بريطانيا وخيارات الخروج الصعبة أوروبياً

05 أكتوبر 2016
تميل ماي لخيار الخروج النهائي (مات كاردي/Getty)
+ الخط -

وسط انقسام واضح بين "صقور بريكست خشناً" (مؤيدو القطيعة التامة والسريعة مع الاتحاد الأوروبي، والتشدد في مسألة الهجرة والخروج من السوق) وحمائم "بريكست ناعماً" (مناصرو البقاء في السوق المشتركة، مع ترك الباب موارباً أمام تنقل الأوروبيين) داخل حزب المحافظين البريطاني، تعهدت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، خلال افتتاح المؤتمر السنوي للحزب، بـ"العمل من أجل تحقيق أفضل اتفاقية لبلادها خلال مفاوضات خروجها من الاتحاد الأوروبي".

في هذا السياق، لم يجد المراقبون تفسيراً لتعهّد ماي، التي تبدو أكثر ميلاً لمعسكر مؤيدي "بريكست خشناً"، وقد ظهرت ميولها "الخشنة"، منذ يوم الأحد، باعتبارها أن "الخروج الموارب يعني تقويضاً للديمقراطية، وتعطيلاً لتنفيذ الإرادة الشعبية". بالتالي فإن حكومة بلادها لن تقبل بمبدأ التنقل الحر للمواطنين الأوروبيين بعد إتمام انسحاب بريطانيا بشكل رسمي من الاتحاد الأوروبي، في مقابل البقاء في السوق الموحدة.

كما تبدو ماي أكثر تشدداً، في تأكيدها أن حكومتها ستتجه العام المقبل إلى سنّ تشريع ينهي سيادة القوانين واللوائح الأوروبية في بريطانيا، تمهيداً لتحويلها إلى تشريعات بريطانية تتيح لبلادها استعادة سيادتها وصلاحياتها الكاملة ومن دون تدخل من الاتحاد الأوروبي. واعتبرت في هذا الصدد أن "القوانين ستشرع في لندن لا في بروكسل، كما أن القضاة البريطانيين سيعتمدون على قوانين تصدر من لندن، وليس من مقر محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ".

وفي مقابل الموقف البريطاني الساعي لتحقيق "أفضل اتفاقية"، ذكرت المفوضية الأوروبية أن "أي اتفاق لن يُتيح لبريطانيا دخول السوق الأوروبية الموحدة، إلا إذا قبلت لندن استمرار حرية حركة المواطنين الأوروبيين عبر الحدود". وقد عبّر رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، عن ذلك صراحة بالقول: "لا يمكن قبول بريطانيا في السوق المشتركة من دون أن توافق على حرية تنقل الأفراد من الاتحاد الأوروبي إلى أراضيها".

مع العلم أن دول مجموعة "فيسيغراد"، التي تضم كلاً من سلوفاكيا وتشيكيا وبولندا والمجر، تبدو أكثر حزماً إزاء المطالب البريطانية، إذ تعتزم التصويت برفض أي اتفاق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يتضمّن تقييداً لحقوق المواطنين الأوروبيين في حرية التنقل والمعيشة والعمل في بريطانيا وفقاً لنظام الحدود المفتوحة، حسب رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو.

وقال فيكو لصحيفة "الغارديان" البريطانية، يوم الأحد، إن دول "فيسيغراد" لن تسمح بالمساومة في هذا الأمر، و"إذا لم نضمن تمتع الأوروبيين الذين يعيشون ويعملون في بريطانيا بالحقوق المتساوية، فسنعترض على أي اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. بريطانيا تعلم أن هذه قضية لا مكان فيها للمساومة بالنسبة لنا".



ومع أن رئيسة الوزراء البريطانية، وزعيمة حزب المحافظين، التي تسعى إلى "نموذج غير مسبوق" يحدد علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي بعد الخروج، لم تشأ الكشف عن استراتيجيتها للتفاوض مع الاتحاد بعد تفعيل المادة 50 من اتفاق لشبونة في مارس/ آذار المقبل، وفقاً لما أعلنت ماي مطلع الأسبوع الحالي، إلا أن حدود الخيارات المُتاحة أمام بريطانيا في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي تظل محصورة في أربعة سيناريوهات، قد يرسم أحدها حدود العلاقات البريطانية الأوروبية في المستقبل.

