلق بالتلكؤ في العمل، وأخرى في ملفات شبهات فساد والمساءلة والعدالة".
وكشفت لجنة الصحة والبيئة البرلمانية عن ملفات فساد تخص وزير الصحة علاء العلواني، متوعدة باستجوابه خلال الجلسات المقبلة.
وقال عضو اللجنة جواد الموسوي إن "هناك خروقات كبيرة في عمل الوزير الجديد، منها شبهات فساد في عقود مرض اللوكيميا واستيراد اللقاحات"، مبينا أن "ملف الفساد الآخر هو استمرار العلواني في منصبه كمدير إقليمي للشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، والمدير العام المساعد لمنظمة الصحة العالمية في جنيف، دون أن يقدم استقالته بعد حصوله على منصب وزارة الصحة العراقية".
وأضاف أن "لجنة الصحة تستعد لاستضافة العلواني واستجوابه داخل مجلس النواب بشأن تلك الملفات والخروقات في عمله".
ويأتي ذلك في وقت أعلن النائب عن تحالف "الفتح" فالح الخزعلي، البدء بجمع تواقيع لاستجواب وزير الخارجية محمد علي الحكيم في البرلمان، مضيفا، في بيان صحافي، أنه "بدأنا بجمع التواقيع لاستجواب وزير الخارجية محمد علي الحكيم لوجود مخالفات قانونية بأداء عمل الوزير وسياسة الوزارة".
وعلى مستوى إكمال الوزارات الشاغرة في الحكومة العراقية، تؤكد جهات سياسية أنّ هذه التحركات ستلقي بظلالها على محاولات استكمال التشكيلة الحكومية، والتي أصبحت غير ممكنة من دون التوافق السياسي بين الكتل.
وقال النائب عن كتلة النهج الوطني، حسين العقابي، في تصريح متلفز: "المعطيات تؤشر إلى عدم وجود توافق سياسي بين القوى السياسية، بشأن إكمال التشكيلة الحكومية"، مبينا أنّ "كل وزارة شاغرة هي أزمة منفصلة عن غيرها، ولها أبعادها الخاصة،فأزمة وزارة الدفاع غير أزمة الداخلية، وغيرها في التربية والعدل".
وأكد العقابي أنّ "إكمال التشكيلة الحكومية يحتاج إلى توافق سياسي بين الكتل"، مشدّدا على "ضرورة تصحيح مسار الحكومة التي تم فيها استوزار أشخاص غير أكفاء، خاصة وأنّ رئيس الحكومة كان قد تعهد بإقالة أي وزير غير كفء".
في السياق ذاته، قال النائب محمد شياع السوداني، عن ائتلاف "دولة القانون"، الذي يتزعمه نوري المالكي، اليوم الأحد، إن تحالفي "الفتح" و"سائرون" فشلا في إكمال التشكيلة الوزارية، فيما لفت إلى أنه "لا يوجد أي تحرك لحل الأزمة"، مبينا، في تصريحات أوردتها وسائل إعلام عراقية، أن "التفاهمات السياسية عجزت عن حسم ملف التشكيلة الوزارية".
وأضاف: "لم نلمس أي تحرك باتجاه تسمية ما تبقى من الوزراء"، وبين أنه "كان يأمل أن تحسم التفاهمات الأخيرة لـ"الفتح" و"سائرون" الكابينة، وتقدم أسماء المرشحين للبرلمان ليتم التصويت عليها".
يأتي ذلك في وقت كشفت مسؤولون لـ"العربي الجديد" عن توتر العلاقة بين البرلمان ورئيس الحكومة عادل عبد المهدي، بسبب الحراك للتصويت على قانون إلغاء مكاتب المفتشين العموميين.
ويتزامن التصعيد السياسي، الذي يؤشر التوجه نحو أزمات معقدّة، مع بداية الفصل التشريعي الثاني للبرلمان، والذي توقع مراقبون أن يكون حافلا بالخلافات والأزمات كالفصل السابق.