يستعد رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري لإجراء ورشةٍ تنظيمية داخل تيار المستقبل الذي يرأسه، وذلك بالاستناد إلى النظام الداخلي والصلاحيات الاستثنائية الممنوحة له من المكتب السياسي في الحزب. هذه الورشة، تطرّق إليها الحريري في الكلمة التي ألقاها يوم 14 فبراير/شباط الحالي في الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، إذ أشار إلى أنّ تيار المستقبل أمام تحديات مصيرية على مستوى الخيارات السياسية والتنظيمية، والأهم على مستوى العلاقة مع جمهور واسع، لافتاً إلى أنّ هناك إعادةً للهيكلة بعدما انعكست الأزمة المالية التي يعيشها لبنان على أنشطة التيار وأدت إلى وقف مؤسسات إعلامية وخدماتية وصحية. موقف الحريري، رافقته تساؤلات كثيرة حول طبيعة إعادة الهيكلة وتوقيتها، ولا سيما أنّه يلجأ إلى إحداث تغييرات على صعيد تياره كلّما دخل في مأزقٍ سياسيّ أو انتكاسةٍ شعبية، تماماً كما حصل بعد خسارة تيار المستقبل في الانتخابات النيابية عام 2018 التي قلّصت كتلته النيابية من 33 إلى 20 نائباً حين سارعَ إلى حلّ منسقيات التيار في عددٍ من الأقضية.
وشهدت تلك المرحلة أيضاً، إعفاء مسؤولين حزبيين بارزين من مهامهم وتقديم مدير مكتب الحريري حينها، ابن عمته نادر الحريري، استقالته، علماً أنّه كان بمثابة اليد اليمنى لرئيس تيار المستقبل في محطاتٍ كثيرةٍ وأدى دوراً كبيراً في التسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون إلى سدّة الرئاسة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016، والتي صاغها مع وزير الخارجية السابق، صهر رئيس الجمهورية، النائب جبران باسيل، وصولاً إلى التغيير الذي أجراه الحريري على صعيد الأسماء الوزارية المحسوبة على تياره في حكومة عام 2019 التي ضمّت 30 وزيراً واستبعد فيها شخصيات مقرّبة منه.
واليوم، يتردَّد اسم الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري إعلامياً بشكل يوحي بأنّه على خطى شقيقه نادر، الأمر الذي بدا أن أحمد وسعد الحريري يردان عليه بجلوسهما جنباً إلى جنبٍ في اجتماع المجلس المركزي لتيار المستقبل الذي عقد في 19 فبراير الحالي، في خطوةٍ نادراً ما تحصل، إذ يجلس إلى جانب الرئيس في معظم الأوقات وزراء أو مستشارون أو نواب، وقد وضعت في إطار رسالة مباشرة إلى كلّ المشككين في مكانة أحمد عند سعد الحريري الذي يكرر في كل مناسبة أنّ "أحمد هو أنا".
هذه التساؤلات، ردّ عليها منسق الإعلام في تيار المستقبل عبد السلام موسى، في حديث لـ"العربي الجديد"، إذ اعتبر أنّ سعد الحريري دائماً ما يُحارَب بالشائعات التي تطاول حزبه السياسي وتحاول الترويج لوجود خلافات داخلية على صعيد التيار، بينما تكون في الحقيقة إجراءات تنظيمية طبيعية في أيّ حزب ديمقراطي يسعى إلى التجديد وضخ دماء جديدة والتعلم من التجارب السابقة والأخطاء الماضية للعمل على معالجتها وعدم تكرارها في المستقبل. وأكد موسى أنّ التغييرات التي ستحصل تأتي في إطار المؤتمر العام لتيار المستقبل الذي ينعقد مرّة كل أربع سنواتٍ، والذي من خلاله يصار إلى تجديد الهيكلية التنظيمية لمواكبة المرحلة الجديدة، خصوصاً بعد المتغيرات التي أحدثتها انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وتعيد إنتاج السلطة داخل الحزب.
ولفت إلى أنّ المكتب السياسي في التيار انعقد بعد اجتماع المجلس المركزي وشكّل اللجان التي ستعد ثلاث أوراق، تنظيمية، سياسية، اقتصادية واجتماعية، وعند الانتهاء منها يتم تحديد موعد عقد المؤتمر العام. وكشف أنّ المؤتمر العام الثالث للتيار سيكون مختلفاً عن المؤتمرات السابقة، وسيراعي في هيكليته التنظيمية الجديدة معالجة كل الثغرات السابقة، والحؤول دون أي تضارب للصلاحيات بين هيئاته وتشكيلاته، بالاستفادة من التجارب السابقة.
على الصعيد السياسي، شدّد موسى، على أنّ تيار المستقبل ذاهبٌ هذه المرة إلى التعيينات لا الانتخابات كما حصل في المؤتمر الذي عقد عام 2016، وذلك بهدف تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب، سواء على صعيد الكفاءة أو الخبرة والقدرة على التواصل مع الناس، وأن يكون مسؤولاً معهم ولهم، ولا سيما أن تجربة الانتخابات كانت لها إيجابيات وسلبيات أبرزها ما أفرزته من نتائج لم تكن على قدر التطلعات في الشأن القيادي.
وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ المؤتمر العام لن يحصل قبل النصف الثاني من سنة 2020، وهناك احتمالات كبيرة لتأجيله إلى العام المقبل في حال طرأت تطورات سياسية ولا سيما شعبية، تدفع بالتيار إلى اعتبار المؤتمر حدثاً ثانوياً بالنظر إلى أهمية المرحلة ودقتها وارتفاع حدّة الأزمة. وفي حال عُقد المؤتمر هذا العام، فإنّ التنظيم لن يكون بحسب المصادر فضفاضاً، وسيطاول التقشف المادي الذي بات يعتمده التيار في مؤتمراته ومناسباته ولقاءاته التي كان ينفق عليها أموالاً طائلة.
وظهرت السياسة المادية التي يعتمدها تيار المستقبل مع اختيار بيت الوسط مكاناً لإحياء ذكرى اغتيال رفيق الحريري الـ15، بدلاً من مجمع "بيال" في بيروت الذي يعدّ واحداً من أهم المراكز التي تقام فيها أضخم المناسبات والمؤتمرات. وكذلك، مع دمج مكاتب تيار المستقبل في مقر الأمانة العامة المركزي في بيروت كما فعل الأمين العام أحمد الحريري الذي نقل مكتبه من قصر القنطاري في العاصمة اللبنانية إلى المقرّ، وهي من الإجراءات اللوجستية التي يعمل عليها. ومن الإجراءات التقشفية أيضاً، والتنظيمية في آن معاً، حصر تيار المستقبل المهام الشبيهة والقريبة إلى بعضها من حيث الصلاحيات والأدوار بشخصٍ واحد بدل توزيعها إلى عددٍ من المسؤولين وذلك بهدف خفض النفقات.