أما أن تختار بريطانيا "نموذج النرويج ـ آيسلندا ـ ليشتنشتاين"، ما يعني بقاءها عضوة في المنطقة الاقتصادية الأوروبية المعروفة باسم السوق الأوروبية الموحدة، وفي مقابل ذلك، تقدم بريطانيا، كما حال النرويج، مساهمة لميزانية الاتحاد الأوروبي، ومنح حرية الإقامة والعمل في بريطانيا لجميع مواطني الاتحاد، مع الالتزام بجميع القواعد المعمول بها داخل الاتحاد، باستثناء قواعد الاتحاد الخاصة بالزراعة والصيد والعدالة والشؤون الداخلية. ويحرم هذا النموذج بريطانيا من الإدلاء برأيها في قواعد السوق الموحدة. ولا تبدو رئيسة الوزراء البريطانية، وأنصار "البريكست الخشن" مع هذا النموذج، لا سيما في ما يتعلق بمنح حرية الإقامة والعمل في بريطانيا لجميع مواطني الاتحاد، على الرغم من أنه يلبي رغبتهم في أن تظل السوق الموحدة متاحة أمام بريطانيا.

أما النموذج الثاني الذي يمكن أن تقتدي به بريطانيا في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، فهو "النموذج السويسري"، وهو لا يختلف كثيراً عن النموذج النرويجي، ومع ذلك يبدو أقل قبولاً لدى حكومة تيريزا ماي، لا سيما أنه سيلزم بريطانيا بمنح حرية الإقامة والعمل في المملكة لجميع مواطني الاتحاد الأوروبي، في مقابل فتح جزئي للسوق الموحدة أمام بعض القطاعات الاقتصادية والتجارية البريطانية. ويفضل مؤيدو "الباب الموارب" هذه النماذج، ويرون أن التمسك بعلاقات تجارية مع الاتحاد الأوروبي يحقق "المصالح الوطنية" البريطانية.

والخيار الثالث، هو "النموذج الكندي"، إذ يُمكن لبريطانيا التفاوض مع الاتحاد الأوروبي لإنجاز اتفاقية تجارية واقتصادية شاملة، تمنحها امتيازاً للتعامل مع السوق الأوروبية الموحدة، من دون التمثّل بالالتزامات المفروضة على النرويج وسويسرا في ما يخص تنقل الأفراد. ويشير منتقدو هذا النموذج إلى أن بريطانيا لديها شبكة علاقات مع الاتحاد الأوروبي أكثر تعقيداً بكثير من كندا، كما أن هذا النموذج قد لا يمنح الخدمات المالية البريطانية الفرصة نفسها المتاحة أمامها حالياً للوصول إلى السوق الأوروبية. وأخيراً هناك "نموذج سنغافورة وهونغ كونغ"، وهو النموذج الذي يؤيده صقور "بريكست"، ويعني اتّباع بريطانيا سياسة تجارة حرة أحادية، تسقط كل الرسوم الجمركية، وتعتمد العمل بقواعد منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك مع دول الاتحاد الأوروبي.

وسواء سلكت المفاوضات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي الطريق "المُؤلم"، كما توعد رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيكو، في قمة براتيسلافا قبل أيام، أو مضت تلك المفاوضات في مناخ "موضوعي وجيد" دعت له المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فإن تيريزا ماي، التي أنهت "أفضل أسابيعها" منذ توليها رئاسة الحكومة البريطانية في يوليو / تموز الماضي، مُقبلة على أيام صعبة في مواجهة المخاض السياسي والاقتصادي الداخلي، ومواجهة أعضاء الاتحاد الأوروبي، لا سيما أن لا نية لمعظمهم في التساهل معها.